مرت الاسبوع الماضي الذكرى الاربعين لبداية الحرب الاهلية اللبنانية، وقد حبر اللبنانيون صفحات كثيرة عادلت بكلماتها ووقعها ما اطلق من قنابل في تلك الحرب، والتي انهالت عليها صفات مثل الحرب المشؤمة،العبثية،السيئة الذكروالتي تنذكر ولا تنعاد الى اخر المعزوفة، وبدوري رأيت ان اطلق هذا الرشق الكلامي قبل سكوت المدافع الكلامية والتي نجيدها ولا نتعظ من العبر التي نقدمها!
منذ اربعين عاماً، كانت البوسطة تسير في الشارع بدون سائق، بدون ركاب في منطقة لا يسكنها ناس ولا نقول مواطنين لأننا حتى الان لم نصل بعد الى هذا المفهوم ولا تستسيغه رعايا القبائل اللبنانية الطائفية والمذهبية والعائلية حتى آخر واصغر مكون لهذه القبائل.
اذن، وبكل بساطة نقول الحق على البوسطة، لانها كانت في المكان الخطأ والزمان الخطأ والركاب الغلط، بين اناس يتفقون فقط على الاستمرار في ترداد المعزوفة الخطأ، حتى كادت ان تصبح متوالية حسابية او متوالية هندسية كما تقتضي المصلحة، ويلعبون على الكلام متبعين نهج التناسي والتجاهل والتحريض، وكأن اللفلسطينيون وصلو الى لبنان بعد رحلة سياحية واعجبهم مناخ البلد وقرروا البقاء فيه، حتى ولو سكنوا مخيمات بدون اية بنى تحتية ولا حد ادنى من مقومات لعيش انساني مقبول، حتى ان القوانين تمنعهم من سقف اماكن سكنهم بالأسمنت بالأضافة لعدم السماح لهم بالعمل في معظم القطاعات ومحرومين من ابسط حقوق الانسان.
نعم، نسي بعض الفلسطينيون ان اسرائيل طردتهم من بلادهم وساروا مع من تآمر على شعبهم وهجرهم من ديارهم ومارسوا سلطة ادت الى ايجاد شرخ بينهم وبين اللبنانيين.
لكن، بنظرة تاريخية موجزة لمرحلة ما بعد حادثة البوسطة في عين الرمانة وصولا ً الى الوضع اللبناني الراهن، يدرك المرء ان ما عُلق على مشجب البوسطة لم يكن الا ذريعة من الذرائع الواهية والواهنة، لأنه وبعد ألأجتياح الاسرائيلي عام 1982 وصولا الى بيروت وخروج المسلحين الفلسطينيين من لبنان والمجازر التي حصلت في مخيمي صبرا وشاتيلا وحصدت الألاف من النساء والاطفال والشيوخ حتى من اللبنانيين المقيمين على تخوم المخيمين خير دليل على ذلك، لأنه كان خرق واضح وعدم احترام للاتفاقيات التي نصت على حماية العزل من اللاجئين.
هنا، يتبادر الى الذهن السؤال الأهم اذا كان العامل الفلسطيني هو السبب الاساس في نشوب الحرب الأهلية، او كما يحلو لبعض اللبنانيين تسميتها حروب الاخرين، وكأن هؤلاء الاخرون كانوا يمسكون بأيدي اللبنانيين ليضغطوا على الزناد، وايضاً لماذا لم يستطع اللبنانيون بناء دولة تليق بأبنائها رغم مرور 25 عاماً على نهاية حرب البوسطة الحامية وانتقالها الى الحروب الباردة المبطنة والمغلفة بالحرص على تعايش مشترك، ينصبون له الف شرك وفخ على كل مفترق سياسي ،طائفي ومذهبي ومناطقي، طبعاً، وعلى الطريقة اللبنانية المعهودة بالتهرب من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخرين، سيقولون الفشل سببه الوصاية السورية التي عملت على تنفيذ اتفاق الطائف بما يناسب مصالحها وهنا يتناسى اللبنانيون ان سوريا نفذت ارادتها بأدوات لبنانية وبتواطؤ واضح بسبب مصالح شخصية ضيقة سمحت للسوري بالتدخل في كل شاردة وواردة قبل ان تعود نفس الادوات وتنقلب على سوريا ولنفس ألأسباب.اما بعد الخروج السوري من لبنان العام 2005 الم يحصل تحالف انتخابي رباعي بين تيار المستقبل، حركة امل، حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي ،لماذا انفرط عقد هذا التحالف بعد فترة وجيزة من الانتخابات،والانقلابات على الاتفاقيات،وسؤال بديهي آخر من الأسئلة الكثيرة التي تركت بل اجوبة لماذا شنت اسرائيل ثلاث اعتداءات وحروب على لبنان منذ توقف حرب البوسطة الاول عام 1993 والعام 1996 والاخير عام 2006،علماً ان الفلسطينيين وقبل العدوان الأول ذهبوا الى صلح منفرد مع اسرائيل طوب لها معظم اراضي فلسطين التاريخية حتى ان مساحة 22% والتي نصت عليها تلك الاتفاقيات(اوسلو) تآكلت على طاولة مفاوضات ماراتونية لم تفضي الا الى تعاون امني بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية واشعلت حرب اهلية فلسطينية بين جماعة فتح وحماس بعد تقاسم ما تبقى من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بينهما.
أما سوريا، والتي القي عليها اللوم الكثير بإعاقة تنفيذ الطائف، ها هي غارقة في الحرب عليها وفيها والتي تحاكيها الحروب في دول عربية اخرى كالعراق وليبيا والصومال واليمن وما ادراك من سيكون بعد اليمن!؟، ومع ذلك ما زال اللبنانيون وبعد مرور 40 عاماً على حادثة البوسطة، ما زالوا غارقين في تناقضاتهم وعدواتهم وحواراتهم التي يتسلون بها في تقطيع الوقت الضائع لصياغة نظام اقليمي الظاهر انه يستنسخ التجربة اللبنانية بكل سيئاتها ومراراتها التي اوصلت البلد الى الفراغ الدستوري في رأس الدولة وتمديداً للهيئة التشريعية وحكومة ب24 رأس مع تعطيل الادارة وفسادها، معنى ذلك ان هذا الاستنساخ سيطيل امد حروب القبائل والطوائف والمذاهب والاثنيات والجهات في ما كان يسمى دول عربية سواء وجدت بوسطة ام لم توجد،ومع ذلك يصر معشر اللبنانيون في زمن داعش والتحولات الكبرى ان مرور البوسطة في المكان الخطأ او تحويل خط سيرها كان السبب لأنطلاق الحرب التي اسست لها وسبقتها عدة عوامل واسباب داخلية وخارجية، لأن لكل فريق البوسطة الخاصة به بعيداً عن خطوط الانقسام الظاهري بين 8 و14 اذار، مع العلم ان لبنان حقق اهم انجاز منذ قيام اسرائيل عندما حررت المقاومة الوطنية والاسلامية معظم الاراضي اللبنانية من الاحتلال الاسرائيلي دون قيد اوشرط.
والمضحك المبكي ان الكلفة المادية، البشرية، المعنوية، الثقافية، والانسانية تدفع من وعلى حساب تقدم ورفاهية ومستقبل الشعوب العربية، وحتى الذين نجو من همجية تلك الحروب ركبوا بحر المجهول على الأمل بحياة افضل، وجدوا الموت يتربص بهم في اعالي البحار ليموتوا غرقاً في ظلمات تلك البحار.
Email:abbasmorad@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق