فليعـدّل الطائـف وجذريـاً/ عباس علي مراد

على الرغم من أن لبنان من الدول العربية الأولى، إن لم يكن الأول الذي وضع دستور عصري في عام 1926 وإن كان تحت سلطة الإنتداب، إلا أن لبنان ورغم طول المدة الزمنية لوضع دستوره لم يصل بعد الى برّ الأمان الدستوري، ولم يزل يعاني تعقيدات دستورية عمدت قيادته الى معالجتها بمسكنات الأعراف والوساطات بالإضافة الى الإستعانة بالقوى الإقليمية والدولية، والتي تلجأ الى وضع حلول تناسبها على حساب مصالح الشعب بتواطؤ معظم القيادات اللبنانية على اختلاف مشاربها واتجاهاتها.
قبل الإستقلال بدأت علامات الأزمات بالظهور، فبعدما رفض المسلمون دولة لبنان الكبير وطالبوا بالإنضمام الى الدولة العربية التي ترأسها الأمير فيصل، جاء الاستقلال عام 1943 توصل اللبنانيون الى الصيغة التي عُرفت بالميثاق الوطني والتي نصّت أهم بنودها على ان لبنان جمهورية مستقلة ترفض الحماية الأجنبية أو الإنضمام الى اي دولة عربية، لكن الميثاق لم يفكك أهم الألغام التي وضعها الإنتداب الفرنسي اي الطائفية السياسية وكرسها في المادة 95 من الدستور التي تنص على إلغاء الطائفية السياسية ،والتي بالإضافة الى الممارسة السيئة في الحكم، أتت على صيغة العيش المشترك والذي تحوّل لاحقاً الى تكاذب مشترك، فإنفجرت أول أزمة حكم عام 1958 والتي انتهت الى رفع شعار "لا غالب ولا مغلوب" بعد أن تولى الرئيس فؤاد شهاب الحكم والذي حاول وضع الأسس لمؤسسات وطنية والتي عادت وأتت عليها الأحداث المتلاحقة التي سبقت الإنفجار الكبير عام 1975 والأحداث اللاحقة التي استنزفت اللبنانيين بشراً وحجراً الى أن حانت التسوية بعد 15 عاماً عندما ارتأت القوى الخارجية الدولية والاقليمية وضع حد لذلك النزيف، فاستدعي من تبقى حياً من النواب اللبنانيين الذين انتخبوا عام 1972 الى مدينة الطائف وهناك جرى تعديل الدستور الذي أصبح يُعرف بإتفاق الطائف والذي اعتبره البعض إتفاق الضرورة أو الإتفاق المرحلي لانه لا يلبي رغبات اللبنانيين لبناء دولة عصرية ، أقرّ  ألأتفاق في مجلس النواب بتاريخ 05/11/1989.
رغم ان الإتفاق حدّد هوية لبنان بأنه عربي الهوى والإنتماء وحدّد أسس إعادة لبنان المستقل مؤكداًً على أنه وطن نهائي لكل اللبنانيين، بالإضافة الى ان لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، النظام قائم على مبدأ فصل السلطات وتعاونها ولم يغفل الإتفاق الجوانب الإقتصادية والإجتماعية والإنماء المتوازن.
اذن، صاغ إتفاق الطائف مبادئ النظام السياسي اللبناني وإصلاحه، والتي طاولت صلاحيات رئيس الجمهورية ودور السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية حكومة ووزراء ولحظ كما ميثاق 1943 إلغاء الطائفية السياسية!
السؤال البديهي والذي يجول في رأس كل لبناني سواء كان مؤيداً أو معارضاً لإتفاق الطائف، هل حقق الإتفاق المرجو منه؟ 
البعض يقول ان الإنتقائية في تنفيذ بنود الإتفاق اساءت الى الإتفاق، ويلقون باللوم على الدور السوري الراعي الإقليمي الرئيسي للإتفاق إلى جانب السعودية.
لكن الشواهد الكثيرة التي برزت بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 تقول عكس ذلك وإن السياسين اللبنانيين يحبّون ويجيدون الرقص على حافة الهاوية الوطنية من خلال جرّ البلد إلى أحلاف ومحاور حيث  تتفجر أزمات في الداخل وعلى حساب الوطن ومواطنيه والتي جاءت فاقعة في الاصطفاف السياسي الذي رافق عدوان اسرائيل عام 2006 والتي اثبتت أن الشعب متقدّم على معظم سياسييه وقيادته من خلال احتضان النازحين.
ولا يخفى على أحد الإندفاعة التي قامت بها حكومة الرئيس السنيورة من أجل السيطرة على شبكة الإتصالات الخاصة بالمقاومة تنفيذاً لرغبات خارجية والتي أدت الى أحداث 7 أيار والتي كان سبقها اعتصام المعارضة في وسط بيروت لعدة شهور من أجل اسقاط الحكومة المطعون في شرعيتها بسبب استقالة الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصراف الذي كان يمثل الرئيس اميل لحود في الحكومة.
بعد أحداث أيار وقّـّعت القيادات اللبنانية في 21 أيار 2008 ما عرف بإتفاق الدوحة والذي انهى اشهراً من الأزمة السياسية وأهم نصوص الإتفاق كان انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد شغور المنصب  بعد ان انتهت ولاية الرئيس لحود الممددة بدون انتخاب خلف له، إقرار قانون للإنتخاب وتأليف حكومة جديدة.
وعلى الطريقة اللبنانية نفـّذ إتفاق الدوحة فانتخب الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار الذي كان يشغل منصب قائد الجيش بعد أن عدّلت المادة 49 من الدستور(ولمرة واحدة) والتي تنصّ على ان يكون الموظف قد ترك عمله قبل سنتين من الإستحقاق.
وعوضاً عن إقرار قانون إنتخاب عصريّ، وبمخالفة صريحة لأتفاق الطائف تمّ بعث الحياة بقانون العام 1960  القاضي بأجراء الأنتخابات على اساس القضاء بدل المحافظة التي ينص عليها الطائف، سبحان من "يحيي العظام وهي رميم" وتمّ تشكيل حكومة ضمت معظم القوى السياسية وترأسها الرئيس سعد الحريري والتي اسقطت شهر كانون الثاني 2011 بسبب استقالة وزراء 8 آذار الذين كانوا يحتفظون بالثلث المعطّل.
 بعد ستة اشهر من المفاوضات  رفضت قوى 14 اذار الدخول في حكومة مع فريق 8 اذار التي  شكّلت حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي والتي لاقت معارضة شرسة من قبل قوى 14 آذار ، في اذار عام 2013 قدم ميقاتي استقالة حكومته ودخلت البلاد في أزمة وزارية ودستورية، والجدير ذكره ان حكومتيّ الحريري وميقاتي فشلتا في إقرار قانون انتخاب عصري مما أدى وعلى الطريقة اللبنانية تم التمديد لمجلس النواب لمدة 18 شهراً.
منذ 10 أشهر تقريباً تمّ تكليف النائب تمام سلام بشبه إجماع نيابي لتشكيل حكومة جديدة وحتى تاريخه لم ينجح سلام بتشكيل حكومته بسبب التجاذبات الداخلية والإقليمية والدولية، فتارة  كان الاختلاف يتركز على النسب وطورا على العدد 9-9-6 أو 8-8-8،ومرارا على نوعية الحكومة اتكون  حكومة حيادية او حكومة جامعة او حكومة شراكة  او وحدة وطنية ،ويضاف الى ذلك مسألة المداورة بالحقائب الوزارية حيث هناك وزارات سيادية وخدماتية (اي شيء بسمنة وشيء بزيت) وكأن الوزارة اية وزارة مخصصة للفريق الذي يتولاها كل ذلك على حساب المصلحة الوطنية بسبب فقدان الثقة بين مكونات البلد السياسية.كل هذا والبلد غارق في أزمة عنقودية اقتصادية وامنية  وفراغ سياسي وحكومي ، كما أسلفنا، مجلس النواب مجدداً له، حكومة تصريف أعمال رئيس مكلّف، ودولة بدون ميزانية عامة، فمنذ عدة سنوات وتسير الأعمال على الطريقة الإثني عشرية والانتخابات الرئاسية على الأبواب ولا تعيينات ادارية وقضائية بسبب الخلاف على الحصص والنسب حيث تدار معظم الدوائر بالنيابة.
واذا عدنا قليلاً الى الوراء ونطلع على بعض التعابير التي يحفل بها القاموس السياسي اللبناني والتي تعطي فكرة عن الإستخفاف الذي يتعامل به اللبنانيون مع مسألة بناء الدولة الحرة والسيدة المستقلة، قوة لبنان في ضعفه، الديمقراطية التوافقية، النصوص والنفوس، العيش المشترك، أمن المجتمع المسيحي، تعديل الدستور ولمرة واحدة، قانون الإنتخاب الارثذوكسي، النأي بالنفس، الثلث المعطّل، الأحباط المسيحي، الغبن الشيعي، الخوف السني، الأعراف والتقاليد، 6 و 6 مكرر، لم يكن أفضل مما كان، المناصفة، التمديد والتجديد، القوانين السيارة، المداورة في الوزارات والمناصب، إلغاء الطائفية السياسية، تدوير الزوايا، اتفاق الضرورة، اتفاق الحد الأدنى، لبنان لا يطير الا بجناحيه، طاولة الحوار، س/ س القاعدة الاثنى عشرية وغيرها الكثير من التعابير التي قد تتسع لها دفتيّ كتاب.
اذن ،بلد بهذه الوضعية بحاجة الى إعادة نظر جذرية بدستوره، حتى يرتقي اللبنانيون الى مستوى بناء دولة المواطن بعيداً عن الإحباط والغبن والخوف، حتى نتخلص مرة والى الأبد من مسألة النصوص والنفوس وأيها يتقدّم على الآخر، والأعراف والتقاليد والتي تؤسس لأزمات وطنية متجددة تستفيد منها القيادات الطائفية والمذهبية والعائلية والتي تستميت بالدفاع عن امتيازاتها لأن الدولة العلمانية أو المدنية سوف تسقط تلك الامتيازات والتي تحتفظ بها بدون وجه حق، متحججين بالوضعية الطائفية، مختبئين وراء اللعبة العددية، يجيدون ازدواجية الخطاب بين المرسل والمتلقي. ونعرف انهم يريدون ان لا يتنازلوا عن مكتسباتهم ويحاولون تصوير العلمانية كنوع من الكفر وهم يملكون قدرة التأويل والتبرير وكأن هناك اتفاق غير مكتوب بينهم.
يجب ان يرتفع الصوت بالخطاب الوطني لأن الوضعية الوطنية يجب ان تتقدم على ما عداها حتى نستطيع تأمين العيش الكريم في حرية ووئام انساني ووطني ضمن دولة سيدة حرة مستقلة حتى نستطيع وقف النزيف الوطني الذي يأتي على مقدراتنا الإقتصادية والبشرية سواء قتلاً أو تهجيراً، خصوصا ان الطائفية السياسية وبكل نسخها  تنتقل من فشل الى اخر ومن ازمة الى اخرى ومن اخفاق الى اخر.
إذن فليُعدل الطائف وجذرياً  وتوضع كل الهواجس على الطاولة عبر عقد مؤتمر تأسيسي كما يدعو السيد حسن نصر الله او من ضمن الشركة والمحبة الذي رفعه كشعارلخدمته البطريركية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، علنا نستطيع ان نثبت لوزيري خارجية الولايات المتحدة الأسبقين هنري كيسنجر وجورج شولتز أن لبنان ليس فائض جغرافي كما قال الاول وان لبنان ليس خطأ تاريخياً كما ادعى الثاني!

سدني
ِEmail:abbasmorad@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: