.......الثورات والانتفاضات الشعبية العربية،والتي وضعتنا أمام مشهد عربي جديد تجسد وتبلور من خلال حالة ثورية فجرها الشباب والطبقات والفئات الكادحة العربية،حالة تطورت وتصاعدت وتمكنت من إسقاط أنظمة الحكم في تونس ومصر .
تستمر وتتواصل نحو كنس المزيد منها،وبما يؤشر الى أن التحولات الديمقراطية في الوطن العربي قد بدأت،ولكن ما بين التحول والانجاز مسافة طويلة جداً،فرغم أن الثورات العربية لعبت دورا في تغيير الادراكات الشعبية باتجاه تكريس ثقافة تتأسس على المواطنة،وأنه بالإمكان إسقاط أنظمة القمع والاستبداد سلمياً وديمقراطياً وبأقل الخسائر كما حصل في مصر وتونس،ولكن تلك التجربة لا يمكن استنساخها،فلكل تجربه خصائصها وظروفها وشروطها،ودرجة نضجها مرتبطة بدرجة التطور للبنى الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية ومأسسة أجهزة الدولة ومدى تحضرها ووعيها والقيم السائدة فيها،واستناداً لذلك وجدنا أن ذلك الخيار قد واجه محنة التطبيق في دول أخرى كليبيا واليمن والبحرين والسعودية،وهنا نشدد على أن مواجهة خيار التحول الديمقراطي لمحنته،نابع بالأساس لعائلية وقبلية وعشائرية تلك الأنظمة،حيث سادت وتسود فيها عصبيات ما قبل الوطنية من عشائرية وقبلية وجهوية وطائفية ومذهبية.
ومن هنا وجدنا أن الأنظمة العربية أقامت سلطاتها وأنظمة حكمها على الديكتاتورية والتوريث والقمع والاستبداد،وفي سبيل حماية تلك الأنظمة بدلاً من أن تعمل على صهر وصوغ التنوع والتعددية الدينية والمذهبية والطائفية في إطار وطني وقومي،وبما يغني الدولة ثقافياً ويحصنها ويقويها ويطورها حضارياً،كانت تعمل على تغذية التفرقة والفتن والاحتراب العشائري والقبلي والطائفي والمذهبي بين مكونات البلد مجتمعياً ودستورياً،وفي هذا الإطار تكشف دور النظام المصري البائد في تغذية تلك الفتن من خلال التعاون والتنسيق ما بين قيادة النظام والقوى المغرقة في التخلف والعصبوية والاقصائية والمخبولة والمنحرفة دينياً وفكرياً ووطنيا ومجتمعياً من الجماعات السلفية والظلامية في تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية،وهذا الدور أيضاً لعبه وما زال يلعبه النظام الطائفي في العراق والذي تكشف دوره في الاعتداءات على الكنائس والعرب المسيحيين وتغذية الاحتراب والاقتتال المذهبي والطائفي في العراق.
وما يحدث في مصر الآن هو نتاج لما غرسته الأنظمة البائدة،فهي التي أنتجت تلك الدفيئات والطفيليات وكانت بمثابة الحاضنة لها وأمدتها بكل عناصر القوة وأتاحت لها حرية الحركة والعمل من أجل قمع خصومها وبث ثقافة الخوف والإرهاب في المجتمع.
فهذه العناصر المتسترة والمتلفعة بعباءة الدين،صاحبة الأجندات والأهداف المشبوهة والمسيئة اولاً وقبل شيء للإسلام نفسه،واجب نظام الحكم الجديد العمل بشكل حازم وسريع،ضد أي قوة تعمل على إقامة حزب ديني،وسن وتشريع قوانين تحرم وتجرم التحريض الطائفي،وأيضاً العمل على صياغة نص دستوري لفصل الدين عن الدولة.
ان هذه العناصر الموتورة والمشبوهة من القوى السلفية،ليس بدافع الحرص على الدين تنفخ في قضية الفتاة المسيحية كاميليا والتي يقال أنها اعتنقت الإسلام،تجند وتجيش من أجل دفع الأمور نحو الاحتراب الطائفي في مصر،فالأحداث التي وقعت صباح يوم الأحد 8/5/2011 على تلك الخلفية حيث تجمهر حوالي 1000 من السلفيين المسلمين من اجل اقتحام كنيسة ماري مينا في أمبابا / الجيزة الغربية، لاعتقادهم بوجود الفتاة المسيحية كاميليا فيها،وما تبع ذلك من اشتباكات طائفية راح ضحيتها 11 مصرياً وجرح اكثر من 150 آخرين.
هذا العمل والحادث الهدف منه تعميق الاحتراب والاقتتال الطائفي والقبلي في مصر،خدمة لأهداف وأجندات مشبوهة تنفذها جماعات تكفيرية ومنحرفة دينياً وأخلاقياً ووطنياً،تدفع الى ردود فعل موتورة وغير مدرسة من جماعات قبطية،تصب أيضاً في خانة تعزيز الطائفية،وليس الوحدة الوطنية والأخوة والتسامح.
إن الفئات التي قتلت المتضامن الثائر الأممي الايطالي "أريغوني" في غزة والمناضل جوليانو خميس في مخيم جنين،لم يعد مجدي معها إعادة التأهيل والدمج في المجتمع،فهذه جماعات تبني أفكارها ومعتقداتها على الجهل والتخلف والأساطير والإقصاء والتكفير والتخوين للآخر،لا بد من العمل على تفكيكها واجتثاثها واستئصالها،فهي تشكل خطر على الدين والمجتمع والوطن والسلم الأهلي والمجتمعي.
أنظمة القمع والاستبداد والديكتاتوريات العربية البائدة والأخرى التي في طريقها إلى الرحيل غير المأسوف عليه تتقاطع اهدافها ومصالحها مع أهداف تلك الفئات والجماعات،وكل ذلك يصب في خدمة منظومة الأهداف الأمريكية في المنطقة،فالمحافظين الأمريكان الجدد في إطار المراجعة والتقييم للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة بعد التورط في المستنقعين الأفغاني والعراقي،تفتقت عقليتهم وذهنيتهم الاستعمارية والاستعلائية،انه من أجل استمرار السيطرة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط عموماً والمنطقة العربية خاصة،فإنه بالضرورة العمل على نشر سياسة الفوضى الخلاقة في المنطقة،سياسة تضمن لهم تقسيم وتجزئة وتذرير الأقطار العربية،ودفعها الى خانة الاحتراب المذهبي والطائفي والعشائري والقبلي والجهوي،بما يضعف الوحدة والانتماء الوطني والقومي،ويخلق كيانات اجتماعية هشة وضعيفة مرتبط وجودها في الحكم على الدعم الأمني والعسكري الأمريكي،مقابل سيطرة أمريكية على ثروات وخيرات البلد من نفط وغيره.
ونحن نجد تطبيقات وتجليات هذه السياسة في العراق والبحرين والسودان والصومال ولبنان وغيرها من الأقطار العربية،وما يحدث في مصر الأيدي والأصابع الأمريكية ليست بعيدة عنه،حيث يتم دفع الأقباط المصريين نتيجة للسياسات الخاطئة،وممارسات الجماعات التكفيرية من السلفيين الى طلب الحماية من الخارج،وبالتالي تقسيم مصر الى أكثر من دولة،وخاصة أن مصر هي حجر الزاوية في المخططات والمصالح الأمريكية،وهي ستعمل بكل الوسائل والطرق المباشرة وغير المباشرة وخصوصاً بعد سقوط نظام مبارك على عدم استعادة مصر لدورها القومي وهيبتها وكرامتها.
مع انتصار الثورات العربية واستمرارها،فإننا سنشهد الكثير من المحاولات والعمل من القوى المضادة والخارجية على إجهاض وإسقاط تلك الثورات او سرقتها،ولعل نشر الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية والأثينية تقف في مقدمات أهداف قوى الثورة المضادة ودعاة سياسة الفوضى الخلاقة،فالنجاحات الثورية والتحولات الديمقراطية في الوطن العربي تشكل مخاطر جدية على مصالح أنظمة القمع والاستبداد ودعاة الفوضى الخلاقة.
ومن هنا يجب العمل على البدء الفوري في التحولات الديمقراطية العربية،تلك التحولات التي تشكل الضمانة الوحيدة للأنظمة ولوحدة الوطن وسيادة القانون والحرية والديمقراطية.
0 comments:
إرسال تعليق