عن الَحنون والبحر والوجع المركب/ عطا مناع

ما بين الوجع والوجع يكمن الوجع، هو وجع الحنين والاشتياق للمفقود في زمن اللامعقول، يقتحم عالمك بدون إنذار ويفجر في داخلك ما اعتقدت أنة في الذاكرة وطوته كما أيامك اللعينة، أنت أيها الابلة لا تستطيع الهروب من وجعك، فهروبك يعني الموت المحقق، يعني أن تحكم على روحك بالتيه في الأرض الملعونة، ويبقى وجعك صخرة على ظهرك ابد الدهر، فوجعك حَنون وبحر.
لا تهرب من وجعك، فلا حياة بدون وجع، وتزود بالََحنون وأيام الطفولة وآذار الشهداء وبحرك العتيق، وكن رؤوفا بالأرض ودقق النظر في الوجوه التي عرفتها وعايشتها، وابحث في ثناياها وبين تموجات الََحنون عن رفاق أنت خنتهم، معتقداً انك ستتطهر من دمك ومعتقداتك وحلمك الذي حملته وخضت العاصفة وقلبك الصغير الممزوج بملح بحرك والَحَنون الأحمر القاني.
أيها الابلة عد إلى وطنك واحمل زوادتك وحلق في سماءها وتمعن في المدن التي عشقت ولا زالت ساكنة في فيك، حلق ولا تخف فقد تكون نظرتك الأخيرة ورحلتك الأخيرة، القِ التحية على يافا وبحرها،وأطبع قبلتك المجنونة على بيسان، وتوقف قليلا بمحاذاة الكر مل الذي لا زال المشتاق لرائحتك، عرج على عكا وسورها وتعمد في بحرها وتذوق ملحة لتتعرف عليك أرضك في لحظة اللقاء، أغمض عينيك وتنشق هوائها الممزوج ببرتقالها الحزين، وارتفع قليلا في سماءها لتستمع إلى وجع المذبحة والى من بشرك بان الإنسان قضية.

يا من أدمنت وجعك، العن صمتك، وكن ابن زمنك، ولا تنتمي لعصر الملعونين الفاسدين الصم البكم الممتهنين لوجعك، وتذكر أيها الابلة حنين من ماتوا وهم ينتظرون لقاءها وفي قلوبهم غصة وفي عيونهم حيرة، ولا تسمح لنفسك أن تنسى فالنسيان موت، والنسيان اندثار، والنسيان تفريط وخيانة لََحنونها وبحرها وكرملها الذي ينتظرك في زمن قد لا يكون هذا الزمن.
يا ابن الجياع لست ملك نفسك، فأنت عبداً للصيرورة، وأنت خليط طينها الذي تستمد ديمومتك منة، وأنت أيها المجبول من ملح بحرها الذي اسرتة اللغة وخرج يفتش عنك في المنافي، فبحرك لا ينسى وحَنونك خجول منك، فأنت من افقده أسباب وجودة ليبخل عليك حتى تعود إلى رشدك، ولا بأس من رجوعك لمن سبقوك إليها وتوحدوا معها، لأنهم الحقيقة والوجع المركب في زمن المخصيين الذي تركوك في عتمة الصحراء وحيداً وقالوا لك لماذا لم تقرع جدران الخزان.
يا أبن الجياع لا تثق بمن تركك في عتمة الصحراء لتنهشك كلاب التاريخ، ولا تأمن لمن وجه لك الطعنة الأولى وبكاك تفريطاً، وتذكر أن صحراء التيه لا زالت شاهدة على وجعك، انظر جيداً واقرأ ما بين السطور واخترق بنظرك الثاقب جدران اللجوء العاتية لترى التاريخ يكرر نفسه معك وجعاً مركباً، وأنت قربان خوفهم من لعنة من تركوه في عتمة الصحراء وحيداً، وتذكر أنك الوجع الأول فشقائق النعمان والأسوار تشهد على وجعك، وارفض أن تكون مجرد كلمة في وثيقته، فمفتاحك لا زال يردد صدى أمواج بحرها والأحبة الذي توحدوا في ترابها.
لا تقرأ أيها المعثر وصيتك، وان قرأتها فلتكن مؤمنا بمن توحدوا مع أرضها وكانوا إشارة على سفوحها التي عجزت عن كتم وجعهم فتفجروا حنون يطل عليك شمساً قانية من رحم آذرها، ليذكرك بمن ساروا في دربها يبشروك بوجعك وطريق الخلاص، ولا تنسى انك تنتمي لهم وتذكر كلمتك الأخيرة في لحظتك الأخيرة فأنت اليوم لا تملك من نفسك شيئاً، أنت أسير وجعك وحنينك ووصيتك ومن ساروا في دربها وعاشوا الوجع المركب.
اترك شراعك للريح وواجه العاصفة ولتكن لك بوصلتك التي تقودك إلى الحتمية المبشر بها ممن الرجال الحنون والحنون الرجال، لا تقبل كونك نبتة شيطانية، انتمي لك ولك وحدك، تتمرس في جبلك ولا يأخذك البريق، فليس كل ما يلمع ذهباً، فذهبهم لعنة ووجع وانقسام، وذهبهم يبعدك عن بحرك وعن أسباب وجودك يا من قسموك وسطوا على حلمك لتصبح قاتل نفسك، وأحذر من أن يخلقوا منك سجاناً لنفسك، وارفع صوتك في وجوههم فأنت الحقيقة وأنت المستقبل، ولا تقتل حنونك ولا تهجر بحرك، وتذكر قبل النوم سهولها وجبالها وجنونها وهدير بحرها الجائع لانبعاث المشتاقين والموجوعين، أنصحك يا صديقي بأن لا تفوت الفرصة وكن في المقدمة، فما أجملها من لحظة، لحظة ان يعود الحنون شهداء يسبحون باسمها.

CONVERSATION

0 comments: