الإعتراف بدولة فلسطين وعضويتها في الأمم المتحدة تعزيز للمكانة التمثيلية لمنظمة التحرير، ومصدر قوة للحقوق الوطنية/ فهد سليمان


عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية

ثمة أوساط فلسطينية وعربية تبدي تخوفها من أن يؤدي توجه م.ت.ف. إلى الأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة أو المراقبة لدولة فلسطين على حدود 4 حزيران67، إلى المساس بالمكانة التمثيلية لمنظمة التحرير وبحق العودة للاجئين.
فيما يلي عرض لعناصر الموقف التي تبدد هذا التخوف من جهة، وتوضح من جهة أخرى، المكاسب السياسية التي سوف تتحقق من خلال عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، حتى وإن اقتصرت على العضوية المراقبة التي يقود إليها تلقائياً – من خلال إجراءات يتخذها الأمين العام للأمم المتحدة - إكتساب مكانة «دولة غير عضو» («non member state») بحسب اللغة القانونية المستخدمة في الأمم المتحدة.

(1)
■ حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على وضع «مراقب» في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22/11/1974 بموجب قرارها الرقم 3237. وفي 15/11/1988 صدر «إعلان الإستقلال» عن الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني، الذي مهّد لصدور القرار الرقم 177/43 عن الجمعية العامة في 15/12 من نفس العام، والذي جرى من خلاله تغيير اسم «م.ت.ف» إلى «فلسطين»، وهو القرار الذي يأخذ علماً بإعلان الاستقلال ويؤكد على «ضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على أرضه المحتلة منذ 1967»، حيث صوتت 104 دول لصالح هذا القرار.
لقد كان بالإمكان في هذه الدورة الحصول على وضع دولة مراقبة («دولة غير عضو»). لكن رئيس اللجنة التنفيذية – في حينها – إكتفى بتغيير اسم «م.ت.ف.» إلى «فلسطين» لتجنب ما من شأنه أن يعقد فتح قناة الحوار الرسمي مع واشنطن التي رهنتها بالألتزام الرسمي الفلسطيني بالشروط الثلاثة المعروفة: الإعتراف بالقرارين 242 و 338 + الإعتراف بحق اسرائيل في الوجود + نبذ العنف. وهذا ما حصل.
■ الإنتقال من وضع مراقب لـ «م.ت.ف.» إلى وضع مراقب لـ «فلسطين» (أي لكيان سياسي لم تحسم صفته القانونية النهائية بعد) لم يمس بالمكانة التمثيلية لـ م.ت.ف.، ذلك أن قرار الجمعية العامة المذكور (177/43) أشار إلى «إعلان الإستقلال» الذي ينص على أن الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم يصبحون بشكل تلقائي مواطنين في دولة فلسطين. وبهذا تستمر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بصفتها «الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين» في تمثيلها للفلسطينيين ولحقوقهم ومصالحهم في العالم، أينما كانوا.



(2)
■ اللجنة التنفيذية تتمتع قانونياً وسياسياً بصفة «الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين» وهي غير «الحكومة الفلسطينية للسلطة الفلسطينية»، أي سلطة الحكم الذاتي المحدود على قطاع غزة ومناطق محددة من الضفة الفلسطينية التي إنبثقت عن إتفاقيات أوسلو. و «الحكومة المؤقتة» هي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي يترأسها محمود عباس بصفته أيضاً «رئيساً لدولة فلسطين» (الذي انتخب بهذه الصفة من المجلس المركزي في دورته الـ 21 في 24/11/2008)، وهي نفس الصفة التي كان يحملها الراحل ياسر عرفات الذي كان المجلس المركزي قد إنتخبه لها (في دورته المنعقدة في آذار 1989).
وبالتالي ليست السلطة الفلسطينية هي التي ستتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الإعتراف بها كدولة، الأمر الذي كان سيؤثر بكل تأكيد على حقوق الفلسطينيين في الشتات سواء بالتمثيل أو في حق العودة وتقرير المصير، بل هي م.ت.ف. بصفتها التمثيلية الشاملة وباعتبارها المعنية – بالمعنى الحصري – بمتابعة إنجاز الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني: عودة، دولة، وحق تقرير المصير، وبما يتطابق مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
■ إن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي سوف تتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الإعتراف والعضوية لدولة فلسطين التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1988، والتي تنص وثيقتها الدستورية المتمثلة بإعلان الإستقلال على كونها «دولة للفلسطينيين أينما كانوا». إن إعتراف الأمم المتحدة بحدود دولة فلسطين القائمة على خطوط 4 حزيران 67 هو في الجوهر إعتراف بحق الشعب الفلسطيني في السيادة على هذه الأراضي، وبالتالي هو إقرار بنزع الشرعية عن الإحتلال الإسرائيلي لها، وهو لا يمس، بل يؤكد، الإعتراف الدولي بسائر الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة وحق تقرير المصير.
■ إن التقدم بطلب الإعتراف والعضوية (سواء كاملة أو مراقبة) لدولة فلسطين على حدود 4 حزيران لن يحرم أي فلسطيني من حقوقه، ولن يحرم م.ت.ف. من مكانتها، كما لم تحرمها من ذلك عضوية دولة فلسطين الكاملة، ومنذ عقدين من الزمن، في جامعة الدول العربية، وفي منظمة التعاون الإسلامي، وفي حركة عدم الانحياز والعديد من المنظمات الإقليمية والدولية. إن إعتراف هذه الدول المنضوية تحت لواء هذه المنظمات الإقليمية والدولية بالدولة الفلسطينية لم ينتقص البتة من استمرار إعترافها بالمكانة التمثيلية لـ م.ت.ف. بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وبالتالي فإن توسيع نطاق الأعتراف الدولي بدولة فلسطين ليشمل الأمم المتحدة سوف يعزز المكانة التمثيلية لـ م.ت.ف.، وليس العكس.

(3)
■ ما سبق يعبر عن توجه وقرار الدورة الأخيرة (الـ 25) للمجلس المركزي (27 – 28/7/2011)، كما يعكس أجواء ومداولات اللجنة التنفيذية والقيادة الفلسطينية. وهذا ما أكدت عليه مواقف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي عبرت عنها تصريحات مكتبها السياسي، ومنها (في 27/9) ما دعا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى إصدار إعلان واضح يرد على التخوفات والتساؤلات المثارة، ويؤكد على مغزى قرار المجلس المركزي المتخذ بهذا الشأن وبخاصة فيما يتعلق بالصيغة التي سوف يتخذها التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لنيل الإعتراف بدولة فلسطين.
■ إن تلبية المصلحة الوطنية وإزالة التساؤلات المثارة حول جدوى التوجه إلى الأمم المتحدة في آن معاً، يكون من خلال إعتماد الصيغة المتداولة حالياً في الأوساط القيادية الفلسطينية، والتي تقوم على العناصر التالية:
1 – بعد التأكيد على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، واستناداً إلى القرارات 181، 242 و 338 وقرارات أخرى.. التقدم بطلب عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة على حدود 4 حزيران 67 بعاصمتها القدس؛ 2- التأكيد على حق العودة للاجئين وفقاً للقرار الرقم 194؛ 3- التأكيد على الولاية والمكانة السياسية لمنظمة التحرير؛ 4- تعهد دولة فلسطين الوفاء بجميع الإلتزامات التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.

(4)
■ إن التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة بنتائجه المأمولة سوف يطلق أيضاً دينامية متجددة لتحيين حق العودة وللنضال من أجل تطبيق هذا الحق. وهذا ما ينطبق بكل تأكيد على وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي – نظراً لحساسيته الشديدة محلياً – يقتضي دائماً معالجة على حدة، الأمر الذي يقودنا إلى التذكير بما يلي:
بعد أن قررت جامعة الدول العربية إعتماد دولة فلسطين كعضو كامل العضوية فيها، وافق لبنان على هذا القرار، دون أن يصدر عن حكومته قراراً صريحاً بالإعتراف الرسمي نصاً بدولة فلسطين، واكتفى مجلس الوزراء بتاريخ 27/11/2008 وفي ضوء هذا الواقع الناجم عن قرار الجامعة العربية بالموافقة على «إنشاء علاقات دبلوماسية مع دولة فلسطين». وبقي هذا القرار بدون تنفيذ لمدة ثلاث سنوات تقريباً، أي حتى آب (أغسطس) 2011، عندما قرر مجلس الوزراء المضي قدماً في رفع التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في لبنان إلى رتبة سفارة. وهذا ما حصل بحضور الرئيس الفلسطيني الذي إفتتح سفارة دولة فلسطين في 17/8/2011.
■ هذا التطور الإيجابي على المستوى الرسمي اللبناني بعد إنقضاء عام كامل – على اليوم تماماً، أي في 17/8/2010 – على الاستجابة الجزئية والمحدودة لمطلب الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان من خلال تعديل المادة 59 من قانون العمل اللبناني، إضافة إلى تعديل المادة 9 من قانون الضمان الإجتماعي في مجلس النواب. إن كل هذا من شأنه أن يعزز النضال الفلسطيني – اللبناني المشترك من أجل حق العودة، سيما بعد أن يتكلل التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة بالنجاح.
إن إعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران 67 وبعضويتها (الكاملة أو المراقبة) مصدر قوة إضافي للحقوق الوطنية، بما في ذلك حق العودة، الذي تبدي بعض الأوساط السياسية في لبنان تخوفها من أن يؤدي هذا الإعتراف وتلك العضوية إلى تراجع (أو إلغاء لـ) حق العودة لصالح تقدم (أو تطبيق) مخطط التوطين.
إن هذه الأوساط تعتقد أن الإعتراف بالدولة سوف يقود إلى تغيير في الوضع القانوني للفلسطينيين في لبنان، فتنقلهم من مكانة اللاجئ إلى مكانة المواطن العربي المقيم، وذلك في سياق يقود إلى التوطين. وبالمقابل ومن موقع آخر، تعتقد أوساط أخرى أن هذه النقلة في المكانة – كما تفترض - سوف تساعد على «التخفيف من عبء اللاجئين في لبنان»، لأنها سوف تُسهل إنتقالهم إلى دول عربية أخرى تبحث عن عمالة عربية.
وبرأينا أن كلا التقديرين لا يمتان إلى الواقع بصلة: فمكانة اللاجئ في القانون الدولي، راسخة رسوخ القرار 194 الذي كان شرطاً لازماً إلى جانب القرار 181 لقبول عضوية دولة اسرائيل في الأمم المتحدة، كما وسائر قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. كما أن حق العودة والنضال في سبيله راسخ في البرنامج الوطني الفلسطيني حقاً جماعياً وفردياً، لا مجال للتنازل عنه أو المساومة عليه. أما إنفتاح السوق العربية أمام العمالة الفلسطينية، فما يحكمها هو الإعتبار السياسي إلى جانب الحاجة الإقتصادية، وليس مكانة الإنسان الفلسطيني في القانون الدولي.

(5)
أمام إحتمالي نيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة الذي سيصطدم بالفيتو الأميركي، والعضوية المراقبة الذي يبدو طريقه سالكاً، فإن الإحتمال الثاني الذي يعني إنتقال فلسطين من «كيان مراقب» – كما هو الحال منذ العام 1988 – إلى «دولة مراقبة» حتى تنضج الظروف لتحقيق العضوية الكاملة، هذا الإنتقال ينطوي على مكاسب سياسية جمة، ومنها:
■ ما يعزز أحكام القانون الدولي وبخاصة عدم احقية اسرائيل بأي جزء من الأرض التي احتلتها عام 67، وبأن احتلالها واستعمارها للأرض الفلسطينية (أي استيطانها وضم أجزاء منها) يعتبر أمراً غير قانوني. وفي السياق فهو تأكيد على القرارات الهامة التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة في السابق (ومنها قرارات الجمعية العامة: 3236، 3237، 2649 و 2672) التي أكدت على حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والدولة السيادية المستقلة...
■ حسم مسألة الدولة الفلسطينية ككيان سيادي وقانوني، فضلاً عن إعادة القضية الفلسطينية إلى منبع نشأتها، فيصبح القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية هي المرجعية لأي إتفاق لاحق وليس إشتراطات اسرائيل.
■ إنضمام فلسطين إلى الوكالات والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة (باستثناء مجلس حقوق الانسان التي تتحدد عضويته بالانتخاب) ومنها منظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، واليونسكو، والمجلس الإجتماعي الإقتصادي، ومحكمة الجزاء الدولية التي تعترض واشنطن وتل أبيب بشدة على دخول فلسطين إليها، باعتبار أنه سيساهم بكف يد اسرائيل عن ابناء الشعب الفلسطيني وترابه الوطني بما في ذلك القدس، من خلال تفعيل دور القضاء الدولي.
■ دخول فلسطين في الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، وهي حكر على الدول، ما يفتح أمامها مجالاً قانونياً وسياسياً يساعد بشكل كبير على محاصرة سياسات اسرائيل الإحتلالية والاستعمارية.

وبالنتيجة، فإن إنتقال فلسطين من «كيان» إلى «دولة» حتى لو كانت مراقبة هو خطوة رئيسية على طريق إكتساب العضوية الكاملة. فضلاً عن ذلك فهو يفتح أمام النضال الوطني الفلسطيني أبواباً جديدة لمحاصرة اسرائيل وممارساتها، وزيادة الضغط عليها، وتفعيل قرارات الشرعية الدولية بشكل أفضل واتخاذ إجراءات عملية بهذا الشأن ■

CONVERSATION

0 comments: