قضاة مصر... والحكم بالجملة/ جورج هاشم

ظاهرة غير صحية متفشية في مصر بعد ثورتين تم مصادرتهما: الاولى صادرها الاخوان بتمهيد من المجلس العسكري. والثانية صادرها المجلس العسكري مباشرة. والمصادرتان ختمتا بانتخابات "ديموقراطية". هذه الظاهرة هي الحكم على المتهمين بالجملة. وكلها احكام سريعة ربما لتأديب مجموعات مستقبلية وربما القول لمن يهم بالمعارضة: تمهل! ألم ترَ السرعة التي بها نُدخل المعارضين الى السجون؟ وهذه بعض الامثلة:
الاثنين في 27 اوكتوبر 2014 أجَّلت محكمة الجيزة محاكمة احمد دومة و 268 من زملائه الى نوفمبر االحالي. استمع المستشار محمد ناجي شحاته الى افادة الصحافي المشهور وائل الابراشي حول استضافته لدومة في برنامجه التلفزيوني... الفضيحة ان المقابلة تمّت منذ ثلاث سنوات! صح النوم ايها القاضي الجليل! فلو صحّ ان دومة قال اشياء خطيرة امام كل الناس وقتها. فلماذا اليوم؟ وهو المتردد الدائم على المحاكم. هل افلستَ من التهم ضده ففتحتَ دفاتر جدك العتاق؟؟؟ قبلها باسبوع حكمت محكمة جنح مصر الجديدة، بمعهد امناء الشرطة بطرة، بالحبس ثلاث سنوات على سناء سيف، ابنة بعض "ضمير مصر" احمد سيف و المسماة على اسم عروس صيدا سناء محيدلي، وعلى رفيقتها يارا سلام ،ابنة الشاعر رفعت سلام، "وردة الفوضى الجميلة" كما ذكرت المصري اليوم وعلى 21 متهماً آخرين... التهمة واحدة: التجمهر، البلطجة، الاعتداء على الممتلكات، حيازة ادوات... والعقوبة واحدة: ثلاث سنوات وعشرة الاف جنيه لكل منهم... وكل التهم يمكن ان نختصرها بواحدة: الاعتراض على قانون العار، قانون التظاهر...
في نيسان/ابريل الماضي حكمت جنايات المنيا بالاعدام ( الحكم لا مزح فيه) على 683 اخوانياً دفعة واحدة من بينهم المرشد (اي المفتن) محمد بديع. احدى الامهات اغمي عليها عند سماعها الحكم. لما افاقت قالت: ابني لا يصلي ولا يعرف مكان المسجد... والاخوان كذلك يا سيدتي لا يصلون. الا اذا كانوا يصلون لاله لا نعرفه. اله التفجير والتفخيخ والحقد والاغتيالات... ولكن هذا لا يعني ان يكون الحكم على هذا الشاب المضلَّل كالحكم على المرشد المضلِّل... وفي مارس/آذار الماضي حكمت محكمة جنايات المنيا ما غيرها بالاعدام ايضاً على 529 اخوانياً. صحيح ان المحكمة نفسها عادت وألغت احكام الاعدام بحق 492 منهم وثبَّتت الحكم بحق 37 فقط. فهذا يدل على تسرع المحكمة وربما في المرتين ايضاً. احكام الجملة هذه اصبحت مهزلة كما وصفتها جهات كثيرة...
وفي نوفمبر من العام الماضي حكمت محكمة سيدي جابر بالاسكندرية على 14 فتاة اخوانية، بعضهن قاصرات، بالسجن 11 سنة وشهراً واحداً بالتمام والكمال لكل واحدة منهن...هذا التساوي بالحكم يفترض التساوي بالجرم. ام ان الجرم الاكبر انهن اخوانيات ولا ضرورة للتفاصيل؟ على القاضي محمد عبد النبي، الذي نطق بالحكم، قبل ان يقنع الناس ان يقنع نفسه ان كل واحدة منهن قد دعت الى التظاهر بالمستوى نفسه، وانهن تساوين في التنظيم والاعداد والتجمهر والبلطجة وتساوين في حمل الادوات واتلاف المعدات وربما تساوين ايضاً في رفس رجال الامن وشتمهم... ألا يُعتبر حكم محكمة استئناف الاسكندرية، بسجن الفتيات سنة واحدة مع وقف التنفيذ، صفعة اليمة للقاضي عبد النبي؟ وهل المشكلة في القاضي ام في القانون ام في الاثنين معاً؟
في محاكمة علاء عبد الفتاح، شقيق سناء سيف، و 25 من زملائه، واضافة الى لائحة التهم نفسها التي اعدها العادلي قبل ان يترك وزارة داخلية مبارك، اتهموه بسرقة جهاز لاسلكي من احد الضباط بالاكراه... هذا معقول... اما غير المعقول فهو اتهام ال 25 الباقين بالاشتراك بالتهمة نفسها بالتساوي! يمكن لاثنين او ثلاثة ان يشتركوا في عمل كهذا. ولكن كيف يمكن ل 26 يدا ان تمتد الى الجهاز في اللحظة ذاتها؟ وكيف يمكن ل 26 شخصا ان يصلوا الى رجل الامن وجهازه الوحيد؟ لاتبحث عن المنطق هنا. المهم انه في المحاكمة القادمة سيصدر الحكم نفسه ويساوي بين ال 26 متهماً...
هذه مؤشرات جديّة تشير الى ان مصر الغالية، التي يتطلع اليها كل المؤمنين بالتقدم، بدل ان تبدأ بارساء نظام ديموقراطي، تمشي عكس ما نتمنى وتعيد انتاج الدكتاتورية من جديد... واهم مؤشرات العودة الى الدكتاتورية، بعد ثورتين متتاليتين على دكتاتوريتين رديفتين، هو القانون المعيب بحق مصر، قانون التظاهر بشكله الحالي...
الغوا هذا القانون، تلتغي كل محاكمات الناشطين السياسيين والحقوقيين... وتعود سناء سيف ويارا سلام وعمر حاذق والوف الشباب ليشاركوا ببناء مستقبل واعد لمصر. مكان شباب مصر المستقبل وليس غياهب السجون...

CONVERSATION

0 comments: