Elkarim76@hotmail.com
قبل أن نبدأ بتحليل نزاع العمل بين العاملين في وكالة الغوث الدولية (الأونروا) بغزة وبين إدارة الوكالة التي آلت إلى إضراب شامل للعاملين فيها مدة يومين متصلين، هما: الأربعاء والخميس الموافق 18و19 من الشهر الجاري، وكان إضرابا تحذيريا قد يتبعه إضرابات أخرى.. علينا أن نقدم نبذة مختصرة عن نشأة الأنروا وعملها، حيث تأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (خامسا) في 8 ديسمبر/كانون أول عام 1949 لغرض تقديم الإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل للاجئين الفلسطينيين. وقد بدأت الوكالة عملياتها الميدانية في أول مايو/أيار عام 1950 وفي غياب حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، تقوم الجمعية العامة بالتجديد المتكرر لولاية الأونروا.. واستمرت في تقديم خدماتها حتى يومنا هذا في خمسة مناطق جغرافية، تسمى مناطق عمليات وكالة الغوث الدولية حيث يتواجد تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، وهي: الأردن ويبلغ عدد اللاجئين فيها ما يقارب1.700 مليون لاجئ، وفي سوريا ما يقارب 350 ألف لاجئ، وفي لبنان أيضا 350 ألف لاجئ، وفي الضفة ما يقارب نصف مليون، وفي غزة ما يقارب المليون لاجئ، أي ما مجموعه أربعة ملايين ومائتي ألف من اللاجئين.. وبالطبع في بداية عمل المنظمة كانت تقدم لهم كافة الخدمات الضرورية لرعايتهم واستمرار بقائهم، ومع طول المدة تقلصت هذه الخدمات واقتصرت على ما يسمى بالحالات الاجتماعية ما عدا خدمات محدودة في مجال التعليم والصحة.. وتبلغ ميزانية الوكالة السنوية ما معدله نصف مليار دولار أمريكي ثابتة، ونصف مليار أخرى طوارئ.. ويقوم على إدارة هذه الخدمات ما يقارب 30 ألف موظف يرأس الصف الأول منهم عدد كبير من الكوادر غير العربية والفلسطينية يلتهمون جزءا كبيرا من ميزانيتها علما بأن الدول العربية تساهم بشكل لا بأس به من ميزانيتها... ما هو جدير بالذكر أن السياسة التي كانت متبعة في السابق كانت موحدة على مناطق العمليات الخمس، أي ما يجري تنفيذه في غزة يجري تنفيذه في الضفة وكذلك في لبنان وسوريا والأردن، إلا أنه من جديد بدأت هذه السياسة تتغير كل حسب البلد المضيف، وما يراه مناسبا مدير العمليات في ذلك البلد وما يتلاءم والسياسات الدولية بخصوص توطين اللاجئين.. وهذا يعني تقزيما لدور الأونروا المنوط بها في الحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين حتى يعودوا إلى أراضيهم وديارهم التي طردوا منها بالقوة، ولا شك أن هذه السياسة بدأت تحاك مؤخرا في أروقة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تمهيدا لإلغاء عمل الأونروا وإلحاق اللاجئين الفلسطينيين بالمفوضية العليا لشئون اللاجئين الدولية والتي من مهمتها توطين اللاجئين في العالم.
يومي الإضراب توقفت نشاطات الوكالة في كافة مخيمات قطاع غزة حيث تعطل عن الدراسة ما يقارب مائتان وستون ألف طالبا وطالبة عشية الامتحانات النهائية للسنة الدراسية الحالية، كذلك أغلقت كافة المراكز الصحية التي تقدم رعاية صحية لأكثر من عشرين ألف مريض يوميا من بينهم أصحاب الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري والقلب وجميعهم يحتاج إلى علاج ورعاية يومية، وكذلك تراكمت أكوام القمامة داخل مخيمات قطاع غزة مما زاد من الوضع الصحي سوء على السوء المتراكم مما ينذر بكارثة بيئية فيما لو استمر الإضراب، وأيضا توقفت الخدمات الاجتماعية في مراكز التموين التي ينتظرها أصحابها بفارغ الصبر.. وبالتأكيد يوجد من بين الناس الآلاف لا يوجد في بيوتهم حفنة من الطحين مما زاد من حنقهم وغضبهم على الإضراب ومن قاموا به لأنهم أغلقوا باب الفرج الذي كانوا ينتظرونه، وكذلك توقفت مشاريع البطالة والأنشطة المختلفة التي يستفيد منها أناس كثر.. العاملين المضربين بالوكالة أدرى من غيرهم بها..
لو ناقشنا النزاع الدائر بين العاملين وإدارة الوكالة بهدوء وتروي لوجدنا الخاسر الوحيد منه هو شعبنا، وحجم الخسارة لا يمكن أن تساوي مرتب ثلاثة موظفين تم توقيفهم أو فصلهم من العمل طيلة الحياة.. نحن لا نعرف كم وفرت الوكالة من مصاريف في يومي الإضراب؟ لكن تلك الأموال بالتأكيد يمكنها أن توظف أكثر من ثلاثين عاملا جديدا.. ونعرف أن الأمور لا تقاس بهذه الطريقة، لكن موظفي الوكالة الذين حافظوا طيلة الوقت على تنفيذ سياسة الوكالة وبرامجها، سواء السلبي منها أم الإيجابي هل سيعوضون الناس خسارتها، ومن سيكون المسئول عن الكارثة لو حصلت؟؟ وبالتأكيد هناك حالات تضررت من الإضراب لا يمكن تعويضها.. والسؤال الموجه للقائمين على الإضراب هو: هل كل العاملين في وكالة الغوث قد التزموا بالإضراب؟؟ أم أن هناك من العاملين في الصف الأول لم يلتزموا بالإضراب، بل هم الذين يقدمون التوصيات والقرارات للمفوض العام ويحثوه بعدم الالتزام بمطالبكم المشروعة مثلا ؟؟ إذا كان الإضراب هو من أجل ثلاثة موظفين أخلوا بالقوانين حسب بيانات الوكالة، فمن المؤكد أن الوكالة لديها لجنة تحقيق من الموظفين أنفسهم واعتمدت على قراراتهم وتوصياتهم في حكمها على الموقف، بينما اعتمدت لجنة العاملين التي قررت الإضراب على القضاء الغزي الذي برأ المتهمين الثلاثة حسب بيانات لجنة العاملين.. إذن ما ذنب الناس؟؟ نصدق من منهم؟ لماذا لم تلجأ لجنة العاملين إلى القضاء كي يحكم بينهم؟؟ والسؤال الأخطر هو: ما هو وظيفة محكمة العدل العليا في هذه القضية؟ حيث تضرر من الإضراب أكثر من مليون مواطن في غزة؟؟
هذا لا يعني أن الوكالة منزهة ولديها شفافية كبيرة في إدارة أنشطة تقوم على تمويلها كل دول العالم تقريبا.. فالكل يعرف حجم الفساد الذي ينخر في عظم هذه المؤسسة من رأس الهرم إلى قاعدته وسبق أن ناقشنا هذا الأمر في إضراب سابق للعاملين أيضا، ونشر في عدة مواقع وصحف بتاريخ:22/11/2009 تحت عنوان "فساد الأونروا وإضراب العاملين فيها.." واستندنا في مقالتنا تلك على ما نشره في حينه المراقب المالي العام للوكالة.. لكن الإضراب هذه المرة حسب بيان اتحاد المعلمين ولجنة العاملين في الوكالة لم يكن على مستوى المسئولية التي يجب أن تليق بمستوى تنظيم نقابي كبير مثل اتحاد الموظفين في وكالة الغوث الدولية، كما جاء في البيان الذي أصدروه يوم الإضراب المذكور، حيث انتقد البيان سياسة الوكالة في انعدام الشفافية في التعيينات إلى سياسات وقرارات العقاب البدني التي أصبحت سيفا مسلطا على رقاب المدرسين ويهدد أمنهم الوظيفي ـ حسب ما جاء في البيان الذي نشر في شبكة فلسطين للحوار... إن اتحاد الموظفين يعرف ويدرك مدى الخلل في نظام التوظيف في وكالة الغوث، بل إن الموظفين أنفسهم هم من يمارسون الطرق الملتوية والمحسوبيات سواء كانت شخصية أم سياسية؟؟ حتى العقاب البدني الذي يطالب المعلمون بإعادة استخدامه كي يحميهم ويحفظ أمنهم الوظيفي..!! أي بلاهة هذه التي تصدر من المربين اللذين أمنّا عليهم أبنائنا وبناتنا؟؟ هؤلاء الذين لا يؤدون الأمانة المهنية ولا الأمانة العلمية ؟؟ وإذ يؤكد هؤلاء بأن عدد من الموظفين أو العاملين قد توظفوا عن طريق الرشاوى والمحسوبيات، فكيف يدافعون اليوم عن هؤلاء الذين سرقوا مهنة ومكان غيرهم؟؟ هل قرار الفصل أو التوقيف لثلاثة موظفين هي سياسة ممنهجة سوف تطول الجميع؟ أم أن هؤلاء الثلاثة حقيقة هم في موقع الشبهة ومحل للتحقيق؟ وهذا لا يعني أننا ندافع عن سياسة الوكالة والإجراءات التي قامت بها، ولا كذلك أيضا أننا ندافع عن الثلاثة المفصولين أو نتهمهم بقدرما نناقش ما وصلت إليه الأمور.. قولوا لنا يا معلمين إذا ما استخدمتم العقاب البدني ضد أبنائنا كيف سيحفظ أمنكم الوظيفي؟؟ هل هي هذه الطريقة الصحيحة في التربية؟؟ أهذا ما تسعون له؟؟ هذا هو المجتمع الذي تسعون لتطويره وتقدمه؟؟ ألا تدرون أن المعلم عندما يلجأ لاستخدام الضرب أو العنف هو شخص غير سوي ويلجأ للعنف عندما يفشل أو يعجز عن استخدام طرق أخرى أكثر جدوى وفعالية؟؟ قولوا كم من أطفالنا قد تضرر نتيجة استخدامكم للضرب؟ وأن كثيرا من هذه الحالات لا تدري إدارة الوكالة عنها أصلا ؟؟ وفي أغلب الأحيان تحل وجاهيا وبطرق المخترة مع إدارة المدرسة والأهالي الذين يتعاطفون معكم بحجة الفصل وانقطاع الرزق والراتب أيضا؟؟
بالطبع هناك الكثير من الإيجابيات والمطالب المشروعة جاءت في البيان، ومن المؤكد أن هناك كثيرا من القضايا التي تخص العاملين في الوكالة منها ما هو قضايا تتعلق بأفراد أو جماعات، كلها تحتاج إلى جهد نقابي مستمر حتى تجد لها حلولا مرضية، لكن من المؤسف أن يكون من بين العاملين أنفسهم من يستهزئ بحقوق الصغار أو يعمل على طمس قضاياهم والالتفاف عليها من أجل الحفاظ على عليائهم وسلطاتهم وامتيازاتهم التي وصلوا إليها من خلال علاقاتهم الشخصية، أو نتيجة لاضطهاد وتعسف بحقوق آخرين سواء من العاملين، أم من المستفيدين من خدمات الوكالة وبرامجها، والأمثلة كثيرة على ذلك بدء من قطع التموين عن اللاجئين في سبعينات القرن الماضي، ونهاية بتقليص الخدمات الأخرى، وسرقة وهدر أموالا هائلة من برامج وأنشطة عديدة لا يستفيد منها شعبنا بشيء.. لماذا لم يحتج اتحاد الموظفين ويعلن الإضراب عندما تمس سياسة الوكالة الخدمات التي تقدمها للناس، وهم أدرى الناس جميعا حين يخطط لها، ويقومون بتنفيذها هم وليسوا غيرهم؟؟ العمل النقابي يا اتحاد الموظفين نعم! للحفاظ على حقوق العاملين والارتقاء بهم... لكنه أكثر رقيا وحضاريا عندما يحافظ على حقوق شعب بكامله..
0 comments:
إرسال تعليق