ليبرمان يؤكد على الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية/ د. مصطفى يوسف اللداوي

ما لا نستطيع أن نتفوه به صراحةً وعلناً، يكفينا مؤونته دوماً وزير خارجية دولة الاحتلال أفيغودور ليبرمان، الذي تعود على إطلاق التصريحات المعبرة عن حقيقة الموقف الإسرائيلي، والتي تصف دون دبلوماسية أو مجاملة، السياسة الرسمية الإسرائيلية تجاه مجمل الأحداث التي تتعلق بكيانهم، المحلية والاقليمية والدولية، وهي التصريحات ذاتها التي يعود إلى تكرارها من جديد عند كل مناسبة، رغم تعقيبات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه الوحيد بصفته الذي يعبر عن السياسية الإسرائيلية، وأن تصريحات ليبرمان لا تعبر عن السياسة الإسرائيلية، وإنما هي مواقف شخصية لوزير الخارجية، وهي غير ملزمة لإسرائيل.

آخر تصريحات أفيغودور ليبرمان كانت تحديده الواضح لمهام السلطة الفلسطينية، والذي أكد فيه على الدور المنوط بها، والمهام المكلفة بها، والغاية منها، والهدف من بقاءها واستمرارها، ورغم أنه لم ياتِ بجديدٍ في تصريحاته، إذ نعلم جميعاً، نحن وغيرنا، أن هذه هي فقط وليس غيرها مهام السلطة الفلسطينية، ولكن عندما يصرح بها وزير خارجية دولة العدو، فإنه يؤكد على الفهم الإسرائيلي لدور السلطة الفلسطينية بموجب الاتفاقيات الموقعة والتفاهمات السرية والمعلنة، ويدحض كلياً محاولات السلطة الفلسطينية التي تحاول دوماً أن تكذب إدعاءات ليبرمان، وتهمل تصريحاته، ولا تعيرها اهتماماً، بحجة أنها لا تعبر عن الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية، وأنه غير معني رسمياً بمسار المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، ولكن ليبرمان يتعمد دوماً أن يصفعها على وجهها لتصحو، ويضربها على رأسها لتتنبه إلى حقيقة الدور المنوط بها، وحقيقة المهام والواجبات الملزمة بأدائها، ولا يهمه أن تنكر السلطة الفلسطينية أو تعترف، إنما يهمه أن تلتزم وأن تقوم بواجباتها.

وقد شهد أفيغودور ليبرمان للسلطة الفلسطينية أنها تقوم بواجبها على أكمل وجه، وهي لا تقصر في شئٍ من واجباتها، ولا تنسى التزاماتها تجاه إسرائيل، فالتنسيق الأمني معها قائمٌ وفاعل، وملاحقة المطلوبين الأمنيين جارٍ، وتطبيق إلتزامات أنابلويس من طرف السلطة واقع، وتطبيقها لشروط الرباعية، واشتراطات خارطة الطريق، جمعاً للسلاح، واعتقالاً للمطلوبين، وتقديماً للمعلومات، ومنعاً للعمليات العسكرية، كل ذلك تلتزم به السلطة الفلسطينية، وتؤدي الدور باقتدارٍ وإخلاصٍ شديدين، نيابةً عن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وفي الجانب الآخر ينشط رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله في القطاع الاقتصادي، فيفتتح المشاريع، ويبني المؤسسات، ويخلق فرصاً جديدة للعمل، تحت الاحتلال وضمن الشروط المحددة للدول المانحة.

إسرائيل على لسان وزير خارجيتها حددت مهام السلطة الفلسطينية بوضوحٍ وجلاء، رخاءٌ اقتصادي يرفع الحرج عن دولة الاحتلال، ويحقق ازدهاراً للاقتصاد الإسرائيلي، الذي يتحكم في البنى الأساسية للنظام الاقتصادي الفلسطيني، وتنسيقٌ أمنيٌ يقضي على كل محاولات المقاومة، التي تهدد أمن كيانهم، ولا حاجة بعد تحقيق هذين الهدفين إلى دولة فلسطينية، ولا إلى اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، فإسرائيل قادرة وجاهزة للتعايش لعقودٍ من الزمن ضمن هذا الواقع الآمن الذي تخلقه وتفرضه القوة والاشتراطات الإسرائيلية، والسلطة الفلسطينة راضية بدورها، ومستعدة له، وتقوم به بأمانةٍ وإخلاص، فلا داعي إذا لاستعجال الأمور، ولا داعي لتدخل الاتحاد الأوروبي في الشأن الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ أن التنسيق الاقتصادي والأمني بين الطرفين قائم، والفريقان راضيان عن أداءهما، ولهذا فليس هناك حاجة لاستعجال الحل السياسي، وليس هناك حاجة لأن تتدخل أطراف دولية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يرغبان في التدخل، فلجهة تنشيط وتفاعل التنسيق الأمني والاقتصادي بين الطرفين فقط، دون التدخل في الشؤون السياسية، وفي آفاق الحل السياسي، داعياً الأطراف الدولية إلى تشجيع السلطة الفلسطينية للقبول بالوضع الراهن، وعدم فرض شروط استباقية، ولا المطالبة بتجميد أو وقف الاستيطان شرطاً لاستئناف المفاوضات، ولا القيام بخطى أحادية الجانب تنتهك وتخالف الاتفاقيات الدولية والموقعة، ومطالبتها بعدم باستعجال الخطى السياسية، تمهيداً لخلق المزيد من الثقة الإسرائيلية بالسلطة الفلسطينية.

الحكومة الإسرائيلية لا تثق بالسلطة الفلسطينية، ومازالت تأمل منها بذل المزيد من الجهود ضمن الهدفين المحددين، فهي على الرغم من كل ما قامت به تجاه إسرائيل من اعتقالٍ لمئات الفلسطينيين، وتسليمٍ لعشرات المطلوبين، ورغم قيامها بتنشيط وتفعيل التنسيق الأمني، الذي لا يتعطل حتى في ظل أسوأ الظروف، وفي ظل الاعتداءات الإسرائيلية القاسية ضد سكان ومدن الضفة الغربية، فإن التنسيق الأمني يبقى قائماً، ومع ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية غير راضية عن أداء السلطة الفلسطينية، وتطالبها ببذل المزيد من الجهود، وتمنحها فرصة عشرة سنوات لتثبت مصداقيتها وجهوزيتها، وأنها أهلٌ للتوصل إلى اتفاق سياسي مع الحكومة الإسرائيلية، فما الذي تريده إسرائيل من السلطة الفلسطينية أكثر مما تقوم به الآن خدمةً لها، وحراسةً لمصالحها، وضماناً لأمنها، وملاحقةً للخطرين على سلامتها، فهل هناك خدماتٌ أخرى أكثر مما تقوم به السلطة الفلسطينية الآن، ولكنها الطبيعة الإسرائيلية، وربما هي الجبلة اليهودية، التي لا تشبع، والتي لا يتوقف نهمها، إذ ليس لأطماعها حدود، ولا لأحلامها نهاية، فهي تطالب كل يومٍ بالمزيد، وفي كل يومٍ تتجدد طلباتها، وتتضاعف شروطها، وتتغير التزاماتها.

إن على السلطة الفلسطينية في رام الله أن تدرك حقيقة المواقف الإسرائيلية المطلوبة منها، فهي تريدها أن تلعب دور الشرطي، ودور السجان، بل تريدها أن تكون سلطة روابط قرى جديدة، فتلاحق الفلسطينيين وتعتقلهم أو تقتلهم سواء، وتهتم لأمن الإسرائيليين وسلامتهم، كما تريد منهم أن يعترفوا بيهودية الدولة العبرية، وبسيادتها على ما تقتطع من اراضٍ في الضفة الغربية، ثم تحاكمها على نتائج جهودها الأمنية، وتطالبها ببذل المزيد، فهي تريد أن تحرجها أكثر، وأن تلحق بها الخزي والعار، ولا تبالي بفضيحتها، ولا تحرص على ستر عورتها، ولهذا فإن على السلطة الفلسطينية أن تبرأ من هذه المهام والإلتزامات، وتبادر وتعلن للفلسطينيين والعالم كله، حقيقة دورها الوظيفي الوطني، وحتى ترد على ليبرمان فتكون سلطةً وطنية شرعية، فإن عليها أن تطلق سراح المعتقلين، وأن توقف التنسيق الأمني، وتزيل العقبات من أمام مسار الوفاق الوطني، وتمد يدها لأهلها وشعبها والفصائل المقاومة، لتصنع معهم صلحاً واتفاقاً تبين فيه حقيقة دورها ووظيفتها، بأنها سلطة وطنية للفلسطينيين كلهم، تسعى لصالحهم، وتعمل من أجلهم، وتمد يدها لشركاءها في الوطن، وتعادي من يعتدي عليهم، ولا تسمح لنفسها أن تكون حارسةً للمصالح الإسرائيلية، فلن ترضى عنها إسرائيل حتى لو اتبعت ملتها، وربضت على ركبتيها على بواباتها ترعى وتحرس، وتعض وتنبح.


CONVERSATION

0 comments: