.....في أعقاب الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في كانون ثاني /2006 والتي فازت فيها حركة حماس،تعرضت الحركة إلى حالة غير مسبوقة من الحصار والضغوطات الإسرائيلية والأمريكية والعربية والدولية،وأقفلت في وجهها أغلب العواصم العربية والإقليمية المفتوحة الآن،ولم تفتح أي عاصمة عربية ذراعيها لاحتضان تلك الحركة سوى دمشق،دمشق التي رفضت أن تبيع مواقفها ومبادئها،وأصرت على أن تكون مواقفها قومية عربية،ورافضة للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة،القائم على إبقاء المنطقة العربية تحت النفوذ والسيطرة الأمريكية،وضمان التفوق والهيمنة الإسرائيلية،واستقبلت حركة حماس ومنحتها مطلق الحرية في الحركة والتنقل والعمل فوق الأراضي السورية،وعندما تعرض قطاع غزة في أواخر عام/2008 الى عدوان إسرائيلي،كانت سوريا في طليعة الدول العربية التي عملت على توفير كل مقومات الصمود والدعم للقطاع بما فيها السلاح،ولم يكن الموقف السوري نابع من مواقف براغماتية ومصلحية كما هو حال الحركة والجماعة التي ينتمي اليها خالد مشعل والقرضاوي،ولا أحد يقف ضد المطالب الشعبية بالإصلاح والديمقراطية والتعددية ووقف تغول الأجهزة الأمنية ومحاربة الفساد،ولكن عندما تصبح تلك المطالب،هي قميص عثمان وجزء من مؤامرة كبرى تستهدف تدمير الدولة السورية جيشاً ومؤسسات وتفكيك الجغرافيا السورية وتقسيمها وتذريرها واعادة تركيبها خدمة للمشاريع الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة،والتي بات يعرف القاصي والداني أنها تستهدف خلق سايكس- بيكو جديد يقوم على أساس تقسيم الوطن العربي،ليس على أساس الجغرافيا،بل على أساس العوائد والثروات،
وبناء على ذلك يصبح الدفاع عن سوريا واجب وطني وقومي،وأول من يجب أن يبادر اليه أؤلئك الناس الذين إحتضنتهم وحمتهم سوريا ووفرت لهم كل مقومات الدعم والصمود،ولكن يبدو أن البعض في سبيل فئويته ومصالحه الخاصة مستعداً للدوس على كل القيم والمبادئ،وهذا ما تجلى في مواقف حركة الأخوان المسلمين وحركة حماس،فمفتى المال القطري القرضاوي أفتى بالاستعانة بالشياطين من أجل استقدام القوات الأطلسية لاحتلال ليبيا ودعم ما يسمى بالثوار،هؤلاء الثوار الذين يقبع في سجونهم عشرات ألاف الليبيين،ويعملون جاهدين على تقسيم ليبيا وتحويلها الى قاعدة لكل قوى التطرف والإرهاب،وإغراق الدولة الليبية في مستنقع الحروب العشائرية والقبلية وزيادة افقار وتجويع الليبيين،وكذلك كانت له فتاويه بشأن سوريا حيث دعا الى سفك الدم السوري واستقدام القوات الأجنبية من أجل "تحرير" سوريا،وليس هذا فحسب فهم يحاولون حرف الصراع العربي- الإسرائيلي وتصويره على انه صراع فارسي- عربي،بحيث يتم نقل الصراع من مستوياته الرسمية الى المستوى الشعبي،وبما يدخل المنطقة في صراعات مذهبية وطائفية خدمة لمال مشيخات النفط والبترودولار في الخليج العربي ودعاة مشاريع الفوضى الخلاقة،وهذا ليس بالمستغرب على مثل تلك الجماعات والحركات،فحركة الأخوان المسلمين كانت تاريخياً تشكل السدنة والبطانة والدرع الواقي للأنظمة العربية في قمعها وتعليقها على أعواد المشانق لكل القوى القومية والوطنية والشيوعية،وكل المؤشرات تدلل على أن حركة حماس والتي ارتمت في أحضان قطر وأعماها بريق المال والبترودولار واستمرار السيطرة على الإمارة في غزة بأي طريقة، واضح أنها ليس فقط ستنقلب وتدير ظهر المجن لسوريا وايران،بل ستبدأ في شن حملاتها التحريضية على حزب الله اللبناني،الذي أفضاله على حماس لا تعد ولا تحصى عسكرياً ومالياً وسياسيا واعلاميا،وسنرى في الأيام القليلة القادمة حملة شعواء على حزب الله من قبل حماس،وحزب الله الذي كان حزبا مقاوما في نظر حماس ورأس الحربة في التصدي للمشاريع الأمريكية في المنطقة،سيصبح في نظر حماس والقرضاوي حزباً شيعيا وفارسيا وخادما لأجندات وأهداف مشبوهة .
خالد مشعل الذي حضنته سوريا هو وحركته،والذي حضر يوم الأحد الماضي مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة رجب طيب أردوغان وبطانيته،والطامحين الى إعادة الخلافة العثمانية وتتريك المنطقة العربية،أعلن من هناك دعمه للثورة السورية،ولكن لم نسمع منه كلمة واحدة عن دعم الثورة والثوار الحقيقيين في البحرين،ومشعل يعرف جيداً ان معلميه في تركيا وقطر والسعودية،هم من يمارسون كل عمليات التخريب والإجرام في سوريا من خلال توفير الدعم والتسليح لكل العصابات المجرمة والتي استقدموها من أفغانستان والشيشان واليمن وليبيا والصومال وتركيا والأردن وغيرها،تحت راية "الجهاد" و"تحرير" سوريا من الكفرة والعلمانيين،وكأن سوريا هي من تحتل وتغتصب فلسطين والعراق وغيرها من الأقطار العربية؟؟وتلك الجوقة المطبلة لم نسمع منها ولم تدعو الى الجهاد وتجنيد الأموال وشراء السلاح من أجل تحرير فلسطين،أو المسجد الأقصى الذي يتعرض يومياً للتدنيس والاقتحام من قبل العصابات الاستيطانية الصهيونية،والتي تمارس شذوذها وعربدتها وطقوسها التوراتية والتلمودية في ساحاته،فكأن المسجد الأقصى ليس بمسرى الرسول محمد صلعم!!،ولا يحتاج الى جهاد وتحرير!!،فهؤلاء جماعات الأفاكين والدجالين،ليسوا لا بالثوار ولا بالمجاهدين،بل معلميهم يحجبون المال والسلاح عن الشعب الفلسطيني وقيادته،حتى ترضخ وتذعن وتستجيب لشروط وإملاءات إسرائيل وأمريكيا في المفاوضات والتسوية المزعومة.
إننا لسنا في إطار الدفاع عن النظام السوري،ولكن هذا النظام هو الذي يحتضن جزء كبير من لاجئي شعبنا ويمنحهم هامش كبير من الحرية والحركة والعمل،وليس كما هو الحال في لبنان وغيرها من الأقطار العربية،حيث يجري إذلال متعمد لشعبنا في المخيمات،ويحرمون من أبسط مقومات الحياة البشرية،وكذلك حال فصائلنا،سوريا كانت وبقيت تحتضنها وتسمح لها بحرية الحركة والعمل والنشاط فوق أراضيها،وهذا النظام لو استجاب للشروط الأمريكية والإسرائيلية،لكان هو الآن العصا الغليظة التي تأتمر بأمره كامل المنطقة العربية،بما يخدم المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة،ولكن هذا النظام اختار أن يكون منسجماً مع قيمه ومبادئه،ومتعارضاً مع المشروع الأمريكي في المنطقة،حيث مارست أمريكا على النظام السوري كل أشكال الترهيب والترغيب،ولكنه أصر على أن يكون خارج السرب الأمريكي،وهو لهذا السبب يدفع الثمن،وليس من أجل قضايا الديمقراطية والتعددية والحريات والفساد،على الرغم من جوهرية وأهمية تلك القضايا.
0 comments:
إرسال تعليق