حدوثة رعب مصرية...الجزء الثاني/ فراس الور

...أجَابَتْ جَاكْلينْ مُتَفَاجِئَة "هذا إسْم إبْنَتي و لَكِنْ سَيًارَتُهَا في الشَرِكَة لِلْصِيَانَة الدَوْرِيَة،"
"يَبْدو أَنً الشَرِكَة تَعَرًضَتْ لِلْسَرِقَة لِأَنً السَيَارَة وُجِدَتْ في جَارْدِنْ سيتي في كورنيش النيل على مَقْرُبَة مِنْ فُنْدُقْ الجراند حياة."
صَرَخَتْ جاكلين "ماذا تقول؟!!!" 
فَهَرَعَ إليها بولص و مِرْفَتْ و علامات الإسْتِفْهَامْ على وَجْهَيْهِمَا؟"
"لا تَقْلَقي سَعَادَتُكِ فالسَيَارَة الحَمْدُلله بِأَلْف خَيْر فَقَدْ قُدْتُهَا بِنَفْسي الى مَرْكَزْ الشُرْطَة حينَمَا لَفَتَ إنْتِبَاهي وُجودْ إسْم البَاشَا على الرُخْصَة، انا المُقَدًمْ عبدالحليم شَوْكَتْ مَسْؤلْ القِسْم، ولَكِنْ سَامِحونى فَقَدْ وَجَبَ حُضورُكُم الشَخْصي لإسْتِلامْ المارسيدس مِنْ فَضْلِكُمْ و سَأُخْبِرُكُم بالتَفَاصيلْ في المَرْكَزْ"
المَتْحَفْ المِصريْ العَامْ - وَسَطِ القَاهِرَة-7:30 صَبَاحاً: 
جَلَسَ روماني الزواهري على مَكْتَبِهِ وهُوَ في قَلَقْ شَديدْ مِنْ المُكَالَمَة الهَاتِفِيَة التي إنْتَهَتْ مُنْذُ قَليلْ، ما الحَالَة الطَارِئَة التي قَدْ تَحْدُثْ مَعْ مِرْفَتْ في السَابِعَة و النِصْف صَباحاً و خُصوصاً بِيَوْم حَافِلْ  كَهَذا في تاريخ المَتْحَفْ المِصريْ العَامْ؟ كان يَجِبُ عَليهَا أَنْ تُحَاوِلْ جُهْدَهَا لِتَكونَ مَوْجودَة لإسْتِقْبَالْ المومياء و الأثار النَادِرَة، فالقَائِمَة تَضُم غَيْرَ المومْيَاءْ سَبْع قِطَعٍ و المَسْؤولِيَة كَبيرَة جداً، و لَكِنْ كَمَا يُقَالْ "الغَائِبْ حُجًتَهُ مَعَهُ"، فَلَمْ تُخْبِرَهُ بِأَيْ تَفَاصيلْ سِوى أَنًها سَتَتَأَخًرْ. 
كان التَوْتَرْ لا يُحْتَمَلْ و تَأَخُرْ مِرْفَتْ كاد ان يَخْنُقَهُ تَماماً، و لَكِنْ لَنْ يَسْتَطيعْ أَنْ يُعَكِرْ خَاطِرَهَا بِأَيْ لَوْم أو إعْتِراضْ، فَمِرْفَتْ كَانَتْ المُديرْ العَامْ و هُوَ نَائِبَهَا و إحدى واجِباتُهْ كَانَتْ الجُهوزِيَة للإنَابَةِ عَنْهَا في حال غِيَابَهَا الإطراري، فَكَانَتْ مِرْفَتْ تَتَمَتًعْ بِشَخْصِيَة قَوِيَة و حَازِمَة بإدارَتِهَا لِلْمُتْحَفْ، فَفي قَرارَةْ نَفْسِهِ كان يَعْلَمْ أنً الأَسْبَابْ لإنْضِبَاطِهِ في عَمَلِهِ بالإضَافَةِ الى شَهَادَةْ الماجستير في الأَثَارْ و خِبْرَتِهِ رَهْبَتَهُ مِنْ شَخْصِيَتِهَا و إعْجَابَهُ بِجَمَالِهَا، بالرُغْم مِنْ أَنًهَا كَانَتْ تَبْلُغْ مِنْ العُمْرِ سَبْعٌ و ثَلاثونَ رَبيعاً و كَانَتْ تَصْغُرُهُ سَنَة واحِدَة إلًا أَنً حَيَوِيًتَهَا و شَخْصِيَتِهَا الإدارية كَانَتْ مُمَيًزَة جداً، حَتَى لِدَرَجَة أَنًهَا حينَمَا كَانَتْ تُنَاديه الى مَكْتَبِهَا و تُحَدِثُه بِأُمورْ العَمَلْ كَانَ الإرْتِبَاكُ يُخَيِمْ عَليه و يَتَلَعْثَمْ في حَديثِه بَيْنَ الًلحْظَة و الأُخْرَى أَثْنَاء الإجْتِمَاعْ. 
كَانَتْ مِرْفَتْ جَميلَة جداً في عَيْنَيْه، و كَانَتْ ذاتْ قَوامْ طَويلْ يَبْلُغْ مِتْراً و ثَمَانينْ سَنْتيمتراً، فَقَدْ سَمَحَ لِنَفْسِهِ بِقَرأَتْ مَلَفِهَا الوَظيفي في مَكْتَبِهَا في لَيْلَة تَأَخًرَ فيها بِمَكْتَبِهِ لإتْمَامْ عَمَلْ مُهِمْ، وأَخَذَ صُورَة صَغيرَة مِنْ الصُوَر المَوْجودَة بالمَلَفْ لِتَبْقَى صَورَتِهَا قَريبَة مِنْهُ، لِيَنْظُر إليها حينَمَا يَشْتَاقْ لَهَا، و عَرَفَ أَيْضاً أَنًهَا مِنْ مواليد 18 مِنْ كانون الثاني عَامَ ألف و تسعمائة وأرعبة و سبعين، كَانَ لها شَعْر أَشْقَرْ طَويلْ يَصِلْ طُولُه عِنْدَ مُنْتَصَفْ ظَهْرِهَا و عُيونْ زَرْقَاءْ صَافِيَة كَزُرْقَةْ السَمَاءْ السَرْمَدِيَة، و كَانَتْ عِنْدَ طَرَفِ عَيْنِهَا اليَمينْ شَامَة ذاتْ لَوْن بُني مُمَيًزَة لِأَنًهَا الوَحيدَة على وَجْهِهَا، و بَشْرَتِهَا البَيْضَاءْ و خَصْرِهَا النَحيلْ كَانَا يُضْفِيَانْ عَليهَا جَمَالْ فَتًانْ و يُلْهِبَانْ رَغْبَتَهُ العَاطِفِيَة تِجَاهَهَا، و لَكِنْ قَلْبَهَا كَانَ مَعْ غَيْرِهْ مِنْ الرِجَالْ، مازال يَتَذَكًرْ تَفَاصيلْ الحَدَثْ جيداً الذي قَلَبَ كَيَانَهُ و الجُمْلَة التي قَتَلَتْ قَلْبَهُ و اَرْدَتْهُ كالجَريحْ، فَمُنْذُ اسْبوعَيْن طَلَبَ أَنْ يَجْتَمِعْ بها في مَكْتَبِهَا و رُغْم التَوَتُرْ المُعْتَادْ الذي كَانْ يُخَيِمْ عَليهْ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا كان قَدْ جَمَعَ عَزْمَهُ و شَجَاعَتَهُ لِمُصَارَحَتِهَا، و قَبْلَ أَنْ يُفَاتِحَهَا بِمَشَاعِرِهِ نَحْوَهَا قالَتْ فَجْأَة: 
"قَبْل أَنْ نَتَحَدَثْ بالعَمَلْ و قَبْل أَنْ أَنْسَى، أَنْتَ مَدْعُوْ لِخِطْبَتي في الأُسْبوعْ المُقْبِلْ،"
فَكَانَتْ على وَشَكْ خِطْبَةْ إبْنَ عَمِهَا فارِسْ السِلِحْدار إبْنَ مَالِكْ مَحَالًاتْ نَهْر النيل المَعْروفَة بِتِجَارَةْ السَيَاراتْ، نَظَرَ الى الأَرْض مُحَاولاً إخْفَاءْ الدُموعْ التي إنْهَمَرَتْ فَجْأَةْ مِنْ عَيْنَيْه حينَهَا، بَحَثَ عَنْ عُذْر لِيُنْهِيْ المُقَابَلَة فَلَمْ يَجِدْ ما يَقولُهْ و إرْتَبَكَ حيَن سَأَلَتْهُ عَنْ سَبَبْ طَلَبْ الإجْتِمَاعْ بها، فَبَعْدَهَا مُبَاشَرَة اتى جَرَسْ هاتِفْ مَكْتَبَهُ رَحْمةً لَهُ و إسْتَأْذَنَ لِيَرُدَ عليه، لَمْ يَعُدْ بَتَاتاً بَعْد المُكَالَمَة و بَقِيَتْ مَشَاعِرَهُ قَيْدَ قَلْبِهِ الجَريحْ.
"واذا طَلَبَ يَدَهَا، لَمْ يَكُنْ إبْنَ باشا مِثْل والدها او حتي يَقْطُنْ في قَصْر عَريقْ مِثْلَهَا،" كان مِنْ عَائِلَة مَسْتورَة الحَالْ فالفَرْق الإجْتِمَاعي بَيْنَهُمَا لا يَرْحَمْ و لا يُعْطي حتى بَصيصْ الأَمَلْ على الإطْلاق لِهَذِهِ العِلاقَة، كان أَبَاهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ يَعْمَلْ مُحَاسِبْ في شَرِكَة مُتَوَسِطَة للإسْتيرادْ و التَصْديرْ و أُمُه رَبًةْ مَنْزِلْ مُتَواضِعَة الثَقَافَة، و بالرُغْم مِنْ سُمْعَتَهُمْ الطَيِبَة في الحَيْ الذي يَسْكُنوا بِهِ و عِنْدَ الأَقْرِبَاءْ إلًا أَنً أَحْوَالَهُمْ المَادِيَة لَمْ تَكُنْ مَيْسورَة، فَمَا لَبِثَ أَنْ تَمًمَ دِراسَة المَاجِسْتيرْ إلًا و مُدًخَراتِهِ البَنْكِيَة مُسْتَنْزَفَة كُلياً، لَمْ تَكُنْ ظُروفَهُ الشَخْصِيَة بِصَالِحِهِ بَتاتاً و لا حَتًى طَلًتَهُ و قَامَتَهُ المُتواضِعَة، فَكَانَ يَتَمَتًعْ بِقَامَةٍ قَصيرَة بِعَكْس إبْنِ عَمِهَا الطَويلْ حَيْثُ يَمْتَازْ بِقَامَة مَتينَة و رِيَاضِيَة، و لَكِنْ بالرُغْم مِنْ هَذِهِ النُقْطَة لَمْ يَكُنْ بلا وَسَامَة فَكَانَ ذو بَشَرَة حِنْطِيَة و شَعْر خَروبي و عُيونْ سَوْداء و كان يُمَارِسْ الرِيَاضَة و يَمْتَازْ قوامُه بِقَليلْ مِنْ الرَشَاقَة، و مِنْ العَلامَاتْ البَارِزَة على وَجْهُهْ شَنَبَهُ الكَثيفْ و الذي حَسْبَ رأي صَديقَاتِه يَجْعَلْ طَلًتَهُ تَمْتَازْ بالقليل مِنْ الفُحولَة.  
كَانَ روماني يُؤْمِنْ بِقَرارةِ نَفْسِهِ و حَسْبَ ما كَانَتْ تَكْشِفُ لَهُ الأَيَامْ رويداً رويداً أَنً النِسَاءْ حتى لو تَزَوًجوا الوَحْش بَطَلْ رِوايَة "الجميلة و الوحش" فَلَنْ يَهُمَهُم بَشَاعَتَهُ مازال مَعَهُ النُقودْ، فَكَانَتْ تقول والِدَتَهُ دائماً أَنً المَادَة تُغَطي جَميعْ العُيوبْ بالرِجَالْ و تَجْعَلَ أَبْشَعَهُمْ يَلْمَعْ بِعُيونْ مَلِكَاتْ الجَمَالْ مِثْل المَاسْ الحُرْ...فَفَتَكَ هذا القَدَرْ بِكُلِ المَبادِئْ النَفيسَة بِداخِلِهِ و حَوًلَهُ الى كَارِهْ لِلْضُعْف و الفَقْر  و الظُروفْ القَهْرِيَة التي حَرَمَتْهُ مِنْ حَبيبَتَهُ و أَرْغَمَتْ أَبَاهْ أَنْ يُقَاسي الأَمَرًيْن لكي يُؤَمِنْ لُقْمَةَ العَيْش لَهُ و لِأُمِهِ، أَصْبَحْ كاره لِمَا يَجْلِبَهُ الفَقْر المُهْلِكْ مِنْ ظُروفْ طَاحِنَة أَرْغَمَتْ أَخُوهْ الذي يَكْبُرُهُ بالسِنْ أَنْ يُسَافِرْ الى أوروبا و أن يُحْرَمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ الًا مَرًة في السَنَتَينْ عِنْدَمَا كَانَتْ تَسْمَحْ لَهُ ظُروفُه المَادِيَة لِزِيَارَة مِصْر، فَمَعْ مُرورْ الوَقَتْ أَصْبَحَتْ مُعْضِلَةْ روماني هِيَ إيجَادْ الحُلولْ عَنْ كَيْف يَحْصُلْ على النُقودْ و يُحَسِنْ مِنْ أَحْوالِهِ لِكَيْ لا تَعودْ إليهْ هَذِهِ الظُروفْ التي مَرًتْ بِهِ و بِأُسْرَتِهِ...و أيضاً لِيُصْبِحَ مُقْنِعْ لِمِرْفَتْ لِكَيْ تَتْرُكْ إبْن عَمِهَا و تَتَزَوًجَهُ. 
نَظَرَ الى السَاعَةِ فَكَانَتْ الثَامِنَة الًا خَمْسَةْ دَقائِقْ، نَهَضَ مِنْ مَكْتَبِهِ و مَشَى بِخُطواتٍ بَطيئَةٍ في المَمَرْ الرئيسي لِلْمَكَاتِبْ في الطَابِقْ الرابِعْ، كَانَ المَمَرُ يَضُمْ أَرْبَعَ مَكَاتِبْ مَعْ مَكْتَبِهِ مُوَزَعَة بالتَسَاويْ على اليمين و اليَسَار، فَكَانَ مَكْتَبْ لِمُديرْ الأَمْن و كَانَ مُجَهَزْ بِشَاشَاتْ مُراقَبَة و أَجْهِزَةْ الحَاسوبْ التي تَتَحَكًمْ بِأَجْهِزَةْ الإنْذارْ، و كَانَ هُنَالِكْ مَكْتَبْ لِلْسِكِرْتيرَة الإدارِيَة التي تُسَاعِدْ مِرْفَتْ في شُؤونْ مَكْتَبِهَا، و أَخيراً مَكْتَبْ مُوَظَفْ العِلاقَاتْ العَامَة، كَانَتْ سَاعَاتْ العَمَلْ اليَوْمِيَة تَبْدَأْ في الثَامِنَة صَبَاحاً و تَنْتَهي في الخَامِسَة مَسَاءاً حَسْبَمَا أَقَرًتْ مِرْفَتْ حينَمَا إسْتَلَمَتْ إدارَةْ هَذِهِ المُؤَسَسَة الضَخْمَةْ، كان المُتْحَفْ مُشَيَدْ على أرْضٍ شَاسِعَة مَسَاحَتُهَا مِئَتَانْ و خَمْسونَ أَلْف مِتْر مُرَبَعْ و تَضُمْ مَبْنَى المَتْحَفْ الرَئيسي مَعْ مَصَفْ كَبيرْ لِلْسَيَاراتْ لِيَسْتَوْعِبَ حَرَكَة الضَغْط الشَديدَة عَليهْ، أما المَتْحَفْ فَكَانَ مُكَوَنْ مِنْ أَرْبَعَةِ طَوابِقْ واسِعَة تَحْتَوي على أَلْفَيْ قِطْعَة أَثَرِيَة تَعْودْ الى شَتَى الحَقَبَاتْ و السُلالاتْ الفَرْعونِيَة مِنْ وَرَقِ البَرْدي و تَمَاثيلْ و مَنْحوتَاتْ مِنْ الحَجَرْ و المَرْمَرْ و آنِيَة فُخَارِيَة بالإضَافَة الى ما كان يُعْتَقَدْ أَنًهَا مومْيَاءْ لِكَبيرْ كَهَنَةِ مَعْبَدْ رَمْسيس في أبوسمبل، وكان هذا الصَرْح الثَقَافِيْ يَعُجُ بالزوارْ مِنْ التَاسِعَة و حتى الخَامِسَة مَسَاءاً وكَانَتْ قَائِمَة زُوارِهِ تَشْمَلْ المَجْموعَاتْ السِيَاحِيَة الأَجْنَبِيَة و الزوار المَحَليينْ و ضُيوفْ الدَوْلَةْ.   
و بِفَضْل جُهودْ مِرْفَتْ السلحدار سَتَزيدْ القِطَع المَعْروضَةِ سَبْعَةَ قِطَعٍ بالإضَافَة الى مومْيَاءْ مُلوكِيَة سَتَصِلْ الى المَتْحَفْ وَسَطْ لَفيفْ مِنْ العُلَمَاءْ و الحِراسَة المُشَدَدَة و الصَحَفيينْ الذين سَيَصِلونْ مَعْ كَاميراتِهِمْ و شَهِيَاتِهِمْ الإعلامِيَة لِتَغْطِيَة الحَدَثْ، أَخْرَجْ روماني صورَتِهَا مِنْ جَيْبِهِ و نَظَرَ إلَيْهَا بِحُنُوْ قَائِلاً "أهٍ لَوْ تَدْرينْ يا مِرْفَتْ كَمْ أَعْشَقُكِ و أُقَدِسْ الأَرْض التي تَطَأينَهَا بِنَعْلَيْكِ،" و لَكِنْ لِتَعْلَمي أَنًني أُحِبُكِ سَتَجْري الأُمورْ كَمَا أَنًكِ مَوْجودَة و أَكْثَرْ و لَكِنْ أَعِدُكِ لَوْ تَطَلًبَتْ الأُمورْ أَنْ أُصَافِحْ الشَيَاطينْ سَأُصْبِحْ غَنِيْ لِأَتَقَدًمْ لَكِ و أَطْلُبْ يَدُكِ مِنْ أَهْلُكِ، بَلْ حتى لو تَزَوًجْتي إبْن عمك لَنْ أُوَفِرْ كُلْ مَجْهودْ أَنْ أَسرق قَلْبُكِ و أَجْعَلَكِ تَتْرُكينْ زَوْجُكْ، أَنْتِ لي يا مرفت.
نَزَلَ أَدْراجْ الأَرْبَعَةِ طوابِقْ و دَخَلَ صَالاتْ العَرْض في الطَابِقْ الأَرْضي، كانت الصَالاتْ هَادِئَة لِدَرَجَة أَنً صَوْت نَعْلَيْه و هي تَدوسْ السجاد الفَاخِرْ كانَ مَسْموعاً بِوُضوحْ، و لَكِنًهَا الهُدوءْ قَبْلَ العَاصِفَة فَبَعْد سَاعَة سَتَنْطَلِقْ الحَيَاةْ بَيْنَ الجُدْران الضَخْمَة لِلْمُتْحَفْ و تَمْتَلِئْ بالوُجوهْ المُذْهِلَة و الشَهَقَاتْ  المُبْهَرَة و الطَلاًتْ المُتَأَثِرَة بالأَثَارْ و المَعْروضَاتْ، خَرَجَ مِنْ المَبْنَي لِيُلاقيهْ طَقْس دافئ و رَطِبْ حَيْثُ كَانَتْ السَمَاءْ مُلَبَدَة بالغُيومْ، فَكًرَ في ذاتِهِ "رَبُنَا الله أَنً هذا الطَقْس سَيُؤَدي الى الأَمْطَارْ و لَكِنْ شُكراً لِلْرَبْ أَنً السَاحَة الخَلْفِيَة مُغَطَاةْ بِمَظلاتْ حَديدِيَة فَلَنْ تَتَأَثًرْ عَمَلِيَاتْ نَقْل الأَثَارْ بالأَمْطَارْ إنْ هَلَتْ علينا. 
سَارَ بِخُطَى ثَابِتَةٍ نَحُوَ المَصَفْ ونَادَى مُوَظَفْ كُوخْ الحِراسَةِ الذي كَانَ على البوابَةِ الرَئيسِيَة "لَيْث، الوَفَدْ على وُصولْ!" 
خَرَجَ لَيْث بِجُثَتِهِ الضَخْمَة و زِيِهِ الأَزْرَقْ الذي كان يَرْتَديهْ جَميعْ حُراسْ المَتْحَفْ أَثْنَاءْ الوَرْدِيَاتْ و صَافَحَ روماني بِشِدَة، كَانَ لَيْث أَسْمَر البَشَرَةِ ذو شَعْر أَسْوَدْ كَثيفْ و عُيونْ سَوْداء و حواجِبْ كَثيفَة بَارِزَة، كان قوامُه يَبْلُغْ مِتْرَيْن و يَمْتَازْ جَسَدَهُ بِعَضَلاتْ ضَخْمَة بارِزَة عِنْدَ سَاعِدَيْه و صَدْرُهْ مِنْ رَفْع الأَثْقَالْ حَيْثُ كَانَتْ هوايه مِنْ هوايَاته المُفَضَلَة، و كَانَ النَاظِرْ إليه يُصَابْ بالرَهْبَةْ مِنْ شَراسَةْ طَلًتِهْ، نَظَرَ روماني الي يَدَيْه القَوِيَة فَكَادَتْ راحَتَهُ أَنْ تَضيعْ داخِلْ راحَةْ هذا المَارِدْ الضَخْم، فَفَكًرَ في ذاتِهِ "لو ضَخَامَتُكَ عَلَيْ لَكُنْتُ كَسًرْتْ الدُنْيَا؟"
"كَيْف حَالُكْ يا ليث؟"
"بِأَلْف خَيْر يا سَيْد روماني، زَميلي على وُصولْ مَعْ إثْنَيْن مِنْ الشُبَانْ الجَيِدينْ الذين سَيُسَاعِدونَني في إجْراءاتْ نَقْل المومْيَاءْ و التَرْتيبَاتْ داخِلْ المَتْحَفْ،"
"لا تَنْسَى أَنْ تَفْتَحْ الأبوابْ الإلِكْترونِيَة فَوْرَ وُصولْ الوَفْد فلا نُريدْ المَوْكِبَ أَنْ يَتَوَقَفْ عِنْدَ البوابة،"
"تَحْت أَمْرُكْ سَيْد روماني"
"شُكْراً يا لَيْث"
*****
فَكًرَ الشِريرْ بِذاتِهِ "لا تَقْلَقْ يا روماني فَمَنْ يَطْلُبْ مُصَافَحَتي لَنْ يَنْجو مني؟!" نَظَرَ الى السَمَاءْ المُلَبَدَةِ بالغُيومْ و الى الأَرْض مَوْطِنَهُ الذي قَدِمَ مِنْهُ و قال مُعْلِناً "شُكْرا يا سيدي لِأَنَكَ أَرْسَلْتَني لإتْمَامْ ما كان في مَكْنوناتْ نَفْسي مُنْذُ ثلاثة آلاف و ثلاث مائة و ستة اعوام، عَدَدْتُهُمْ بالسَنَةِ يا سيدي، شُكْراً لِأَنًكَ سَلًمْتَ لي أَخيراً البَشَر الغبي الذي يَسْكُنْ الأَرْض، و رَأْسُكَ الغالي يا سيدي سَأَجْعَلُكَ فَخوراً بي" نَظَرَ الى الأَسْفَلْ مِنْ العُليْ الشَاهِقْ الذي كَانَ عَليهْ فَرَأى بوابَةْ المَتْحَفْ تُفْتَحْ على مِصْرَعَيْهَا، فَقَالْ "اما هيا فَسَتَموتْ على يداي."
*****
  أَقْبَلَ روماني الى سَيَارَتِهِ لِيَلْحَقَ بالوَفْد فَأَحَسً بِقَشْعَريرَة تَسْري مِنْ أعلى ظَهْرِهِ الى أَسْفَلِه، نَظَرَ الى يمينه و يَسَارِهْ فَلَمْ يرى شَيئاً غَيْر طَبيعي، ولَكِنْ ما لَبِثَ اَنْ هَمً بِرُكوبْ السَيَارَة مِنْ جَديدْ حتي تَجَدًدَتْ القَشْعَريرَة في جَسَدِهِ، فَكَانَتْ القَشْعَريرَة مِنْ قُوَتِهَا تَغْمُر حَتَى شَعْرَ رأْسِه، نَظَرَ الى الأعلى فَرَأَهُ واقِفَاً مُتَعَمْلِقً على حَافَةِ سَطْح المُتْحَفْ، تَجَمًدَتْ الدِمَاءْ في عُروقِهِ مِنْ الخَوْف و طَقْطَقَتْ أَسْنَانْ فَكَيْه بَعْضِهِمْ بِبَعْض و صَرَخَ بِأَعْلى صَوْتِهِ "ابتعد عني!!! لا تلمسني!!!" 
فَرَكَ عَيْنَاهْ جيداً ثُمَ نَظَرَ الى الأعلى مِنْ جَديدْ ولَكِنَهُ إخْتَفَى فَجْأَة، تَسَارَعَتْ دَقاتْ قَلْبُه مِنْ شِدَةِ التَوَتُرْ و تَسَارَعَتْ أَنْفَاسُه لِبِضْع ثواني ثُمَ عاد الى طَبيعَتِهِ مِنْ جَديدْ، "حَتْماً كَانَتْ رؤيا...بَلْ كابوس...و لَكِنًهَا ذَهَبَتْ الى حال سَبيلِهَا، أَشْعَلَ مُحَرِكَ السَيَارَة و هُوَ يَرْتَجِفُ مِنْ الخَوْف و لَحِقَ بالوَفدْ الى البوابة الخَلْفِيَة حَيْثُ كَانَ صَديقَهُ الدُكْتورْ كارل ساندز مِنْ الجامعة الامريكية في القاهرة بإنْتِظَارَهْ، حين وُصولِهِ الى السَاحَةِ كان حَرَسْ الشَرَف مُصْطَفْ لإلْقَاء التَحِيَة على الجُثْمَاْن الملوكي لِسِخْمِتْ، و لكن رُغْم المراسم كان تَفْكيرُه مُنْهَمِكْ بالمَخْلوقْ البَشِعْ الذي رآه. مَنْ هُوَ؟
7:30 صباحا قسم شرطة الزمالك :
صَرَخَ المُقَدَمْ عَبْد الحَليم بأعلى صَوْتِهِ "ماذا تقول؟!!!!!"
 تَرَكَتْ كَلِمَاتُه صَدَى قوي في زوايا مَمَراتْ القِسْم، أجاب الشرطي الذي كان يُحَادِثُه على الهَاتِفْ "لا يوجَدْ هُنَالِكَ أَثَارْ لِلْسَرِقَة في شركة المارسيدس سَيِدي."
"ماذا يَعْني كَلامُكْ؟ أَظُنْ انً تَحْليلك ناقِصْ!!!"
" يا سيدي إسْمَحْ لي ان أُفَسِرَ لَكَ ماذا أَقْصِدْ، هَذِهِ السَيَارَة كَانَتْ تَنْتَظِرْ مُحَرِكْ جَديدْ مِنْ مَخَازِنْ الشَرِكَة بِسَبَبْ عَيْب صناعي مِنْ بَلَدْ المَنْشَئْ تَمً إكْتِشَافُهْ وَقْت الصِيَانَةِ الدَوْرِيَة، فَكَانَتْ الشَرِكَة سَتُغَيِرَهُ على نَفَقَتِها طَبْعَاً مِنْ غَيْر أَيْ تَكْلُفَة على العَميلْ، و بِحَسَبْ مُديرْ صَالَة الصِيَانَة كانَتْ بلا مُحَرِكْ فَقَدْ قاموا في الأَمْس بِفَكْ المُحَرِكْ مِنْ السِيَارَة..."
قاطَعَ المُقَدِمْ "فإذا كَيْف تَحَرًكَتْ مِنْ الشَرِكَة...أُريدْ تَحْليلاتٍ مَنْطِقِيَة لِلْحَادِثَة!!!"
"يا باشا دَعْني أُكْمِلْ أَرْجوكْ، صَدِقْني لَيْسَ هُنَالِكَ أَثَارْ لِلْسَرِقَة فأبواب الصَالَةِ سَليمَة والمَفَاتيحْ الإلِكِتْرونِيَة التي تَتَحَكًمْ بها سَليمَة و المُديرْ قَامَ بإغْلاقْ الصَالَةِ جيداً و أَكًدَ لي أَنًهُ كان مَوْجودْ بِسَهْرَة عُرْسٍ لِأَقْرِبَائَهُ و الشُهودْ كَثيرَة على وُجودِهِ في العُرْسْ، لَيْسَ هُنَالِكَ اي دَليلٍ على اي إقْتِحَامْ لِلْشَرِكَة..."
"اذاً كَيْفَ سَتَخْرُجْ سَيَارَة مِنْ دونِ مُحَرِكْ مِنْ قِسْم الصِيَانَة يا أَبْلَهْ و مِنْ غَيْر كَسْر الأبوابْ، حَتْمَاً هَذِهِ جَريمَة مُرَتَبْ لها و سَأُعَلِمُكْ فَنْ التَحليلْ المَنْطِقِي يا أخي، تَمً نَقْلُ المَرْكَبَةِ الى مَكانْ آخَرْ و ركَبوا لها مُحَرِكْ لإسْتِغْلالَهَا حَتْمَاً بِإعْمَالْ غَيْر قانونِيَة، أو رُبَمَا تَمً تَرْكيبْ المُحَرِكْ داخِلْ الصَالَةِ قَبْل السَرِقَة تَماماً بِكَفَاءَة عَالِيَة، إجْلِبْ مُديرْ صَالَة الصِيَانَة مَعَكَ لإسْئَلَهُ بَعْض الأسْئِلَة فوراً فَهُنَالِكَ أَمْر مُريبْ بِشَكْوى سَرِقَتْ هَذِهِ السَيَارَة التي تَقَدًمَ بها، "
أَغْلَقَ المُقَدَمْ عَبْد الحَليمْ الهَاتِفْ و هَزً رَأْسَهُ المُثْقَلْ بالهُمومْ و الصُداعْ، أَغْرَبْ قِصَة سَرِقَة على الإطْلاقْ و الواضِحْ أَنً التَرْتيبْ تَمً مِنْ الكَادِرْ الداخلي لِلْشَرِكَة، هذا لَيْسَ مُريحاً فَرُبَمَا كانَ هُنَالِكَ مافيا وراء هذا العَمَلْ المُنَظَمْ، فَنَفَذوا ما نَفَذوا بِها و تَرَكوها في كورنيش النيل، تَوًعَدَ بِقَرارَةِ نَفْسِهِ "لَنْ يَقْبِضْ عَلَيْكُمْ سِوَى المُقَدِمْ عبدالحليم وانا مِنْ أَكْفَئْ ضُبَاطْ دُفْعَتي وسِجِلي يَتَمَتَعْ بالعَديدْ مِنْ الإنْجَازات،"
كان عَبْدالحَليمْ شَوْكَتْ مِنْ أَنْبَهْ و أقوى رِجَالْ الشُرْطَةِ في صُفوفْ الضُبَاطْ في القاهِرَة، و كَانَ يُعْرَفْ بالبُلْدوزَرْ لِأَنًهُ عِنْدَما يَضَعْ يَدَهُ على قَضِيَة كَانَ لا يَتْرُكْهَا الى حين القَبْض على جَميعْ مُرْتَكِبي الجَريمَة فيها،  فَكَانَتْ قَضَاياهْ تَتَحَوًلْ الى المَكَاتِبْ النِيَابِيَة مُغْلَقَة و نَاقِصَة فَقَطْ تداوُلْ القُضَاةْ في المَحْكَمَة، و نَظَراً الى عَمَلِهِ المُخْلِصْ لِلْأَمْن في القَاهِرَة إرْتَئَى رَئيسْ النِيَابَةِ أَنْ يَدْعَمَهُ في عَمَلِهِ فَكَانْ رَئيسْ القِسْم الوَحيدْ الذي سَمَحَ لَهُ بالتَحْقيقَاتْ المُبَاشِرَة و صَلاحِيَاتْ مُحَقِقْ كَامِلَة، و لَكِنْ هذا النَجَاحْ كَانَ لَهُ ضريبَةْ كُبْرَى بِحَيَاتِهِ المِهَنِيَةِ و العَائِلِيَة، فَصَنَعَ لَهُ أعْداءْ كَثيرَة بِعَالَمْ الإجْرامْ لِدَرَجَةْ أَنًهُ بِبَعْض القَضَايا كَانَتْ تَأْتيهْ التَهْديداتْ لِبَيْتِهِ و أُسْرَتِهْ مُبَاشَرَة، بَلْ حَاوَلَ بَعْض مِنْ أَصْحَابْ المَافِيَاتْ أَذِيَةْ والِدَيْه بالمَنْزِلْ في قَضِيَة مِنْ القَضَايا الكَبيرَة التي إسْتَلَمَهَا، و لَكِنْ تَفَهُمْ أَهْلُهْ لِطَبيعَةْ عَمَلِهِ سَاعَدَهُمْ بِتَحَمُلْ هَذِهِ الضُغوطَاتْ المُقْلِقَة، فلا نَجَاحْ مِنْ دونِ ضَريبَة بِهَذِهِ الحَيَاةْ و خُصوصاً مَعْ ضَابِطٍ مِثَالي مِثْل عبدالحليم و سِجِلِهْ المُشَرِفْ بِعَالَمْ الأَمْن، فَكانوا يَعْلَموا بِقَرارَةِ أَنْفُسِهِم أَنً الخَوْف و الخُنوعْ في وَجْه هَؤُلاءْ المُجْرِمينْ سَيَجْعَلَهُمْ أقوى مِنْ الأَمْن و القَانونْ و هذا مِنْ أَكْبَرْ المُسْتَحيلاتْ لِيَحْدُثْ مَعْ أُسْرَةْ ضُبَاطْ في الشُرْطَة،   
كان الصَبَاحْ في القِسْم هَادِئاً بِغَيْر عَادَةْ و لَمْ يَدْخُلْ عَليهْ ولا مُشْتَكي، فَحَتَى سِيَاراتْ الشُرْطَة التَابِعَة لِقِسْمِهِ لَمْ تُبَلِغْهُ بِأَيْ إشاراتٍ مُسْتَعْجَلَةْ، وَضْع غَيْر عادي فَمُنْذُ إنْدِلاعْ ثَوْرَةْ 25 مِنْ يَنَايِرْ و المَشَاكِلْ الأَمْنِيَة كَانَتْ بِإزْدِيَادْ و بِتَنَوُعْ كَبيرْ، فَمِنْ النَشْل الى السَرِقَاتْ إلى النَصْب و الإحْتِيَالْ الى مَحَاضِرْ التَعَدي و الضَرْب كان قِسْمُهْ حَافِلْ بالأَحْداثْ اليومِيَة التي يَنْتَهي جُزْءٌ مِنْهَا بِتَصَالُحْ أَطْرافْ النِزاعْ مَعْ بَعْض و جُزْء آخَرْ بِسَجْنِ المُشْتَكَى عَليهْ و تَحْويلِهَا الى النِيَابَةِ العَامًةْ لِلْمُداوَلَة، أَطْبَاعْ أَهْل القَاهِرَة أَصْبَحَتْ أَعْنَفْ و أَشْرَسْ و خُصوصاً مَعْ إشْتِدادْ الأَزَمَةِ بَعْد عَزْل الرَئيسْ مرسي في 30 مِنْ يونيو، تَغَيًرَتْ القَاهِرَة و مِصْر كَثيراً مِنْ مَدينَة مُسَالِمَة يَعيشْ أَهْلهَا على أَمَلْ غَدْ مُشْرِقْ أَكْثَرْ و تَحْصيلْ لُقْمَةْ العَيْش الى غَابَة كَبيرَة مَعْ إشْتِدادْ سُوءْ الأَحْوال الإقِتَصَادِيَة و المَشَاكِلْ السِيَاسِيَة، فَأَخْرَجَ الكُلْ مَخَالِبَهُ مِنْ الخَوْف و القَهْر الذي يَرونَهُ و أَصْبَحْ العُنْف طَريقَة التَعَامُلْ الوَحيدْة مَعْ المُجْتَمَعْ مِنْ حَوْلِهِمْ و مَعْ بَعْضِهِمْ البَعْض، بَلْ حَتى إخْتَفَيَا الوِئَامْ و السَلامْ نِهَائِياً و أَصْبَحَتْ الكَثيرْ مِنْ الشوارع و الأَحْيَاءْ مُنْقَسِمَة على ذاتِهَا بَيْن مُنَاصِرْ و مُؤَيِدْ لِعَزْل الرَئيسْ مُرْسي و الشَاطِرْ مِنْ أَنْصَارهْ هُوَ الذي يَثْأَرْ لِهَذا العَزْل...فَبِالنِسْبَة إليَهْمْ عَمَلِيَة العَزْل تُبَرِرْ القَتْل و دَمَارْ المُمْتَلَكَاتْ الشَخْصِيَة و التَعَدي على الآخَرْ و حَرْق مُمْتَلَكَاتْ الدَوْلَة،
و لَكِنْ لِهَذِهِ الًلحْظَةْ لَمْ تَأْتيهْ أَيًةْ شَكَاوي او قَضَايا اليَوْم، شَكَرَ لله على هَذِهِ النِعْمَة و إسْتَرْخَى في مَقْعَدِهِ لِأَوًلْ مَرًة مُنْذُ أسابيعْ طَويلَة لِيَسْتَمْتِعْ بِجَوْ الهُدوءْ السَائِدْ مِنْ حَوْلِه، أَمْسَكَ بِكوبْ القَهْوَة مِنْ على مَكْتَبِهِ و أَخَذَ رَشْفَة سَاخِنَة مِنْهُ، كان لذيذاً كَمَا يُحِبُهْ...سُكَرَهُ حُلُو، و لِمَا لا و التي أَعَدًتْهُ النَقيبْ ريهام مُعَوًضْ خَطيبَتَهُ و زَميلَتَهُ التي تَشَاطَرَتْ مَعَهُ مَسْؤلِيَة القِسْم طوال عام كامِلْ، كَمْ كَانَ يُحِبَهَا و يُقَدِسْ حُبُه لها، فَكَانَتْ تُبَادِلَهُ نَفْس الحُبْ و التَقديْر، تَمًتْ خِطْبَتَهُمْ مُنْذُ شَهْر وَسَطَ لَفيفْ مِنْ الأَهْل و الأَقْرِبَاءْ و الأَصْدِقَاءْ، و تَمً الإتْفِاقْ على ان يَكونْ الفَرَحْ بَعْد ثَلاثَةِ أَشْهُرْ، ولَكِنْ كان شَرْطُهْ الأسَاسيْ أَنْ تَنْتَقِلْ مِنْ قِسْم الشُرْطَةِ الى وَظيفَة مَكْتَبِيَة، فوافَقَتْ ريهام على طَلَبِهِ و قَدًمَتْ طَلَبَ النَقْل الى مَرْؤسِهَا حَيْثُ وافَقْ عَليهْ مُتَفَهِماً وَضْعَهَا الإجْتِمَاعي الجَديدْ، فَتَمً تَكْليفُهَا بِمُهِمَةٍ مَكْتَبِيَة بدائرة أُخْرَى مِنْ دوائِرْ الأَمْن المِصْرِيَة، كان الإنْسِجَامْ بَيْنَهُمْ سِرْ نَجَاحْ عِلاقَتِهِمْ و بالرُغْم مِنْ أَنًهَا كَانَتْ في الأَرْبَعينَ مِنْ العُمْر و كان هُوَ في السَابِعَةِ و الثلاثين الًا أَنًهُ أَحَبًهَا و قَدًسَهَا بِحَيَاتِهِ كَثيراً، رَكَعَ قَلْبُهْ لها مُنْذُ النَظْرَةْ الأولة، و بالرُغْم مِنْ مُعَارَضَتْ والِدَتُهْ و والِدُهْ في بادئ الأَمْر على سِنِهَا لِأَنًهُم كانوا يريدونَ لَهُ اوْلادْ إلًا أَنً حُبْ عبدالحليم و ريهام كان أقوى مِنْ أَيًةْ مُعَارَضَة او نواهي، وسُرْعَان ما سَلًموا أَهْل عبدالحليم لِلْأَمْر الواقع بَعْدَ ما شاهدوا وَلَعَهُمْ بِبَعْض و عَلِموا أَنً إنْفِصَالَهُمْ عَنْ بَعْض سَيُؤَلِمَهُمْ كَثيراً، 
"أه كَمْ أُحِبُكِ يا ريهام و كَمْ يَبْرِقْ جَمَالُكْ في عيوني عِنْدَمَا أَنْظُرْ اليك و كَأَنًكِ أَيْقونَة حُسْن مُتَكَامِلْة مُرَصًعَة بِأَلفْ مَاسَة ثَمينَة، أُحِبُكِ، أُحِبُكِ يا ريهام،" أَمْسَكْ فُنْجَانْ القَهْوَةِ الدافئ لِيَأْخُذَ رَشْفَةً ثَانِيَة وإبْتَسَمَ، فإذ بِعِطْرِهَا عَابِقْ بالفُنْجَانْ و عَلامَاتْ أَحْمَرْ الشِفَاهْ واضِحَة على طَرَفِهِ، عطْرهَا المُفَضَلْ كان الياسَمينْ و لَمْ تَكُنْ تَضَعْ غَيْرَهُ، امًا أَحْمَرْ الشِفَاهْ فَكَانَ بِمَثَابَةِ قُبْلَة الصَبَاحْ لَهُ، وَضَعَ شَفَتَيْه فَوْقَ أَحْمَرْ شَفَاهِهَا و أَخَذَ رَشْفَة مِنْ القَهْوَة، تَمَنَى مِنْ كُلْ قَلْبِهْ أَنْ تَنْتَهي الأَشْهُر بِسُرْعَة لِتَكونَ بَيْن يَديهْ و تُصْبِحْ إمْرأَتَهُ أمَامْ الله و النَاسْ، 
فَجْأَة دَوًتْ سِلْسِلَة مِنْ الصَرَخَاتْ في أَرْجَاءْ القِسْم، إرْتَعَدَ عبدالحليم في مَكَانِهِ و هُوَ يُصْغي لها لِدَقيقَة مِنْ الزَمَنْ ثُمَ نَهَضَ خائِفاً مِمَا عَسَى أَنْ تَكونْ، إنْطَلَقَتْ نَحْوُ البوابة مَجْموعَة مِنْ رِجَالْ الشُرْطَةِ لِتَتَفَقًدْ الحَادِثَة، فَوَقَفَ عِنْدَ بَابْ مَكْتَبِهْ و نادى في المَمَرْ "مرسي! عبدالجبار! إجْلِبوا هذا الرَجُلْ الذي يَصْرُخْ بِسُرْعَة لأرى ماذا هُنَالِكْ!" مَضَتْ بِضْع ثوانٍ وَصَلَ بَعْدَها إثْنَانْ مِنْ الشَرِطَةِ مُمْسِكينَ بِشُرْطي يَصْرُخ بِصورَة هِسْتيرية "أتركوني! لَسْتُ مَجنونْ!" كان يُحَاوِلْ أَنْ يَهْرُبْ مِنْهُمْ لَكِنْ مِنْ دونِ جَدوْى فكانوا يَحْكِمونَ قَبْضَتَهُم على ذراعَيْه،
نَظَرَ الى الشُرْطِيْ الأسيرْ بِتَمَعُنْ، كان العَرَقْ يَمْلئُ جَبينَهُ و يُبَلِلْ زِيًهُ العَسْكَريْ الأَبْيَضْ، كان ذو بَشَرَة سَمْراء أَصْلَعْ الرَأْس و عُيونَهُ سَوْداءْ كَسَوادْ الليل، كان مُجْهَدْ جداً و الهَلَعْ مَرْسومْ على طَلًتِهِ الشَابَة، وبالرُغْم مِنْ قوامُهْ الطويل و جَسَدَهُ القوي إلًا أَنً التَعَبْ كان قَدْ أَنْهَكَهُ فَكَانْ يَتَلوًا بَيْنَ يداي الحُراسْ مِثْلَ الطِفْل التَائِهْ، قال لَهُ عبدالحليم مُتَعَجِباً "هَلْ أَنْتَ شُرْطي ام تَتَنَكًرْ بِزَيْ الشُرْطَة؟!"
فأجاب مُتَرَجِياً "أنا المُلازِمْ أَوًلْ أَحْمَدْ حِلْمي سليم عبدالفهيم، أَرْجوكْ قولْ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكوني فَأَنا سَويْ و طَبيعيْ،"
فَأَجابَهُ أَحَدْ الجُنودْ المُمْسِكينْ بِهِ "يا باشا أَمْسَكَتْهُ سَيَارَة رَقَمْ (زمالك 51) و هو يسير بالشوارِعْ و يَصْرُخْ مِثْل المَجانينْ- إظْهَريْ و أَيْنَ انتِ و رأَيْتُهَا تَخْتَفي و تَظْهَرْ..."
"أعْطيني هَوِيَتُكَ العَسَكَرِيَه لَوْ سَمَحَتْ، أُتْروكوه، ولَكِنْ إبقوا مَكَانَكُمْ،"
تَوَجًهَ الشُرْطِيْ الى أَحَدِ المَقَاعِدْ في مَكْتَبْ عَبْدالحَليمْ و جَلَسَ، إنْطَلَقَتْ مِنْهُ تَنَهُداتْ عَميقَة و اسْتَرْخَى على الكُرْسِيْ بِتَعَبْ شَديدْ، ثُمً أَخْرَجَ الهَوِيَة العَسْكَرِيَة و أَعْطَاها لِعَبْدالحليم، فَنَظَرَ إليْهَا بِتَمَعُنْ لِدَقيقَة ثُمَ سَأَلَهُ "ما هُوَ رَقْمُكْ العَسْكَريْ"
فأجاب "538904أ"
"هَلْ أَنْتَ مَسيحيْ أمْ مُسْلِمْ؟"
      فَإرْتَسَمَتْ على شَفَتَيْه إبْتِسَامَة  صَغيرَة بالرُغْم مِنْ تَعَابيْر وَجْهِهِ المُنْهَكَة و أَجَابْ "يا باشا كَيْفَ أَكونَ مَسيحي مَعْ الإحْتِرامْ وإسْمي أَحْمَدْ عَبْدالحليم؟"
أَكْمَلْ عبدالحليم بِنَبْرَةٍ آمِرَةٍ "تاريخ ميلادُكْ لَوْ سَمَحَتْ؟"
"السَابِعْ عَشَر مِنْ يوليو عام الثَمَانينْ"
"اذاً عُمْرُكْ أرْبَعينَ عَاماً؟"
اجَابَ بِقَليلْ مِنْ التَعَجُبْ "سَلامَةْ فِهْمِكْ عُمْري 34 عَامْ"
فَكًرَ عَبْدالحليم في ذاتِهِ مُتَعَجِباً "مِنْ الواضِحْ انً مازال ذِهْنَهُ مُتَمَاسِكْ فَمَاذا حَصَلَ لَكَ يا زَميلْ؟" 
تَابَعْ أَسْئِلَتَهُ قائلاً "قُلْ لي ماذا جَرَى لَكَ يا أَحْمَدْ بِهُدوءْ و سَأُصَدِقُكَ؟"
      "كانَتْ واقِفَة عِنْدَ سِيَاجْ الجِسْر فَوْقَ النيل،"
"مَنْ هي؟"
"الجُنْيِةَ،"
كادَ انْ يَضْحَكْ و لَكِنْ مَارَسَ ضَبْط النَفْس إكْراماً لِمُعَانَاْت زَميلَهُ بالمِهْنَةِ، "أَكْمِلْ،"
فَتَابَعَ أَحْمَدْ بِتَعَبْ و صَوْت ضَعيفْ مُجْهَدْ "كانَتْ سَيَارَتُهَا واقِفَة عِنْد جَانِبْ الشَارِعْ الرَئيسي و هذا مُرورِياً مُخَالِفْ، فَنَادَيْتُهَا و قُلْتُ لَهَا إنْهَا مُخْطِئَة بالإصْطِفَافْ، فَقَالَتْ لي بِصيغَةْ ألأَمْر أَنًهُ يَحِقْ لها الإصْطِفَافْ أَيْنَمَا تَشَاءْ، فَحَرًرْتُ لَهَا مُخَالَفَة و لَكِنْ هَزَئَةْ بي وقَالَتْ عِنْدَ أبيهَا نُقودْ كَثيرَة، فَطَلَبْتُ إسْمَهَا و لَكِنْ وَبًخَتْني و قَالَتْ لي أَنًهَا مَلِكَتْ البِلادْ،"
"لا تَنْسَى أَنًنَا بِعَهْد المَلِكْ فاروق؟"
"نحن بِجُمْهورِيَة الآنْ و في سَنَةْ الفين و اربعة عشر و التاريخ هُوَ الثلاثين مِنْ الشَهْر الجاري،"
نَظَرَ عَبْد الحليم الى الشَابْ و بَدَى القَلَقْ يَنْتَابُهْ، فلا يُعْقَلْ لِأَيْ مَجْنونْ انْ يَتَمَتًعْ بِهَذِهِ النَبَاهَة، فَأَمَرَهُ بِإِهْتِمَامْ انْ يُكْمِلْ،
"فَجْأَة إخْتَفَتْ، فَبَحَثْتُ عَنْهَا فَلَمْ أَجِدْهَا، و تَفَقَدْتُ السَيَارَة الحَديثَة التي بِرِفْقَتِهَا فَلَمْ أَجِدْهَا..."
"هَلْ بَحَثْتَ تَحْت الكراسي فَرُبَمَا تَكونْ مُخْتَبِئَة تَحْتَهَا؟"
"لا ألومَكْ فاذا كُنْتُ مَكانَكْ لَسَأَلْت أَكْثَرْ مِنْ هَذِهِ الأسْئِلَة، أَمْسَكْتُ بالراديو لِأُبْلِغْ المَرْكَزْ عَنْ السَيَارَة وفَجْأَة ظَهَرَتْ مِنْ ثَانِيَة و رَكِبَتْ السَيَارَة و إنْطَلَقتْ،"
فَجْأَة زاد تَوَتُرْ عبدالحليم و تَحَوًلَ الى الخَوْف مِنْ كَلامْ الضَابِطْ، فَنَبَاهَتُهْ فِعْلِياً لِرَجْل طَبيعي و لَكِنْ التَفَاصيلْ الخَارِقَة لِلْطَبيعَة الذي يَرْويهَا لا تُصَدَقْ إطْلاقاً، و لَكِنْ لا مَفَرْ مِنْ إسْتِشَارَةْ النَفْسِيَة في حَالَتِهِ، فَقَرًرَ أخيراً و أَمَرَ،
"ايُهَا الزَميلْ سَأَطًرْ لِتَحْويلَكْ الى مَرْؤسيكَ و الطِبْ النَفْسي لِلْمُعَايَنَة، قِصًتُكَ أَغْرَبْ مِنْ الخَيَالْ و لا أَسْتَطيعْ عَمَلْ شَيئْ لَكَ او إخْلاءْ سَبيلِكَ و أَنْتَ بِهَذِهِ الحَالَة،"
نَهَضَ أَحْمَدْ مِنْ مَكَانِهِ وهُوَ يَتَرَجى الضَابِطْ "لَسْتُ بِمَجْنون صَدِقْني،"
"لا أَتًهِمُكَ بالجنُونْ و لَكِنْ عَليً تَحْويلَكَ الى أَخِصَائِيْ لِيُقَرِرْ في شَأْنكْ، أَرْجوكَ ضَعْ نَفْسُكْ في مكاني و سَتَعْذُرَني، خُذوهْ الى مَكْتَبْ الضَابِطْ ريهام فَلَنْ تَعودْ الًا عِنْدَ الظُهْر ثُمً أرْسِلوهْ بِأَيْ سَيَارَة تُغَادِرْ القِسْم الى المُسْتَشْفَى النَفْسي فوراً،"
أمْسَكوا الضُبَاطْ بِأَحْمَدْ و سَاعَدوهْ على الوُقوفْ وهُوَ يَسْأَلْ بِإِرْتِبَاكْ "الا تُريدْ أَوْصَافَهَا، رُبَمَا سَتَظْهَرْ..." وفَجْأَة صَرَخَ صَرْخَة قَوِيَة أَفْزَعَتْ الكُلْ حينَ تَلاقَتْ أَنْظَارُهْ بالضُيوفْ الداخِلينْ الى المَكْتَبْ، صَاحَ بِذُعْر شَديدْ مُتَلوياً بَيْنَ يَديْ الضُبَاطْ كالأَفْعَى "مَتَى غَيًرْتي لَوْن شَعْركِ...هَذِهِ هِيَا الجُنيَة!!!" هَرَعَ عبدالحليم لِمُلاقَاتْ بولُسْ و مِرْفَتْ الذين أَفْزَعَتْهُم نَوْبات الصُراخْ الهِسْتيريا لِأَحْمَدْ وهُوَ يَأْمُرْ مُعَاوينيه "خُذوهْ بِسُرْعَة...هيا!!!! خُذوهْ بَعيداً بِسُرْعَة يا حَرَسْ!!!" وَقَفَ بَيْن الرَجُلْ و الضُيوفْ  رَيْثَمَا أَخْروجوه الحَرَسْ مِنْ المَكْتَبْ،
سَحَبوا الحُراسْ أَحْمَدْ و هُوَ يَصْرُخْ و يلوح بِيَدَيْه بِجُنونْ "هَذِهِ هيا الجِنِيَة!!!أَرْجوكُمْ صَدِقوني!!! فَهِيَ تَرْتَدي نَفْس البِنْطَال الأَبْيَضْ و القَميصْ الأَخْضَرْ، أكَادْ أُجَنْ يا ناس!!!"  
تَحَوًلَ صُراخْ أَحْمَدْ الى أَصْداء مُنْخَفِضَة لِوَهْلَة ثُمَ إخْتَفَى بَيْنَمَا جَلَسَ بولص و مِرْفَتْ و الخَوْف بَادِيَاً عَلَيْهِمَا مِنْ المَوْقِفْ الغَريبْ،
قَسَأَلَ بولص بِخَوْف "مَنْ هُوَ هذا الرَجُلْ؟"
قالَتْ مِرْفَتْ مُفَسِرَة "انا لا أَعْرِفْ هذا الرجل و هَذِهِ أَوًلْ مَرًة ألْتَقي فيها بِشَخْص مُجْهَدْ الأَعْصَابْ بِهَذا الشَكْل، ما هي قِصًتَهُ؟"
أجاب أَحْمَدْ بِتَعَابيرْ مُتَعَاطِفَة و صَادِقَة "انا أَعْتَذِرْ مِنْكُمَا بِشِدَة و لَكِنْ في عَمَلِنَا نَحْتَكُ بِشَتًى أنواع البَشَرْ و القَضَايا،"
    أجَابَتْ مِرْفَتْ "انا شَخْصِياً إرْتَعَدْتُ مِنْ الخَوْف عِنْدَمَا إدعَى مَعْرِفَتي و صَرَخَ كالمَجْنونْ في وَجْهي،"
يقول بِقَليلْ مِنْ الرَهْبَة "أَعْصَابُهْ تَعِبَة بِسَبَبْ ما رَأَهُ في هذا الصَبَاحْ، يَقولْ أَنًهُ رأى...رأى بإسْم الله الرَحَمَن الرَحيمْ، جُنِيَة،"
هَمً بولس يُسَمي ويُصَلِبْ يَدُه على وَجْهِهِ "بإسْم الثالوث الأَقْدَسْ، الشَرْ بَعيدْ عَنًا جَميعاً إنْشاء لله"
قالَتْ مِرْفَتْ بِرَهْبَة "لِتَحْرُسَنَا صَلاة العَذراء الطَاهِرَة،"
"لا تخافوا، سَأَعْرِضَهُ على الطِبْ النَفْسي بَعْدَ قَليلْ، امًا انا بولص باشا فَتَشًرْفُت بِقُدومِكَ لِمَكْتَبي، و لَكِنَني أَحْمِلْ أَخْبَارْ غَيْر سَارَة، التَحقيقَاتْ تُشيرْ الى انً سَيَارَتَكُمْ قَدْ تَكونْ سُرِقَتْ بِتَنْظيمْ مَدْروسْ مِنْ قِبَلْ مُجْرِمينَ رُبَمَا لِلْقِيَامْ بِأَعْمَالْ غَيْر قانونِيَة، سَأَتَوَلًى التَحْقيقَاتْ بِنَفْسي في هَذِهِ القَضِيَة،"
سَأَلَتْ مِرْفَتْ و هِيَا تَنْظُر الى عَلامَات الغَضَبْ البَادِيَة على وَجْه أبيهَا، "هَلْ تَعَرًضَتْ السَيَارَة لِلْإِسَائَة يا سَيْد عبدالحليم؟"
أجَابْ بِنَبْرَة هَادِئَة مُفَسِراً "انا شَخْصِياً لَمْ ألاحِظْ أَيًةَ خُدوشٍ على هَيْكَلِهَا او ايْ اداء غَيْر طَبيعي لِلْمُحَرِكْ، ولِلْعِلْم، أَخْبَرَتْني الشَرِكَة أَنًهُ عِنْدَمَا فَحَصوها كان المُحَرِكْ يُعَاني مِنْ عَيْب صِنَاعي مِنْ بَلَدْ المَنْشَئْ و كانَتْ تَتًخِذْ إجرآت لِتَغْيِرِهْ على نَفَقَتِهَا، لِذَلِكَ كَانَتْ مِنْ دون مُحَرِكْ وَقْت السَرِقَة، فلا أَعْلَمْ بَعْد في هَذِهِ النُقْطَة اذا تَمً تَرْكيبْ مُحَرِكاً لها داخِلْ صَالاتْ الصِيَانَة أمْ أُخِذَتْ الى مَكانْ آخَرْ و تَمً تَرْكيبْ مُحَرِكْ ثانٍ لها، و لَكِنْ أَعِدَكُمْ بِأَجْوِبَة سَريعَة على هَذِهِ الأَسْئِلَة لِأَنًهَا مُحَيِرَة فِعْلِياً، "
رَدً بولُصْ مُنْفَعِلاً و بِغَضَبْ "هَذِهِ مِهْزَلَة كُبْرَى!!! الا يوجَدْ حُراسْ أَمْن في هَذِهِ الشَرِكَة؟ سَأَتًصِلْ بِوَزيرة الداخِلَية شَخْصِياً!" أَخَذَ المَحْمولْ مِنْ جَيْبِهِ لإجْراءْ الإتْصِالْ إلًا انً عبدالحليم نَهَضَ مِنْ مَكْتَبِه و اقْتَرَبْ مِنْهُ مُتَرَجِيَاً و مُطَمْئِناً "بولص باشا أُؤَكِدْ لَكَ أَنًهُ لا داعي لِطَلَبْ مَعَاليهْ فَأَنَا أَعِدُك أَنًني سَأُلاحِقْ المُجْرِمينْ لِحينْ القَبْض عَلَيْهِمْ، "
أَعَادَ المَحْمولْ الى جَيْبِهْ قَائِلاً "كَيْف لا تُريدُني أَنْ أُبْلِغْ عَنْ جَريمَة قَذِرَة كَهَذِهِ، المَثَلْ يَقولْ مَجْنونْ يَتَكَلًمْ و عَاقِلْ يَفْهَمْ! سَحَبْ سِيَارَة بلا مُحَرِكْ يَتَطَلَبْ شَاحِنَة قَاطِرَة فَأَحْضَروا المُجْرِمينْ شَاحِنَة و نَقَلوا سِيَارَة بِأَكْمَلِهَا مِنْ الوَرْشَة و في الليل؟ أَلَمْ يَراهُمْ أَحَدْ؟ و أَيْن الحُراسْ، او حَتَي لَوْ اعادوا تَرْكيبْ المُحَرِكْ لِلْسَيَارَة داخِلْ الوَرْشَة أَلَمْ يَسْمَعْ شيئاً الحراس؟ كُلْ هذا و لا تُريدُني أَنْ أُخْبِرْ مَعَاليها!!! ماذا جرى لِهَذِهِ البَلَدْ بَعْد الثَوْرَة؟! مِنْ سَيِئْ لِأَسْوَءْ حَالُهَا، إلا يوجَدْ أَمْن و آمان؟!"
عاد عبدالحليم الى مَكْتَبِهِ و جَلَسَ مِنْ جَديدْ قائلاً "إسْتَدْعَيْت مُديرْ الصَالَةِ لِلْتَحْقيقْ و سَأَعْرِفْ مِنْهُ كُلْ شَيْئ كما سَأَسْتَدْعي كَادِرْ الحِراسَة بِأَكْمَلِهِ و لَكِنْ أَعْطيني عُطوفَتِكُمْ وَقْت لِتَأْخُذْ التَحقيقاتْ مَجْراها، أَرْجوكْ يا بولص باشا،" 
"48 ساعَةْ فَقَطْ، إنْ لَمْ تَأْتيني بالأَجْوِبَةِ سَأَتَصِلْ مَعْ أعلى المَسْؤلينْ، هَلْ رَفَعْتُمْ البَصَمَاتْ عَنْ السَيَارَة؟ اذا لَمْ تَلْزَمَكُمْ في التَحْقيق إبْنَتي بِحَاجَتِهَا،"
"فَعَلْنَا هذا في المَوْقِعْ الذي إكْتَشَفْنَا فيهِ السَيَارَة بالتَعَاونْ مَعْ الأَقْسَامْ المَعْنِيَة، فلولا تَمًتْ هَذِهِ الإجْرَآتْ كَيْفَ قُدْتُهَا الى مَرْكَزْ الشُرْطَةْ و طَلَبْتُ مِنْكُمْ الحُضورْ لِأَخْذِهَا،"
فَجْأَةْ سُمِعَ صراخ أَحْمَدْ يُدوِي في المَمَرًاتْ مِنْ المَكْتَبْ المُجَاوِرْ "انا مُتَأَكِدْ أَنًهَا الجُنْيِةَ و ها هيا تَلْحَقْ بي الى هنا!!! ماذا تُريدْ مني!!!"
عاد الخَوْف الى مِرْفَتْ مَرًة أخرى فَقَالَتْ مُرْتَبِكَة و مُعْتَذِرَة "انا آسِفَة لَكِنْ يَجِبْ انْ ارْحَلْ لأنً جَدْوَلْ عَمَلي حافِلْ في المُتْحَفْ، و بَدَءَ التَعَبْ يُخَيِمْ علي مِنْ الحَادِثَة قَبْلَ قَليلْ،"
أَخْرَجْ عبدالحليم المَفَاتيح و قال "واجِبَكُمْ كَبيرْ و سَأُرَافِقَكْم لِلْإطْمِئْنَانْ عَلَيْكُمْ الى السَيَارَة،" خَرَجَا جَميعاً مِنْ مَبْنَى القِسْم و عبدالحليم يَسْتَعْطِفْ بولص لِيَصْبِرْ الى حين إنْتِهَاءْ التَحقيقْ، واما مِرْفَتْ فَكَانَتْ خَائِفَة و مُتَوَتِرَة، إتًجَهَ الجَمْع الى مَصَفِ الخَاصْ لِسَيَارات الشُرْطَة خَلْف القِسْم لِيَجدوا العَرَبِيَة الثَمينَة تَقِفْ بِلَوْنِهَا الأَسْوَدْ الأَنيقْ بِجَانِبْ المَدْخَلْ و كان وَميضْ أَشِعَةِ شَمْس الصَبَاح يَشِعُ مِنْ هَيْكَلِهَا المَتينْ، صَافَحَ عبدالحليم الباشا مُوَدِعاً إيًاهْ بَيْنَمَا صَعِدَتْ مِرْفَتْ في السَيَارَة، وَضَعَتْ مِفْتَاحْ السَيَارَة في مَوْضِعْ التَشْغيلْ و ادارَتْهُ لَكِنْ مِنْ دون جدوى، كَرَرَتْ المُحَاوَلَة و لَكِنْ لَمْ يَصْدِرْ صَوْتٌ لِلْمُحَرِكْ،
نادت الضابط "سيد عبدالحليم يبدو أن هنالك عطل في المحرك، أتساعدنا؟"
أجاب مبتسما "بكل سرور، هل فتحتي غطاء غرفة المحرك من فضلك، ربما تكون أسلاك البطارية بحاجة لضبط،"
فَتَحَتْ مِرْفَتْ الغَطَاءْ و خَرَجَتْ مِنْ السَيَارَة، إتًجَهَا جَميعاً الى المُقَدِمَة بَيْنَمَا رَفَعَ عبدالحليم الغِطَاءْ الى الأعلى، فَصَرَخَ الإسْفِلْتُ الرَمَادي بِوَجْهِهِمْ بَدَلْ مِنْ مُحَرِكْ السَيَارَة...
صَرَخَ عبدالحليم "اكاد لا أُصَدِقْ عُيوني!!! يا الله انا قُدْتُهَا وَراءْ سَيَارَة الشُرْطَة الى هنا!!!" رَكَضَ الى داخل القِسْم وهُوَ يَصْرُخْ "عبدالجبار!!!" 
رَدً بولص بِإسْتِيَاءْ "ما هَذِهِ المِهْزَلَة انا سَأَتًصِلْ بِوَزيرَة الداخِلِيَة شَخْصِياً."
رَكَضَتْ مِرْفَتْ و هي تَبْكي الى والدها الذي ضَمًهَا بِحُنُوْ مُحَاوِلاً طَمْئَنَتِهَا قَائِلاً "لا تَخافي فَهُنَالِكْ تَفْسيرْ لِكُلْ شَيْئ،"
عَادَ عبدالحليم و عبدالجبار و إقْتَرَبَا مِنْ السَيَارَة، صَاحَ عبدالجبار بأَعْلى صَوْتِهِ "باسْمِ اللهِ الرَحَمَنْ الرَحيمْ، هَذِهِ السَيَارَة قُدْتُهَا يا باشا مِنْ كورنيش النيل الى الزَمَالِكْ!!! أَيْنَ ذَهَبَ مُحَرِكَهَا!!!"
قال بولص بِنَبْرَةْ صَوْت آمِرَه "هَلْ تَكُفَ يَدُكْ عَنْ القَضِيَة لَوْ سَمَحْت!" 
طَلَبَ رَقَمْ على هَاتِفِهْ الخلوي ثُمَ قال مُرَحِباً "صَبَاحْ الخَيْر يا نَرْجِسْ، كَيْف حَالُكِ،... مُمْتَازْ...لا تَشْرَبِ القَهْوةَ بِمُفْرَدُكِ انا آت اليكِ...الشَرَفْ لي مَعاليكُمْ...شكرا" أَكْمَلْ بولص أَمْرَهُ الى عبدالحليم "لَوْ سَمَحْت أُنْقُلْ هَذِهِ السَيَارَة الى السِكْرابْ لِأَنًني سَأَشْتَري غَيْرَهَا لإِبْنَتي، فَالَهَا مُزْعِجْ جداً،"  
دَخَلَ المُحَقِقْ الى القِسْم و الذُهولْ يُسَيْطِرْ عَليهْ، أَخْرَجَتْ مِرْفَتْ الهَاتِفْ النَقَالْ و الدُموعْ تَنْهَمِرْ مِنْ عُيونِهَا لِتَتًصِلْ بِأُمِهَا كي تُقِلُهَا الى عَمَلِهَا، الأَحْداثْ الغَريبَة في هذا اليَوْم المَشْؤمْ سَبًبَتْ الضَغْط الشَديدْ على أَعْصَابِهَا، لَكِنْ السُؤال الأَهَمْ هُوَ الى ما سَتَؤل هَذِهِ الأَحْداث اليه؟

CONVERSATION

0 comments: