في الذكرى المئوية للآنزاك ننحني إجلالاً أمام تضحيات الشهداء الأبطال الذين سقطوا دفاعاً عن أنسانية الانسان في العالم أجمع. نتذكر شهداء اوستراليا وكلنا فخر واعتزاز كوننا بتنا ننتمي الى وطن إستقبلنا منذ وصولنا الى ربوعه بإنسانيته وغمرنا بعدالته وأنعم علينا بحرية رأي وتعبير وعقيدة قل نظيرها في العالم تصونها قوانين حضارية وضعت لخدمة المواطن، وتعززها ممارسة ديموقراطية صحيحة ( رغم بعض الشوائب) هي نموذج يحتذى به.
فبفضل تضحيات شهداء الأنزاك تحولت أوستراليا برحابتها وجمالها وتناغمها ورقيها الى وطن يسعى الى الاستقرار فيه كل انسان يتطلع الى الآمان، ولا سيما ذلك الذي إفتقر الى الكثير من أساسيات الحياة المستقرة، لأنه لم يختبر حقاً حقوقه وما عليه من واجبات في وطنه الام. لذلك قلما نجد "استرالياً جديداً" كان مرتاح البال على مختلف الصعد في بلاده الأصلية، وخاصة في بلداننا الشرق أوسطية، أو كان بالتالي ينعم بالحد الأدنى بوجود دولة حضارية تواكب العصر وتحميه وتوفر له العيش الكريم، بل كان غالباً ما يتطلع للهجرة الى دولة متقدمة لا ترزح تحت وطأة الفساد السياسي والتعصب الطائفي الذي يترجم بتسلط زعامات "ملكية" عملت وتعمل على تسخير النظام وتوظيفه في إستعباد المواطن عائلياً ومناطقياً ومذهبياً وطبقياً وسياسياً.
منذ اللحظة الاولى تفتح اوستراليا ذراعيها لتستقبل المهاجر الجديد فتجعله يشعر انه واحد من ابنائها وتبذل قصارى جهدها في مساعدته على تذليل كل ما قد يعترض سبيل استقراره في الوطن الجديد سواء كان ذلك لغوياً أم مادياً أم معنوياً. وتعمل كل ما بوسعها بغية إزالة الشوائب التي قد تتسبب بها قلة "عنصرية" غير مؤثرة. فضلاً عن ذلك تشجع أوستراليا المهاجر على الاحتفاظ بثقافته وتقاليده التي لا تتعارض مع تقاليد وقيم وحضارة المجتمع الجديد ومسعاه الدائم الى التقدم والتطور.
لكنه من المؤسف أنه ومع كل ما توفره اوستراليا من ديموقراطية حقة وحرية رأي ومعتقد وعلمانية وعدالة اجتماعية واطمئنان وازدهار اقتصادي، يظل هنالك من يريد التلاعب بسلامتها وتعريض أمن مواطنيها للخطر، فضلا عن انتقادها والتهجم على نمط الحياة فيها والتشكيك بديموقراطيتها، تارة بحجة وجود تمييز عنصري في مكان ما، وطوراً بحجة وجود إجحاف يلحق بفئات وخلفيات معينة. فيتغاضى "المنتقدون" عن حقيقة تكمن بوجود رواسب عنصرية قد ترسخت فعلاً في ذهنيتهم بعدما حملوها معهم من مجتمعات مزقتّها وما زالت آفات التمييز الديني والعرقي والثقافي، بما فيها التمييز ضمن ابناء القرية الواحدة وبين ابناء العائلة ذاتها. كما يغيب عن بال بعضهم ان أفضل وسيلة لمكافحة الاجحاف المزعوم هي في الإلتزام بالقوانين واحترامها والعمل من ضمن إطارها بغية إسترداد "الحقوق". فما هو ذنب الوطن الذي فتح لنا ذراعيه وأستضافنا ومنحنا جنسيته وأكرم علينا بخيراته اذا كان البعض يمعن في الإخفاق بتحرير ذاته من قيود يفترض أن يكون قد حاول الفرار منها أصلاً سعياً وراء حياة أفضل. من هنا علينا جميعاً الالتزام بعمل كل ما يلزم من أجل حماية اوستراليا لكي تظل واحة للعدالة وحرية الرأي وحقوق الانسان والمساواة وقلعة للحضارة والسلام، تماماً كما أرادها شهداء الأنزاك وكل شهداء أوستراليا.
في عيد شهداء اوستراليا نقدم تحية وفاء الى الذين ضحوا بأغلى ما لديهم لكي تنعم اوستراليا وشعبها بالحرية والآمان والإزدهار. رحمهم الله وحفظ الله اوستراليا دولة راقية تصان في ربوعها كرامة الانسان وحقوقه، وتتحقق فيها رغبته الرامية الى بناء مستقبل أفضل له ولعياله.
0 comments:
إرسال تعليق