مع اقتراب صدور القرار الظني: إتهامات جاهزة ومفبركة ولجان مسيسة/ راسم عبيدات


القرار الظني بشأن قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري متوقع صدوره عن المحكمة الدولية قريباً،ومن التسريبات الإعلامية الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية الغربية للصحافة،فإن الاتهام بالاغتيال سيطال حزب الله وسوريا وحتى الرئيس الأسد شخصياً،بعدما كانت الشكوك تتجه بأن الاتهام سيقتصر فقط على حزب الله،ويبدو أن عدم نجاح الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية الغربية في تطويع الموقف والقيادة السورية من قضايا المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعلاقة والتحالف مع إيران،دفعت نحو إشتمال القرار الظني على اتهام لسوريا في عملية الاغتيال،فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد نشر الكاتب فرانكلين لامب بتاريخ 26/11/2010 تقريراً على موقع "فورين بوليسي جورنال"يشمل كلاماً منقولاً عن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأدنى جيفري فيلتمان موجهاً إلى السفيرة الأمريكية في لبنان مورا كونلي يتحدث فيه عن تمزيق "حزب الله"وتقديم رأسه كهدية الميلاد للبنان،موظف آخر في المكتب نفسه في بريد الكتروني أرسله يقول"ألا ترى، أن المحكمة الدولية هي الأداة القانونية الدولية المثالية لتدمير"حزب الله"،وتحقيق تغير النظام في سوريا،وخلق صراعات مذهبية مميتة في كل مكان،والتسبب في حرب أهلية في لبنان والإطاحة بالنظام في إيران.

مثل هذا النفس التحريضي الحاقد والاستهداف للمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله،هو الذي دفع بسماحة الشيخ حسن نصر الله في أكثر من خطاب وكلمة للقول مؤخراً،بأنه آن الأوان لإنهاء استباحة لبنان بشراً وجغرافيا ومؤسسات،وان اليد التي ستمتد لاعتقال مجاهدي وقيادة المقاومة ستقطع، ولعل طفحان الكيل ووصول الأمور إلى حد لا يطاق ولا يحتمل ببلوغ الاستباحة أعراض وكرامات اللبنانيين واللبنانيات من قبل ما يسمى لجان التحقيق الدولية "لجان الجواسيس " في قضية اغتيال الشهيد الحريري،وهذه اللجان تذكرنا بلجان التحقيق الدولية "لجان الجواسيس" التي كانت تحقق في إدعاء امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،حيث كان واضحاً من عمليات التفتيش تلك والتي وصلت حد تفتيش قصور وبيوت وممتلكات وحتى مخادع القادة والمواطنين العراقيين أن الهدف منها ليس البحث عن أسلحة الدمار الشامل،بل إذلال العراقيين واستباحة أعراضهم وكراماتهم،وهي لجان مسيسة مئة بالمئة، وتهدف لدفع القيادة العراقية لوقف مهمات لجان التفتيش " لجان الجواسيس" لكي يصلوا إلى المبرر الذي يريدونه،وهو غزو العراق واحتلاله وتدمير قدراته العسكرية ومنجزاته العلمية والتكنولوجية ونهب خيراته وثرواته وتجزئته وتقسيمه،وقبل أن تتضح الحقائق بعد غزو العراق واحتلاله بعدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،اعترف واحد من أهم أعضاء لجان التفتيش تلك سكوت ريتر وهو أمريكي الجنسية بأن الهدف من لجان التفتيش تلك ذات المهام والطابع التجسسي والاستخباري والسياسي،هو تدمير العراق واحتلاله وبغض النظر عن نتائج التحقيق وبمعزل عن المؤسسات الدولية،كما أن التفتيش هدف إلى عزل سوريا وتشديد الحصار والخناق عليها،واليوم واضح ما هو الهدف من لجنة التحقيق التي يترأسها القاضي الدولي"دانيال بلمار"،ومن قبله الجاسوس ديتلف مليس في قضية اغتيال الشهيد الحريري،حيث وجهت لجنة التحقيق أصابع الاتهام وبناء على قرار أمريكي- إسرائيلي- أوروبي غربي إلى سوريا لمعاقبتها على مواقفها المعارضة والرافضة للمواقف والسياسة الأمريكية في المنطقة،وتم فبركة شهادات الزور واعتقل قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية الأربعة على تلك الخلفية،ولكن كل ذلك لم يرهب او يخيف القيادة السورية والتي تعاملت مع الموضوع بذكاء وحنكة عالية وأفشلت مخطط الجاسوس ميلتس والإدارة الأمريكية،ولكن الإدارة الأمريكية ومعها بعض الأطراف العربية واللبنانية،وعلى ضوء التطورات الحاصلة على الساحة اللبنانية تحاول توجيه الاتهام باغتيال الشهيد الحريري إلى حزب الله اللبناني،وتوريط سوريا أيضاً بذلك عقاباً لها على مواقفها ودعمها لحزب الله،والاستهداف السياسي هنا واضح وهو ليس استهداف للمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله،بل استهداف للبنان وموقعه في الخارطة العربية والإقليمية، لبنان مقاوم او غير مقاوم؟،لبنان تحت السيطرة والهيمنة والنفوذ الأمريكي أو خارجها؟.

ومن هنا نجد أن عمليات التحقيق الجارية،والتي في أغلبها وطابعها الاستفزازي،تستهدف دفع حزب الله والمقاومة اللبنانية إلى رفض استمرار التعاطي مع لجان"الجواسيس" تلك،لكي تجد المبرر لها في إصدار قرارها الظني بتوجيه الاتهام في قضية اغتيال الشهيد الحريري إلى حزب الله،ومن ثم القيام بعمل عسكري إسرائيلي- أمريكي- وبصمت رسمي عربي مريب ضد حزب الله لنزع سلاحه بالقوة،أو لربما استصدار قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع،إما أن يسلم حزب الله كل من يرد اسمه من عناصره في القرار الظني أو يحاصر لبنان لحين تسليم تلك العناصر،واستمرار الرفض معناه اللجوء للخيار العسكري،وبما يضمن هيمنة مطلقة أمريكية على لبنان،وتوفير الحماية والأمن لإسرائيل وبقائها كقوة إقليمية وحيدة في المنطقة تذل من تشاء وتعز من تشاء "لا عزة لأحد هنا" من دول النظام الرسمي العربي وتستبيح أرضها ليل نهار.

فالشيخ حسن نصر الله كان واضحاً عندما أكد على أن ما تطلبه لجان التحقيق الدولية"لجان الجواسيس" أبعد وأكبر وأوسع بكثير من قضية اغتيال الشهيد الحريري،فهي تدخل في صلب استباحة أرض لبنان والتعدي على سيادته وأعراض وكرامة مواطنيه،وهناك أشياء مريبة وخبيثة في هذا الجانب تتشارك وتتعاون فيها أطراف دولية وعربية ولبنانية من أجل استصدار قرار ظني بتوجيه الاتهام في قضية اغتيال الحريري إلى حزب الله،مع توريط سوريا بذلك،بل وأبعد من ذلك ما يرشح من تسريبات ربما القرار الظني والاتهام يطال رأس هرم القيادة السورية،أي الرئيس السوري شخصياً.

فالأشياء التي تطلبها تلك اللجان تخرج عن نطاق حدود صلاحية وحاجة لجان التحقيق،مثل ملفات طلبة الجامعات اللبنانية من عام 2003 ولغاية عام 2006 بالإضافة إلى كل الداتا والاتصالات والرسائل الصوتية على الهواتف الخلوية من 2003 ولغاية اليوم،وكذلك البصمات على جوازات السفر وقاعدة بيانات"ال دي أن أيه"وقاعدة البيانات الجغرافية وقاعدة بيانات المعلومات الجغرافية أل " جي أي سي"، أي كل ما له علاقة بالجغرافيا من الحدود إلى الحدود وبما تشكله من وديان وجبال وكذلك لوائح مشتركي شركة الكهرباء،باختصار لم يتركوا أي قطاع في لبنان إلا وطلبوا معلومات عنه.

كل هذا تحمله الحزب حتى لا يكون مبرراً لاتهام حزب الله بعرقلة عمل لجان التحقيق ومراعاة لمصلحة لبنان ولعائلة الشهيد الحريري،ولكن وصلت الأمور إلى حد لا يمكن احتماله أو السكوت عليه تحت أي اعتبار سياسي داخلي أو خارجي أو كرامة لفلان أو علان،وهو الدخول إلى الملفات الطبية السرية لزوجات وبنات وأخوات اللبنانيين،وبما يشكل تعدي سافر ووقح على الأعراض والشرف وحتى مهنة الطب نفسها ولا يمكن لأي عاقل أن يقبل به،فما حدث مع الطبيبة النسائية ايمان شرارة في الضاحية الجنوبية من قبل ما يسمى بلجان التحقيق"لجان الجواسيس" هو عمل وقح وسافر لا يمكن القبول به بالمطلق وله أغراض وأهداف خبثية ومشبوهة،فما حاجة لجان التحقيق "لجان الجواسيس" إلى الملفات الطبية للنساء اللواتي ترددن على عيادة الدكتورة ايمان شرارة من 2003 ولغاية الان؟، سوى المس بأعراض اللبنانيين وكراماتهم،وخصوصاً أن كل ما تحصل عليه تلك اللجان من معلومات يصل مباشرة إلى إسرائيل وأمريكا،وأيضاً ما هو بحاجة إلى تفسير ويضع ألف علامة استفهام على دور القضاء اللبناني الذي استعاد نشاطه وحيويته فجأة بفتح تحقيق في حادثة الضاحية الجنوبية" حادثة عيادة الدكتورة ايمان شراره" حيث منعت نساء لبنانيات ماجدات لجنة التحقيق" لجنة الجواسيس" من الاطلاع على الأسرار الطبية لأكثر من سبعة ألآلاف سيدة وفتاة لبنانية،في الوقت الذي لم يحرك هذا القضاء ساكناً لأكثر من أربعة سنوات في قضية شهود الزور؟.

إن كل هذه الاستباحة الأمنية الحاصلة في لبنان تحت ذريعة التحقيق الدولي ما كان لها أن تصل الى ما وصلت إليه لولا التعاون من قبل فريق لبناني،وهذه الاستباحة ستزداد تغولاً وتوحشاً في المستقبل القريب،إذا ما استمر البعض في الداخل اللبناني يتعاون معها.

وواضح جداً حجم الضغوط الهائلة التي تتعرض لها لجان التحقيق الدولية" لجان الجواسيس" من قبل الإدارة الأمريكية لإصدار قرارها الظني بتوجيه الاتهام إلى حزب الله وسوريا مجدداً في قضية اغتيال الشهيد الحريري بأٍسرع ما يمكن،وخصوصاً أن التقرير الظني قد كتب ونشر في وسائل الإعلام الغربية منذ عام 2008،وكل الذي يجري من تحقيقات والحصول على المزيد من المعلومات،ليس سوى في إطار "الفبركات" وتوفير الغطاء للاتهام والعدوان على المقاومة وحزب الله وسوريا.

لذلك وكما قال سماحة الشيخ حسن نصر الله يتوجب على كل اللبنانيين على اختلاف مواقعهم عدم التعاطي بالمطلق مع لجان التحقيق الدولية "لجان الجواسيس" ومقاطعتها،والإدارة الأمريكية التي تدين بأشد عبارات الإدانة ما جرى في حادثة الضاحية الجنوبية،تصمت وتعمى كلياً عن كل جرائم الاحتلال الإسرائيلي وعصابات مستوطنيه بحق شعبنا الفلسطيني كما حدث في مدينتي ام الفحم والقدس مؤخراً،ليس فقط بعربدات وزعرنات المستوطنين وقتل الفلسطينيين بدم بارد،بل بقيام رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرفة نتنياهو بالمصادقة على قانون الاستفتاء الشعبي والذي ينص على أن أي تسوية تشتمل على انسحاب من القدس والجولان المحتلين تتطلب موافقة 61 عضو كنيست ثم يجري عرضها على الاستفتاء الشعبي للقبول أو الرفض،وكذلك التخطيط لإقرار قانون أخر يعتبر القدس عاصمة لكل يهود العالم وليس إسرائيل فقط في تحد وخروج سافرين على القانون والشرعية الدوليتين،فهذه الإدارة هي من يوفر الغطاء للاحتلال الإسرائيلي في كل جرائمه التي يرتكبها بحق شعبنا الفلسطيني،وهي التي تدفع الأوضاع في لبنان نحو الانفجار،من أجل إيجاد الحجج والذرائع لها ولإسرائيل من اجل شن العدوان على لبنان والمقاومة،وخصوصاً ما نسمعه من تصريحات إسرائيلية يومية تقرع طبول الحرب،وهي لا تريد للبنان الوحدة والاستقرار أو التغريد خارج السرب الأمريكي،ولكن نحن على ثقة تامة بأن اللبنانيين بكل ألوان طيفهم السياسي وطوائفهم،يدركون حجم المؤامرة التي يتعرض لها لبنان،وأيضاً نحن على ثقة بأن المقاومة ستعزز دورها وحضورها لبنانياً وعربياً وسيتقلص النفوذ والدور الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

CONVERSATION

0 comments: