خربشات لأجيء -1/ عطا مناع

ما هو المطلوب مني عندما احكي اللجوء؟؟ قد يكون التباكي على الماضي مدخل جيد؟؟؟ أو لا بأس من بعض الغضب على الواقع بكل مكوناته؟؟؟ وقد اعتمد المنهج ألاستجدائي في الحديث عن واقع اللجوء؟؟؟ ومن الممكن أن اتخذ من الجملة النقدية سلاحاً أُشهرة في وجوه الآخرين؟؟؟ ومن الجائز أن أتحدث عن الفقر أو الموت أو عن بطاقة التموين؟؟؟
كثيرة هي المداخل للحديث عن اللجوء، لكننا نحن الكتاب أو من نعتقد أننا كتاب يتخيل لنا أننا نمسك بزمام الحقيقة!!! وهذا مجرد هراء لان الحقيقة نسبية كما يقولون، ولان الحقيقة نسبية فكل منا يتحدث من حيث يقف كما اخبرنا غسان كنفاني في روايته عائد إلى حيفا، ومن هنا فالحقيقة ليست كما نحكيها نحن، أنها الواقع المعاش كما الزمان والمكان، فكل بساطة لا يمكننا أن نقفز عن الزمان والمكان والهوية حتى لو لعبنا في عقارب الساعة.
وقعت في الخطأ كعادتي، وكأنني ابحث عن نفسي بين الكلمات لاستقطب القارئ، رغم أنني لا اطرح وجهة نظر وإنما احكي واقع عايشته أنا الذي انتمي إلى الجيل الثالث من اللاجئين الفلسطينيين، وهذا يعني أنني عاصرت ما هُجروا من قراهم واستمعت إلى حكاياتهم باهتمام شديد، ولا اعرف لماذا كانت القشعريرة الممزوجة باللذة تتسلل إلى داخلي رغم مشاهدتي المأساة التي سأحكيها، ولكنني أحاول أن أجد المدخل المُقنع، ليس للقارئ وإنما لذاتي التي شوهتها الأيام.
أوقعت نفسي في مشكلة مرة أخرى، وغرقت بين الكلمات، لم اخطط لهذا، لكنها العادة، ويقولون العادة أقوى من القانون، لكن الناس قرفوا القانون، والمكياجات الفارغة من أي مضمون، ولذلك ممنوع التلاعب بالكلمات بهدف الاستقطاب، وممنوع تغيير الحقائق، وممنوع القفز عن لغة الواقع، لأنها بكل بساطة أم اللغات مع الاحترام لأصحاب الجمل الجاهزة.
حتى ألان اعجز عن الخربشة كما أريد، واعجز عن الإمساك في الحلقة المفقودة رغم أن حياتنا كلها حلقة مفقودة أو مسروقة، وكأننا البقرة حاحا يا شيخ إمام والباقي عندكم.
ما هذا التشاؤم؟؟؟ عليك الإيمان بالمستقبل؟؟ صحيح أن الواقع غارق في الضبابية والدجل والكذب إلا انك ملزم بالتمسك برهانك على تاريخك ومستقبلك لأنك ستكون بعد سنوات جزء منسي من هذا التاريخ مهما أصبحت، لأنك بكل بساطة جزءُ من مرحلة عابرة.
تجاوزت الحدود والخربشات، يفترض أن أقول من أين أنا وما هي جذوري وأين اسكن، ويفترض أن احكي حياة الناس البسطاء، ويفترض أن أتحدث عن الأموات والإحياء، عن الذكريات وعن الجدران وغرفة الوكالة التي انقرضت إلا من عقولنا، يفترض أن أتحدث عن الشهداء والسيدات اللواتي عايشن بدايات اللجوء، وعن الرجال الذين تركوا خلفهم الروح وحشروا في المخيم، ويفترض أن استحضر الحكايات، وان ابذل جهدي عن أضعها في قالب تجميلي لهدف استقطابي، لكنني وكغيري ضائع في زحمة الحكاية لأنني بالأمس فقدت زمام الزمان رغم حضور المكان، وأنا اُحمل المسئولية لفياض وهنية.
كانت مقبرة الشهداء وللمرة الأولى منذ عقود قاتمة، هنا يربض الشهداء، لكن الحشائش والأشواك نمت بسرعة وتكاد أن تغطي القبور، تغيرت ملامح المقبرة، حتى وجوه الزائرين كانت عادية رغم الروائح العطرية التي استوطنت المكان، لكن هذا هو التقليد!!! وحت اللحظة أحاول أن ابحث عن سبب هذا التقليد رغم الاتفاق بين المتدينين منا والعلمانيين على تحريم زيارة مقابر الشهداء أو بشكل أدق لا داعي لاستحضار الحزن فدعوا الحزن في القلوب، وبالفعل نجحوا لينجح العشب والأشواك في غزو القبور.
في مقبرة قرية ارطاس المحاذية لمخيم الدهيشة حيث اقطن، ضحكنا على الزمن أو ضحك علينا، فجماعة الانقسام اقتحموا الساعة، توجهت كغيري إلى المقبرة وهي عادة كما ذكرت، كان الأشواك وبعض الأصدقاء وقبور مكتوب عليها استشهد عليها في يوم كذا رحمة اللة، سلمنا على بعضنا باليد فقط، وكأن المكان فرض نفسه علينا نحن القلة القليلة، لم نرى جحافل المسئولين كعادتها، ولا أكاليل الورد كما المعتاد كانت الأشواك والقبور والصمت سادة المكان.
غرقت في التفاصيل مرة أخرى، ماذا يهم الناس أن تهجر مقبرة للشهداء وتصبح أسيرة اللاشيء؟؟؟ ولكن ما السبب؟؟ هل هو الفتوى؟؟ هل هو الوضع السياسي وحالة التشرذم المسيطرة على حياتنا كفلسطينيين؟؟ أم فقدان الأمل؟؟؟ مصيبة أن نفقد الأمل ونهجر حتى الشهداء الذين لطالما قلنا أنهم الأكرم منا جميعا!!! هل كنا نكذب على أنفسنا ونتسلح بثقافة كذابة وليدة يومها وردة الفعل؟؟؟ لكن شهدائنا امنوا بالفكرة والوطن وأنهم سيبعثون عن شعبهم قبل ربهم.
غادرنا المقبرة والأشواك، أطلقت ومن معي بعض التعليقات كتنفيس عن الغضب الكامن فينا؟ لعنا أنفسنا قبل الآخرين؟؟ وذهبت لإلقاء التحية على والدي في مقبرة أخرى، فانا لم أزره منذ فترة، لم يكن للزيارة طعم، ضاعت مني الذكريات والأحداث حتى هنا، فعلاقتي مع هذا الرجل مختلفة، تسلل إلى داخلي بعض الكرة لنفسي وله، وهو الرجل الذي الذي اقتسمت معه الفقر والسجن وبعض الفرح، ضاعت ملامحه عن ذاكرتي وكأنة لم يكن، واتسعت مساحة الجليد وسكن البرد في داخلي، غادرت المقبرة دون إلقاء التحية، وقررت أن أنام وان أقاطع العيد الغير سعيد، وبالفعل كان قراري صائباً، جاءني في النوم كلمح البصر مصطفى خميس"أبو بيبرس" لم كان يحمل بارودته التي سرقت منة باسم الاستعارة، حاول الحديث ولم افهم علية شيئاً، وإذا بصوت المؤذن يعلن صلاة العشاء والعيد، شربت بعض القهوة السادة واسترجعت بعضاً من أبو بيبرس التي سأحكيها في خربشاتي القادمة...........

CONVERSATION

0 comments: