هناك حقيقة ثابتة واكثرنا قد سمع بها وتعتبر ايضاً كحقيقة مفاجأة ومع ذلك لا تحظى هذه الحقيقة بالاهتمام الذي تستحقه من قبل السياسيين ولا الاعلام ولا حتى من الناس العاديين.
تعرف هذه الحقيقة لدى علماء الاجتماع والأطباء" بالتدرج الاجتماعي" حيث هناك علاقة قوية بين وضع المرء الاجتماعي- الاقتصادي والصحة فعندما يكون الوضع الاقتصادي جيداً تصبح صحته افضل.
بالمقابل اذا كان وضع المرء الاجتماعي -الاقتصادي سيء فصحته تكون سيئة،حيث ان الفارق الصحي بين المحرومين والميسورين يكون كبيراً.
مؤسسة الصحة الاسترالية الكاثوليكية هي واحدة من المؤسسات القليلة التي تهتم بهذه الظاهرة وقد كلفت هذه المؤسسة المركز الوطني لتقويم الوضع الاجتماعي الاقتصادي (ناتسيم) في جامعة كانبرا من اجل وضع تقريران عن الموضوع وقد اطلق احد التقارير في اواخر أيار الماضي، وقامت المؤسسة بوضع قوانين ذاتية وسوف نعرض لهذه الوثائق.
يمكن ان تعتقد ان التفسير المبسط سيكون: اذا ما كنت تمتلك الكثير من المال يمكنك ان تؤمن طبابة وعناية صحية افضل ويمكنك ايضاَ ان تؤمن غذاءاً افضل تضاف الى ذلك مستوى تعليمي افضل ذلك سوف يؤمن لك معرفة اكثر لتجنب مخاطر التدخين والافراط في احتساء الخمور وممارسة المزيد من الرياضة. هذه العوامل جزء مهم لكن الأمر ليس بهذه البساطة، الطبابة مجانية للجميع او رخيصة لكن من منا لا يعرف ان التدخين يضر الصحة؟.
هناك ادلة عديدة ان وضعك الاجتماعي والنفوذ يؤثر على الصحة، فحيث ينخفض وضع الشخص في التسلسل الهرمي فإن ذلك يؤثر سلباً على الصحة ويعزي ذلك الى اسباب نفسية.
وقد وجدت دراسة اجريت على الرجال في انكلترا ان متوسط عمر الرجل المتوقع من اصحاب الاختصاص 78.5 عاماً بينما تنخفض الى 76 عاماً عند العمال المهرة والى 71 عند العمال الغير مهرة.
وحسب المعهد الطبي الأمريكي فإن التصنيف الوظيفي يعتبر افضل مؤشر بأن الموت بسبب امراض القلب اكثر من العوامل التالية مجتمعة :مستوى الكوليسترول في الدم، وضغط الدم والتدخين بالاضافة الى ذلك فإن عدم الحصول على الشهادة الثانوية يشكل عامل خطر اكثر من العوامل البيولوجية للعديد من الامراض.
وجد التقرير الأول الذي صدر عن (ناتسيم) انه يمكن وضع حد للوفيات المبكرة في المناطق المحرومة من استراليا بنسبة الثلثين للتتساوي مع معدل الوفيات في المناطق الأقل حرماناً.
من ضمن الفئة العمرية 25 الى 44 من الميسورين هناك 10% فقط لا ينعمون بصحة جيدة بينما تزداد النسبة لتصل الى %30 عند الأقل يسيراً ومن الفئة العمرية 45 الى 64 من الفئات الحرومة تصل نسبة الذين يعانون من سوء الحالة الصحية الى 40%. اما بالنسبة للذين يتركون المدارس بدون الحصول على الشهادة الثانوية ولا يملكون علاقات اجتماعية فإنهم لا يتمعون بصحة جيدة بنسة 10 الى 20% اكثر من الذين يدرسون في الجامعات ولديهم علاقات اجتماعية واسعة.
ان الاستراليين الذين يتمتعون بمستوى اقتصادي-اجتماعي منخفض هناك امكانية لأصابتهم بأمراض قد تصل الى الضعفين مقارنة مع اترابهم الذين يتمتعون بوضع اجتماعي-اقتصادي افضل.
وهناك نسبة 60% من الرجال العاطلين من العمل يعانون من امراضٍ مزمنة او اعاقة ما اضافة الى 40% من النساء من نفس الفئة.
العامل الاقتصادي الاجتماعي هو مؤشر يعطي فكرة عما اذا كان الناس مدخنين او متعلمين او يملكون منزلهم حيث ان اقل من 15% من المتعلمين يدخنون.
النساء من الفئة العمرية 25 الى 44 اقل من 20% منهن خصوصاً من الفئات المحرومة يعانون من السمنة بينما ترتفع هذه النسبة الى 30% عند الفئات الأكثر حرماناً وهناك احتمال ان يصبح الشباب الذين يتركون المدارس باكرا من المفرطين بشرب الكحول بنسبة تصل الى الضعفين مقارنة مع الشباب الذين ينهون الدراسات العليا.
ماذا يعني هذه الأمر؟ هناك طريقتان لتحسين الوضع الصحي في البلاد: الاولى زيادة الانفاق على القطاع الصحي من اموال دافعي الضرائب وهذا هو الحل الذي ُيروج له خصوصاَ من قبل الاطباء.
الطريقة الثانية هي الحد من الحرمان الاقتصادي وردم الهوة بين الفقراء والاغنياء ليس بمستوى الدخل لكن من خلال التعليم وتأمين المساكن، تملك او ايجار بأسعار معقولة وايضاَ من خلال طريقة معاملة العمال في أماكن العمل. هذه هو الحل الذي لا نسمع به كثيراً والذي يمكن ان يكلف المزيد من الأموال لكنه يجعل الناس اكثر سعادة ويتمتعون بصحة افضل ويمكن ان يوفر اموال دافعي الضرائب وهذا ما حاول تقرير (ناتسيم) تقديره، اذا ما تم ردم الهوة بين الأكثر حرماناً والميسورين (نعرف انها فكرة مثالية لكن يمكننا العمل لتحقيقها) فهناك قرابة 500000 استرالي يمكن حمايتهم من المعاناة من الأمراض المزمنة، بالاضافة الى امكانية 170000 شخص دخول سوق العمل وتوليد ما يصل الى 8 مليارات دولار اضافية من العائدات، وفي حال تحقيق ذلك فمن شأنها ان توفر مبلغ قد يصل الى 4 مليارات دولار من دفعات الضمان الاجتماعي في العام، كذلك فإن قرابة 60000 شخص لا يحتاجون لدخول المستشفيات بتوفير قدره 2.3 مليار دولار ويمكن كذلك ان نقلل الضغط على خدمات المديكير بنسبة 5.5 مليون معاينة سنوياً حيث نوفر 275 مليون دولار وتخفيض عدد وصفات الدواء بنسبة تصل الى 5.3 مليون وصفة طبية والتي توفر مبلغ 185مليون دولار سنوياً من الادوية المدعومة حكومياً.
لكن من الواضح انه عندما نختار استمرار اتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء كل سنة ومن ضمنها السماح لمتلقي الاعانة الحكومية البقاء تحت خط الفقر بذلك نستمر بغض الطرف عن السبب الحقيقي الذي يسبب سوء الحالة الصحية.
روس كيتنز
محرر الشؤون الاقتصادية
في صحيفة السدني مورنغ هيرولد
عدد 6 حزيران 2012
ترجمة: عباس علي مراد
0 comments:
إرسال تعليق