منذ نكبة فلسطين عام 1948م لم نشعر للحظة أن الحلم قريب، بل كان دوماً يردد ابو عمار(ياسر عرفات) أراها قريبة فنرد عليه بعيدة بعيدة، بنوع من الياس والقنوط من الأوضاع الفلسطينية الداخلية التي لم تكن بمستوى الهدف والحلم والقدرة على تحقيق حلم العودة، وخاصة بعد توقيع مبادئ أوسلو 1993م التي سلبت القضية الفلسطينية زخمها الدولي وأغرقتها في مفاوضات جزئية لا تستند للتشريعات الدولية، فاسقطت في طريقها العديد من الثوابت والملامح الوطنية ومن أهمها حق العودة، مع تلاعب إسرائيل بورقة هذه المفاوضات خلال المرحلة السابقة، وتلاعبها بمفهوم الدولة وحدودها، وطرحها لقانون يهودية الدولة في مناخ عربي متقطع الآوصال، متآكل العزيمة لا يستطيع ممارسة أي ضغط سياسي رسمي أو شعبي على إسرائيل والولايات المتحدة اللتان مارستا كل الضغوط على الأسرة الدولية لإنكار الحق الفلسطيني وثوابته الوطنية.
إلاّ أن الحركات الاجتماعية (الثورات) التي فجرها السابع عشر من ديسمبر 2010مفي تونس، ومن ثم مصر، وسوريا، واليمن، وليبيا، والبحرين، والعديد من البلدان العربية بشكل جزئيأحدث نوع من التغيير في المفهوم السابق بشقيه الرسمي والشعبي، وتحررت الشعوب العربية من حالة الخضوع والاستسلام التي كانت تعيش بها.
وبالرغم من أن حركة التغيير العربية بدأت بحركات اجتماعية ومطالب شبابية مشروعة إلا إنها سرعان ما إرتقت بمطالبها واصبحت تطالب بتحرير فلسطين، وهو ما يؤكد أن فلسطين هي قضية العرب الاستراتيجية، وأن استقرار المنطقة مرتبط بالقضية الفلسطينية، وأن فلسطين أحد أهم هموم المواطن العربي الذي جسد ذلك فعلياً في الدعوة لزحف شعبي مليوني نحو فلسطين في ذكرى النكبة 63 ورغم ما تم ممارسته من قبل الأنظمة ضد هذا الزحف إلا أن الشباب العربي استطاع كسر حاجز الصمت الذي كان يغلف الروح الشعبية العربية، وتحركت جموع الشعوب بالتحرك من مصر والأردن وسوريا، ولبنان، وفلسطين وكسر هذا الزحف حالة السبات والتراخي الإسرائيلية التي مانت تعيش في خضمها منذ عقود سابقة، وهو ما أيقظ إسرائيل على المخاطر الإستراتيجية التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابقة(آرئيل شاورن) ضمن سياساته وهو الخطر الديموغرافي كتهديد أكبر يهدد وجود إسرائيل.
إن مسيرات العودة التي اتجهت صوب فلسطين بالأمس رسمت ملامح الخارطة من جديد، ودشنت وعبدت بدايات العودة الفعلية والحقيقية التي حملها البطل الشجاع (حسن حجازي) ليجسد حالة نادرة في الفعل الفلسطيني، ويعلن بكل شجاعه وبطولة إنه عاد ليافا مسقط راسه وموطنه، وأنه لا يعرتف بشيء إسمه دولة إسرائيل وهي كلمات توحي لنا ببشائر لم تحملها كل العقود السابقة، بشائر زهور الأمل التي تفتحت في ربيع العودة والزحف صوب فلسطين، ورسمت بدماء شهداء الزحف بداخل كل لاجئ وفلسطيني ملامح جديدة للعودة، وما المشهد الذي جسدة (حسن حجازي) إلا نموذج جديد للعودة وللتحدي بصدر عاري، وأن دماء الشهداء رسمت خطوط العودة الحقيقية على خارطة الوطن، ,أسقطت كل من يحاول الإلتفاف على هذا الحق، وأعلنت البيعة من جديد للأرض والمنبت والوطن.
وبالرغم من هذه الحالة ومن معلم النصر الفعلي والشعبي الذي ترسخ أمس، إلا أن الواقعية تتطلب منا فهم الواقع المعقد في ترقب إعلان الدولة الفلسطينية، والتمسك بالثوابت الوطنية وهو واقع يرتكز إلى منظومة ثلاثية البعاد تتكامل مع بعضها من خلال:
أولاً: الواقعية المحلية الفلسطينية التي تتطلب إعادة اللحمة والمصالحة الوطنية على قاعدة المصلحة الوطنية العليا، وإعادة صياغة المفهوم الوطني المستند لثوابت الشرعية الدولية في التفاوض مع إسرائيل، وإسقاط المفاوضات الجزئية التي تلاعبت بها إسرائيل منذ ثمانية عشر عاماً، استفردت خلالها بالمفاوض الفلسطيني وجردته من كل شيء دون أن تمنحه شيء سوى بعض المساعدات والمعونات الدولية التي أفرزت لنا شريحة من مكتنزي الأموال وتجار القضية والمتكرشون الذين حاولوا إسقاط الثوابت الوطنية.
وهذا لم يعد يُجدِ مع حالة الحراك اشلعبي الفلسطيني التي اضحى لديه القدرة والوعي والنضوج للتصدي لكل مفردات المساومة والفساد، والتآمر، والتلاعب، والإنهزامية التي يمثلها البعض، وليستمر هذا التصدي لابد من صياغة متطلبات تتمثل في:
أ. انتخابات حرة وديمقراطية تقوم على أسس سليمة للمجلس الوطني الفلسطيني يضم كل فصائل وقوى ومؤسسات المجتمع الفلسطيني، يستطيع إعادة صياغة مؤسسات م.ت.ف وإعادة هيكلتها للاضطلاع بمهامها الوطنية.
ب. إعادة هيكلة مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وإنتخاب مجلس تشريعي يستطيع قيادة العملية التشريعية والرقابية، وتوجيه وتصويب الحالة الفلسطينية الداخلية.
ت. إعادة صياغة مفهوم المواجهة والمقاومة مع إسرائيل وممارستها ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وتصليب الجبهة الداخلية الفلسطينية لتواجه التحديات.
ثانياً: ضرورة العمل العربي الاستراتيجي في منظومة شاملة بمستوييه الرسمي والشعبي ليشكل عامل ضاغط ضد إسرائيل، وممارسة إرباك السياسات الإستراتيجية الإسرائيلية التي جزأت المنظومة العربية ضمن جزيئيات منفردة، مما أفقدها القدرة على ممارسة الضغط على إسرائيل.
من هنا فإن المتغيرات في المنطقة العربية ممكن لها أن تشكل إسناد داعم للقضية الفلسطينية من خلال بلورة رؤية موحدة وشاملة(رسمية وشعبية) وهو ما يحدث إرباكاً إسرائيلياً سواء في المستوى السياسي الإسرائيلي الذي بدا يلمح بتصريحاته لإمكانية قيام دولة فلسطينية، أو على مستوى جبهته الداخلية التي اصابها ألإرباك من الزحف الجماهيري الشعبي السلمي، وافقدها قاعدتها الصلبة التي كانت ترتكز إليها في السابق من حالة الثبات العربي والخضوع الفلسطيني.
ثالثاً: البعد الدولي سواء الممثل بالهيئات الدولية الرسمية أو السياسات الدولية التي بدأت تغير من سياساتها ومواقفها تجاه مفهوم الدولة الفلسطينية، والقضية الفلسطينية وهو ما يتضح في إعلان هيئة الأمم المتحدة بإمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ( ايلول) سبتمبر 2011م، وكذلك اعتراف العديد من الدول الأمريكية الجنوبية بالدولة الفلسطينية، ورفع بعض الدول الأوروبية للتمثيل الفلسطيني.
ولكن هل الإعتراف بالدولة الفلسطينية هو الهدف الأوحد لتحقيق الثوابت الوطنية؟
إن اي إعتراف بدولة فلسطينية دون الإعتراف بحق العودة، وبالقدس عاصمة للدولة، وتقرير المصير يأتي ضمن دائرة المؤامرة على هذه الحقوق ومحاولة إلتفافية، تستهدف إجهاض الثوابت الوطنية، ولذلك فإن الإعتراف بالدولة الفلسطينية لا يعتبر حق متكامل دون الإعتراف بكافة الحقوق الفلسطينية، والـأكيد على ضرورة تطبيقها.
فالخلاصة أن حلم الدولة في ظل المتغيرات الحالية محلياً وعربياً، يخضع لكل الاحتمالات الممكنة، فممكن أن يكون الحلم حقيقة في حال اكتملت ظروفة الموضوعية التي طرحناها سابقاً، وتناغمت المواقف الفلسطينية والعربية وانسجمت في حدود المواجهة الضاغطة ضد إسرائيل، كما يمكن أن يكون واقع بعيد في ظل إستمرار الحالة السابقة فلسطينياً وعربياً واستمرار التشرذم، وهو احتمال يوحي للبعض إنه سقط أمام مشهد الزحف المليوني الشعبي الذي كسر حاجز الرعب الذي جسده (حسن حجازي) العائد الوحيد الذي وطأت قدماه أرضه ومسقط رأسه في مسيرات الزحف المليونية.
Samyakras_64@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق