لا نعرف لماذا هو عيد؟ فالعيد يحتفل به الناس فرحا وسعادة.. قد يكون عيدا في دولة ما.. لطبقة عمال حققت مكاسبا جمّة على صعيد حياتها.. أما لدى المجتمعات العربية كيف يكون عيدا؟؟ ومازالت الطبقة العاملة هي الأكثر سحقا وقهرا في تلك المجتمعات، هي الطبقة التي لم تجد لها يوما هنيئا، هي الطبقة التي تكدّ من الليل إلى الليل.. هي الطبقة التي ليس لها عيد، هي الطبقة الأكثر في المجتمع.. في بعض الدول العربية قد لا نجد لهذه الطبقة أي أثر.. ولا نعرف كيف نصنف فئات المجتمع.. هل يمكننا أن نصنف الموظفين الحكوميين بالعمال، وقد نجد منهم من يقمع العامل؟؟ أنظمة الاستبداد أقرت بأن يوم العمال إجازة عيد لكل الموظفين والطلبة والجامعات والبنوك وغيرها.. أجل كلهم مستخدمين عمال لديها..؟! لكن هل يجوز أن يكون يوم عيد؟؟ ففي العيد يجب أن يوفر رب الأسرة لبيته الحلويات والطعام الدسم أو الفاخر وألبسة جديدة ومصروف كبير لأبنائه وهدية جميلة لزوجته... ولأن المجتمعات العربية غير منتجة؛ فحكوماتها لا تبحث في كيفية تشغيل مواطنيها، فالدول الغنية هي ممالك لعائلات توزع المكرمات من ما يزيد عن رفاهيتها.. بالأمس القريب رأينا مكرمات خادم الحرمين بعد شفائه كما أعلن، وليس خوفا من (الفتنة الكبرى)؟؟ ولا نعرف إن طالت تلك المكرمات العمال الأجانب؟! وكذلك فعل أمير الكويت.. أما البحرين الفقيرة لم يجد ملكها ما يتكرم به على شعبه الكبير نسبيا مقارنة مع جيرانه الأغنياء.. فهل توجد طبقة عاملة في تلك الدول؟؟ أما الشعوب العربية الفقيرة فعمالها يهجروها بحثا عن لقمة عيش شريفة معرضين أنفسهم للهلاك على شواطئ أوروبا..
أما عمال غزة باتوا يحلمون بما يسد رمقهم بعدما هدمت المقاومة الكاذبة أي بارقة أمل لهم بالعودة للعمل في الورش والمصانع والمزارع الإسرائيلية، وهاهم يتضورون جوعا يتلمسون كوبونة هنا أو هناك من المؤسسات الخيرية، أو بطالة تكنيس (اعتادت بعض المؤسسات تشغيل المحتاجين لمدة أسبوع أو أكثر في تكنيس الشوارع)، أو عليه أن يداوم على الصلاة من الفجر حتى العشاء في المسجد عسى أن يحن عليه أمير من أمراء حماس بحيث يتفقده حينما يكون لديه توزيعا للمساعدات..!! غزة الصابرة لديها قوى عاملة تزيد عن المائتي ألفا تعيل أكثر من مائتي ألف أسرة أي ما يعادل ثلثي سكان محافظات غزة.. هذه القوى تضم أمهر الحرفيين والعمال في شتى المجالات بشهادة ربابنة الصناعة والزراعة الإسرائيليين، وكان لهم دور بارز في تطور اقتصاد إسرائيل ما بين عام 1970 إلى عام 2000. وليفهم العرب والمستثمرين أن رب العمل الإسرائيلي إذا كان يدفع للعامل الفلسطيني ما معدله40 إلى 60 دولارا لليوم الواحد فهذا يعني أن رب العمل يربح مقابل ذلك على الأقل ضعف المبلغ وأحيانا يصل لعشرة أضعاف.. ونتيجة الظروف السياسية استبدلت إسرائيل تلك القوة بأخرى من جنسيات أسيوية ورومانية إضافة لمصرية وأردنية.. هل يدرك العرب معنى ذلك؟؟ لماذا لا يتم استثمار هذه القوة الجبارة في بلدانهم، والتي تعطلت وسجنت في غزة بأيدي أمراء المقاومة؟؟ وتحت تلك العناوين والبطولات المزيفة لم يترك لهذه القوة حرية التعبير وحرية المطالبة بأبسط حقوقهم في الحياة، ولا أحد من المسئولين ودهاقنة السياسة الفلسطينية من طرفي الانقسام ( في هذه الأثناء يتم التوقيع في القاهرة على المصالحة بحضور كافة القوى الفلسطينية) لا أحد لديه مقترحا لحل هذه المشكلة.. مما يزيد من التشاؤم والإحباط لهؤلاء بعد سنوات عجاف من الجوع والقهر...
من المتعارف عليه أن إسرائيل لا تعترف بعيد العمال العالمي، ويرجع ذلك إلى تركيبة المجتمع الإسرائيلي وأيديولوجيته الصهيونية التلمودية، وكذلك منظومة الاقتصاد الإسرائيلية المتنوعة من الليبرالية الرأسمالية إلى الاشتراكية إلى النظام الشيوعي المتمثل في الكيبوتسات والقرى التعاونية، لكن إسرائيل تبقى دولة القانون، الذي يعالج كل القضايا، وقانون العمل وحقوق العمال يبقى الأكثر تطورا في المنطقة وربما عالميا أيضا.. أما السلطة الفلسطينية حاولت بقدر الإمكان أن تساهم في حل هذه المشكلة واستقطعت من رواتب موظفيها 5% لصالح متضرري الإغلاق (عندما أغلقت إسرائيل أبواب العمل لديها قبل أن تسيطر حماس على غزة) لعدة سنوات وساهم هذا البرنامج في التخفيف عن آلاف العمال كدورات شهرية بالتبادل وأذكر أنها وصلت للدورة الثانية عشر، وأقرت السلطة الفلسطينية منذ بدايتها بيوم العمال إجازة رسمية لكنها لم تلزم القطاع الخاص بذلك.. لكن حكومة حماس لم تقم خلال فترة حكمها لغزة وحتى الآن بعمل شيء لهذه الشريحة المهمة سوى أنها وزعت مرة أو مرتين في الأعياد مساعدة مالية تعادل مائة دولار للعامل وبالطبع لم يشمل ذلك كل العمال.. والأغرب من ذلك كله أنه للسنة الثانية على التوالي وبالتحديد فقط ! في يوم عيد العمال العالمي تقوم حكومة حماس في غزة بتشغيل الآلاف من العمال القريبين أو المؤيدين لها في حملة تنظيف شوارع مدن غزة علنا أمام الناس مستغلة بذلك عوزهم، ومتحدية بذلك مشاعر العمال في كل أنحاء العالم.. وعندما استفسرت عن ذلك قالوا لي إنها حملة تطوعية..؟؟ يا للغرابة! ألم يجدوا من أيام السنة يوما سوى هذا اليوم؟؟ واللبيب يفهم.. إذن هي تؤكد أنها لا تعترف بهذا اليوم العالمي لأنه من اختراع الشيوعيين، أو الثوريين كما تظن وفي كلا الحالتين لا تريد لهما وجود وتعمل على طمس نضالاتهم..
على كل حال في ظل التطورات التي تشهدها الدول العربية ما هو مطلوب من زعاماتها إن رغبت باللحاق إلى مصاف الأمم أن تعمل على اجتثاث مشكلة البطالة، وبدلا من أن تستخدم العمالة الأجنبية في الدول الغنية تستبدلها بعمالة عربية من الدول التي تهاجر عمالتها إلى أوروبا أو دولا أخرى، ومطلوب منها أولا أن تحل مشكلة العمال الفلسطينيين بتشغيلهم لديها بدلا من أن يعملوا في إسرائيل، وإن ذلك سوف يزيد من صمودهم ويقوي إرادتهم في التصدي لمخططات الاحتلال، أو الاستثمار في الدولة الفلسطينية المقبلة.. ونعتقد أن على الدول العربية أن تغير من سياستها الاقتصادية والعمل على فتح حدودها وتوحيد جهودها على غرار السوق الأوربية المشتركة، وإلا ستحتاج إلى ثورات جديدة في المستقبل..
0 comments:
إرسال تعليق