العرب والاجندات الدولية والاقليمية/ عباس علي مراد

تعتبر منطقة الشرق الاوسط ومن ضمنها العالم العربي من اكثر المناطق التي تتداخل مشاكلها سواء ما بين بعضها البعض اومع مصالح الدول الكبرى، لطبيعة موقعها الجيوسياسي وما تختزنه دولها من ثروات، والكتلة البشرية المؤلفة من مئات الملايين التي تشكل اسواق استهلاكية مهمة.
يوجد في المنطقة العربية حالياً عدة ملفات على نار حامية اهمها: 
اولاُ: قضية فلسطين والتي على الرغم من مرور 65 عاماً على احتلالها واقامة دولة اسرائيل فوق كامل الاراضي الفلسطينية، لا تزال حاضرة وبقوة في المشهد السياسي في المنطقة، رغم ان القرار 181 والقاضي بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب قد صدر في العام 1947.
ثانياً: الازمة المتفجرة في مصر، والمصير المجهول الذي ينتظر الدولة المصرية وتداعياته على المنطقة، لما تشكله من ثقل نوعي في تقرير مصير المنطقة لدورها التاريخي والمحوري.
ثالثاً: البرنامج النووي الايراني والذي يشكل عامل قلق لاسرائيل ودول الخليج في ظل تنامي الدور الاقليمي لايران وجنوح دول الخليج العربي لاعتبار ايران عدوها الاول على اسس طارة قومية وطورا مذهبية.
واخيراً الملف الأكثر تفجيراً وهو الازمة السورية وتداعياتها على المحيط ،لأن هذه الازمة اصبحت محور الحدث في المنطقة العربية لما تستأثر به من دور في مستقبل المنطقة ،خصوصا ان هناك لاعبين كبار واقليميين في الحرب الدائرة على سوريا وفيها وتتألف من محورين .
الملفات هذه وان كانت تحمل اسماء دولها الا انها مترابطة متداخلة ولها تداعياتها وارتباطاتها بدول الجوار، تركيا، الاردن، العراق ولبنان وغيرها من الدول.
منذ ان تفجر الحراك في البلدان العربية والذي عرف بالربيع العربي، بدى واضحاً ان المنطقة العربية متجهة نحو تحولات استراتيجية، فظهرت بوادر تحالفات دولية اقليمية ومحلية، حلف تقوده الولايات المتحدة الاميركية وحلف الناتو والأتحاد الاوروبي او بعض دوله (بريطانيا وفرنسا خصوصا)ودول الاعتدال العربي التي تضم دول الخليج والاردن واسرائيل وان بشكل غير معلن وتركيا.والحلف الآخر تقوده روسيا والصين ومحور دول المقاومة المؤلف من ايران، سوريا، حزب الله اللبناني بالاضافة الى العراق بنسبة ما والى حد ما دول البريكس.
سوريا التي لعبت دوراً محورياً في المنطقة خلال فترة حكم الرئيس حافظ الاسد، بدأت تتعرض لضغوط كبيرة بعد تولي الرئيس بشار الاسد الحكم من اجل الخروج من المحور المقاوم، وجرت محاولات اخرى لإغرائها بترك التحالف مع ايران وحزب الله والدخول في تحالف مالي وسياسي من دول الاعتدال العربي لمحاصرة ايران.
فشلت المحاولات تلك وتفجر الوضع في سوريا قبل اكثر من عامين، وبدأ التدخل من كل حدب وصوب، وجرت محاولات عدة لإسقاط النظام، وبدأ التصدع يصل الى النسيج الاجتماعي السوري الذي استهدف على اسس طائفية ومذهبية وبدأت تظهر الى العلن اجندات تقسيمية ومحاولة تنفيذ تلك الاجندات سواء بالقوة العسكرية او الضغوط السياسية واخرجت سوريا من جامعة الدول العربية بينما صعدت روسيا وايران من دعمهما للنظام على كافة المستويات والذي استطاع ان يصمد وبدأ باسترجاع بعض المواقع التي فقده في بداية الازمة.
من هنا الى اين؟ هل يمكن ان تنقسم سوريا ومصر على شاكلة العراق، وما هي التداعيات على دول الجوار؟
الولايات المتحدة واسرائيل تريد ان ترى سوريا ضعيفة سواء بقيت دولة واحدة او قسمت الى دويلات على اسس طائفية ومذهبية او قومية وجهوية، وذلك من اجل اضعاف محور المقاومة والاستفراد بالفلسطينيين وتوطينهم حيث يقيمون وتصفية قضيتهم من اجل اعلان اسرائيل دولة صافية لليهود وهذا ما لا يخفيه قادة اسرائيل وان ذهبوا في 30 تموز الى مفاوضات مع الفلسطينيين  حيث  حددت الولايات المتحدة لهم مدة 9 اشهر للوصول الى حل،وتأتي هذه المحادثات في وقت يعرف القاصي والداني ان اتفاقيات اوسلو وعلى سوآتها لم ينفذ منها منذ 20 عاماً الا ما يتناسب والاجندة الاسرائيلية،  وتأتي هذه المحادثات في ظل غياب اي دور ودعم عربي وانقسام فلسطيني واضح ودور اميركي لا يمكن التعويل عليه خصوصا ان مارتن انديك السفير الاميركي السابق لدى اسرائيل والذي عين كمشرف على تلك المحادثات معروف بمواقفه المؤيدة لأسرائيل وبشكل مطلق، مما يجعل المحادثات نوع من الاستفراد الاسرائيلي بسلطة رام الله التي يترأسها محمود عباس والذي يعرف نوايا نتنياهو عن اولوية السلام الاقتصادي اي يد عاملة فلسطينية رخيصة واسواق استهلاكية لمنتجات المصانع الاسرائيلية .
دول الخليج خصوصاً والسعودية وقطر التي تراجعت الى الصفوف الخلفية بعد تعيين الامير الجديد تميم بن حمد ال ثاني خلفاُ لوالده، بالاضافة الى تركيا ترغب في رحيل نظام الاسد، الذي تعتبره يمثل حكم الاقلية من اجل تعويض الخسارة في العراق، بعد ان تم ضبط ساعة الحدث في البحرين على ايقاع عمليات قوات درع الجزيرة التي ارسلتها السعودية للقضاء على مطالبة البحرينيين بالحرية والمشاركة في ادارة البلاد .
ايران وروسيا تريدان الاحتفاظ بموطئ قدم على شواطئ المتوسط خوفاً من خنقهم في الداخل، بالاضافة الى خشيتهم في حال سقوط سوريا بأيدي الاسلاميين تمدد القوى الجهادية الى الداخل الروسي خصوصاً بالاضافة الى الخشية الايرانية من خسارة حليف استراتيجي حيث تتفرغ الولايات المتحدة لضرب ايران ومشروعها النووي.
العراق يدفع ضريبة الدم الكبرى ،حيث اصبح مشهد السيارات المفخخة والتي يبدو انها تصنع في مصانع وعلى خطوط انتاج جزءاً من الحياة اليومية، بالاضافة الى اتساع الهوة بين مكوناته الطائفية،المذهبية ،الاثنية والقومية.
الاردن الذي استضاف مؤتمر اصدقاء سوريا او مجموعة الاحد عشر الذي ترأسه وزير خارجية اميركا جون كيري في 23 ايار2013، يخشى ان يكون الوطن البديل لذلك يحاذر الدخول في الحرب السورية بشكل مباشر رغم نشر الولايات المتحدة منظومة صواريخ بتريوت على اراضيه حتى انه لجأ الى اجراء احترازي ًللحد من دخول اللاجئين السوريين.
اما مصر والتي اعادت تجديد ثورتها في 30 حزيران تعيش الانقسام والمراوحة بين ساحات الاخوان المؤيدة للرئيس محمد مرسي المعزول من قبل العسكر الذي يقود الفريق الاخر والذي يناصب الاخوان العداء ويتألف من العلمانيين وايتام او فلول النظام السابق وكل ذلك خشية الانزلق الى مستنقعات الدم التي تغرق فيها معظم البلدان العربية .
يبقى لبنان الذي يعيش الفراغ وقد وضع في ثلاجة التمديد وتصريف الاعمال بأنتظار ما ستؤول اليه الازمة في سوريا، فلا انتخابات نيابية جرت ولا يمكن تشكيل حكومة ورئيس مكلف بأنتظار الوحي الذي يزيل الفيتو المتبادل بين القوي السياسية المحلية فهل هناك اتفاق ضمني بين ايران والسعودية لعدم الانزلاق الى الفتنة السنية الشيعية وحصر الصراع والكباش السياسي حول قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة، ام تتغير التوجهات وتقتضي المصالح الدولية والاقليمية دفع البلاد في اتون الازمة بعد فشل ما عرف بسياسة النأي بالنفس والتي كانت كل شيء الا النأي بالنفس ،حيث دخل اللبنانيون ودون استثناء رمال الازمة السورية المتحركة ؟!
انه زمن التسويات الكبرى، خصوصا بين الروس والامركيين وحلفائهم الاقليميين، والوضع العربي العام مفتوح على كل الاحتمالات ،ويبقى السؤال هل يتدارك العرب امورهم قبل ان تُقسّم بلادهم بالمفرق او بالجملة في ما يسمى بسايس بيكو جديد ام انهم سيستمرون بالانزلاق في اتون الفتن التي تذهب ريحهم وتأتي على اجتماعهم وعمرانهم؟!

E-mail:abbasmorad@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: