العجز/ أسعد البصري

الحبّ ليس الباب الذي فتحه صاحب الحانة ، وأغلقه السكارى . ليس البخور الذي أحرقته أمي على قبر أبي . ليس نهد الفتاة الوحيدة ، في شارع القبلة القديمة ، حيث مددتُ يدي إلى قميص المدرسة الأبيض ، لأدرك أن الحب ليس هكذا . الحبّ ليس العلم الذي رفعناه ، في ساحة المدرسة ألف مرة . ليس ضريح الحسين والنقود التي في داخله ، ولا عباءة أمي التي ابيضَّتْ من الحزن . الحب ليس زجاجة عرق يسكر بها أبي ، ويصحو بسببها أخوتي من الموت . ليس لمعان الراجمات في القادسية الثانية . ليس الشهداء الذين باعهم الأسرى فيما بعد .

الحب ليس شوربة رمضان ، وسجادة جدي ، ولا غضب سورة البقرة من المنافقين . الحب ليس المراهقين الذين يكتبون خوفهم من المجهول . ليس حديث جدتي إلى دجاجاتها ، لا الشتاء ، ولا فاكهته . الحبّ ليس ضجة البساتين في الصيف ، ولا خرير الجداول الصافية فوق وجه البصرة . ليس رائحة جارتنا التي راودتني ، وخفتُ حتى شُقّ حيائي من خلاف . ليس ندمي على نكهة تلك الجارة الطيبة كل هذه السنين ، ولا حزني على زوجها المفقود . الحب ليس لوعتي وأنا أتلصّصُ عليها ، بأفخاذ عارية ، تغسل الثياب بطشت أكبر من عطشي . الحب ليس الحنين إلى أهلي ، ولا زوجتي التي طلقتني ثُمَّ أكلتْ ابنتي . ليس الساعة الثالثة فجراً حين يطرق الحزن بابي . ليس البكاء الذي لا أحسنه لأنني تعلمته مؤخراً . ليس المشيب الذي يتفتح في جسدي ليُعلن انتصار التراب على روحي . الحبُّ ليس أولادي الذين ماتوا في السفر . ولا أصدقائي الذين لم أعثر عليهم . ليس ليلة القدر ولا صلاة التراويح . الحُب ليس الرئيس العراقي المشنوق ، ولا جُثّتَهُ التي يُحلّق فوقها طائر الثأر . ليس الفتاة التي أحبّتْني حتى هربتُ من جمالها بسبب عجزي ، وليس الفتاة التي حَبَبْتُها حتى شنقتُ نفسي بملابسها الداخلية البيضاء . الحُب ليس الموبقات التي كل مساء أُحدِّثُ بها نفسي . ليس العصافير التي تخرج من فمي حين أكون بمزاج رائق . ولا المرأة التي طرقتْ بابي لتطعمني ، وعلى رأسها ترفرف رايةُ العراق . الحب ليس أختي التي تنتظرني ، كما تنتظر البدويات أخوتهن بعد الغزوات .

الحُب هو المساء الذي جرحتُ فيه نفسي بعذاب البشر . هو النهار الذي كشفتُ عنه الغطاء ، وأبصرتُ حقيقتي . هو القُبلة التي لا تنتهي ، حتى لو شربتُ كل لعابها ، وشربتْ كل لعابي . لأن الحُب خيال والجسد مجرد حقيقة . الحب هو اللحظة التي وقعتْ عليها عيني ، فعرفتُ أن يوسف أجمل من أن تأكله زليخة . هو اللون ، والرائحة ، وصفاء الجلد ، وذكاء اللغة . هو دمي الذي يتبدل مع كل حبيبة . الحب هو عجزي التام عن الحب

CONVERSATION

0 comments: