هزيمة يونيو 1967 كانت عار غير متوقع وضربة جوية أضاعت كل أمل في ردع المعتدي وإعادة الكرامة للجندي المصري الذي خُدع من قبل قادته الذين أيضا خَدعوا الرئيس المسئول جمال عبد الناصر .
لا أحد ينكر تحمل عبد الناصر المسؤلية كاملة وبدأ إستعادة كرامة الجندي المصري والشعب المصري في حرب أعلنها وأطلق عليها حرب الأستنزاف . وقد نجحت إلى حد كبير . لكن لم يحالفه الحظ ليحقق للجندي المصري والشعب المصري إستعادة كرامته في حرب ضد العدو الأسرائيلي . خزله الأتحاد السوفيتي وراح ضحية صراع فلسطيني أردني . حزن عليه الشعب وودعه وداع الأبطال الفاتحين لا المهزومين .
تولى السادات سدة الحكم متحملا عبئا ثقيلا على كاهله في وضع إقتصادي لا يساعد على الدخول في حرب مواجهة مع العدو ، وشعوب عربية ومصرية تريد الأخذ بالثأر من عدو خدعهم وضللهم وهزمهم . لكن يداه مقيدتان ولا حول له ولا قوة .
تمت المعجزة ودخلت مصر والعرب حربا أهم ما يميزها عودة روح الوحدة الوطنية بين أبناء مصر بعدما كانت قد تخللتها فترة نفور وعدم إنسجام بين أبناء مصر والقاء اللوم على المسيحيين وإتهامهم بأنهم سبب الهزيمة مما أثار حفيظة الأقباط وتقوقعهم وإبتعادهم عن أي نشاط إجتماعي كانوا يشاركون فيه .
لكن الحرب على العدو التقليدي لإسترجاع هيبة الجندي المصري والعربي جعلت ذلك النفور يتحول الى تلاحم ، وعدم الإنسجام الى تناغم تام . الى جانب الحيلة والخديعة التي قام بها الرئيس السادات مما أتاح له تحديد ساعة الصفر بعدما إطمئن أن كل شيء معد وجاهز لخوض معركة الشرف والكرامة وتحطيم خط بارليف الأسطورة الصهيونية التي كان يتباهى بها الأسرائليون . تحطيمه بفكرة بسيطة فكر فيها مواطن مصري ديانته المسيحية بإستخدام خراطيم مياه كبيرة وقوية تدفع الماء بقوة ليتم إنهيار ذلك الخط الأسطوري الذي كان يدرس بالأكاديميات العسكرية في أميركا والغرب ورفع العلم المصري بعد الأنتصار . وكان ذلك في السادس من أكتوبر 1973 .
يبدو أنه مكتوب على مصر والشعب المصري الشقاء والصراع فيما بينهم وتبدأ الخلافات والإنشقاقات بين مصر والعرب ، وبين المصريين أنفسهم مع عودة النعرة الطائفية إلى الظهور في أشكال مختلفة سواء في العمل أو الجيرة أوالطريق العام خاصة في القرى بعد عودة القوى الأسلامية بالظهور ، وإعلان الرئيس السادات أنه رئيس مسلم لبلد مسلم . مما أعتبر إعطاء التنظيمات الإسلامية الضوء الأخضر لفرض أنفسهم على الشعب المصري عامة والقبطي بصفة خاصة .
هزيمة 1967 قادتنا إلى إنتصار أكتوبر 1973 . ذلك الأنتصار أخذنا إلى مذبحة ماسبيرو في التاسع من أكتوبر عام 2011 . وياله من تصادف عجيب .
ثماني سنوات فقط كانت قد مرت على الأنتصار العظيم في السادس من أكتوبر عام 1973 إلى السادس من أكتوبر عام 1981 حيث تم إغتيال الرئيس السادات بأيدي من أطلق صراحهم وأعطاهم الضوء الأخضر لفرض أنفسهم على الشعب المصري عامة والقبطي بصفة خاصة . مما جعل من إنتصار أكتوبر . الأنتصار الحزين .
نعم الأنتصار الحزين فقد جلب علينا نحن المصريين عداء العرب أجمعين . إتهمونا بالخيانة لأن رئيسنا أجرى معاهدة صلح مع العدو اللدود الصهيوني . وهذا لم يكن في حسبانهم على الرغم من أن حكام معظمهم كان على وفاق معهم . فبدأوا في نفخ نار الفتنة ومساعدة الجماعات الإسلامية على إستخدام القوة والعنف ضد الشخصيات العامة المصرية والتي تميل الى التوافق السلمي بين أبناء مصر والعالم العربي المحيط بهم . فأصابت مصر والشعب المصري بنكسة أشد من نكسة يونيو 1967 .
الرئيس المخلوع إتخذ لنفسه طريقا إبتعد فيه عن كل إحتياجات ومتطلبات مصر والشعب المصري فترك للجماعات الأسلامية والتي ظهرت من بينها جماعات متشددة وسلفية ووهابية الحبل على الغارب بشرط الأبتعاد عنه وعن حكمه .
حرب أكتوبر 1973 كانت حرب كل المصريين دون تميز بينهم بسبب عرق أو لون أو دين . فكان منهم المصري المسيحي والمسلم والنوبي والبدوي .
المصري المسيحي شارك بالدم وبالعمل جنبا إلى جنب المصري المسلم والنوبي والبدوي . والنوبي لم يشارك فقط بالدم . لكنه شارك بالعمل العظيم الذي قام به بإستخدام لغتهم النوبية التي يتكلمون بها ولا تصلح للكتابة كشفرة للتواصل بين قوات الجيش والقائد محمد أنور السادات . كذلك فعل البدو بالمساهمة العملية على أرض المعركة بإرشاد والعمل مع القوات المصرية المحاربة على أرضهم وأرض أجدادهم سيناء . فخرجت لنا ملحمة ذلك النصر ... مع الأسف الحزين .
هل رأيتم كيف أخذتنا هزيمة ونكسة 67 إلى إنتصار 73 الحزين ، الذي أخذنا إلى 25 يناير 2011 الذي عاد إلى الشعب المصري وشبابه روح المصري المسالم والمحب ولم يخطر بباله أن هناك متربصون في إنتظار اللحظة المناسبة للأنقضاض على ثورة الشعب المصري الأصيل وإستخدامها للأطاحة بنظام مبارك ليخلوا لهم الطريق ليصلوا إلى حكم مصر حلم الأخوان الطويل .
تمت إزاحة مبارك ولكن ... ولكن يبدو أن مبارك لم يكن بالرجل السهل فتخلى للمجلس العسكري إدارة البلاد متأكدا أن المجلس العسكري إما أن يحافظ على كرسي الحكم إلى أن تأتي الفرصة وإعادته أو العمل على إستمرار حكم العسكر بتولي أحد أفراد القوات المسلحة رئاسة مصر .
أو أنه كان متأكدا من وجود بعضا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلى رأسهم المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وغيرهما أعضاء ينتمون إلى جماعة الأخوان أو السلفيين والوهابيين فسلم لهم إدارة البلاد حتى يتم لتلك الجماعات الإسلامية من الوصول بأي وسيلة إلى حكم مصر ويعرف المصريون أن ناره أفضل مائة مرة عن حكمهم . وأعتقد أن هذا الرأي أكثر قربا الى الحقيقة لما لمسه الشعب المصري في الداخل والخارج من تصرفات المجلس الأعلى للقوات المسلحة التي كانت تظهر غير ما تبطن . تظهر تصرفاتهم أنهم يدافعون عن مصر والشعب المصري ، والحقيقة أنهم يعملون لصالح الجماعة .
مما شك فيه أن الشعب فطن لما يقوم به المجلس الأعلى من أعمال تدينه . أوضح البعض ذلك عبر مقالات وكتابات واضحة كل الوضوح وتشير إلى أن المجلس قلبا وقالبا سيسلم مصر لما ما يسمى بالإسلام السياسي . والبعض الأخر إستخدم إسلوب الغمز والتلميح . وخرج البعض يطالب بإقصاء المجلس الأعلى عن إدارة البلاد . هذا البعض لم يكن يملك السلاح ولا أدوات المقاومة ، مقاومة العنف بالعنف مطالبين بحقوقهم .
وفي يوم التاسع من أكتوبر 2011 وفي ماسبيرو دفعت شريحة من المصريين المسيحيين ثمنا غاليا من دماءهم بعد أن هاجم الجيش المصري أولئك الأبطال العزل من أبناء مصر بالمصفحات والدبابت ودهسوهم وأزهقوا أرواحهم وبعثروا أشلائهم وهم يهللون ويكبرون ، وكأنهم في معركة ضد عدو غريب عنهم جاء من قلب مصر ليعتدي على الشعب المصري وجنوده البواسل . وقد ساهم التلفزيون المصري في تأجيج نار الغضب ضدهم على لسان مذيعة أخذت تصرخ وتولول محذرة من هجوم شرس من شباب أقباط مصر ضد القوات المسلحة المصرية .
ولم تتحرك شعرة من رأس أي عضو من أعضاء ذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة لقول الحقيقة . حقيقة ما حدث وإدانة المسؤلين من القوة التي هاجمت وسفكت دم 27 شهيد مصري . ولا مساءلة المذيعة أو وزير الأعلام أو رئيس الأذاعة الذي لم يتدخل لوقف المهزلة .
رأينا كيف قادت هزيمة 67 إلى نصر 73 الحزين إلى ثورة 25 يناير 2011 التي عادت بمصر إلى نفق شديد الظلام ساهم في إظلامه العسكر وأضاف الأخوان والجماعات الإسلامية إلى ذلك الظلام إرهاب راح ضحيته الكثير من شباب مصر سواء في موقعة الجمل أو في ماسبيرو أو في محمد محمود أو العباسية أو بور سعيد دون أن يتحرك مسؤول سواء قبل وصول التيار الأسلامي إلى الحكم أو بعد أن تولي سدة الحكم أحدهم الدكتور محمد مرسي العمل على فتح ملف ضحايا الثورة من شباب مصر .
أخيرا أرى الفارق بين السادس من أكتوبر ، والتاسع من أكتوبر مجرد ثلاثة أيام وكأن القدر أراد أن يربط بين نصر السادس من أكتوبر 1973 الحزين ، والتاسع من أكتوبر 2011 اليوم الذي أستشهد فيه شباب آمن بوطنه وحقه في الحياة حتى لو دفع دمه ثمنا لتحقيق ذلك .
شكرا لكل شهداء مصر الذين سفكوا دماءهم من أجل مصر ومن أجل الحق ومن أجل الحياة الحرة الكريمة .
نقول لكم دماءكم لم تضع هدرا . بل هي تصرخ بصوت عال جدا قائلة ..
لا يضيع حق وراءه مطالب ... وأن الحقوق لا تمنح .. لكنها تكتسب .
0 comments:
إرسال تعليق