مقامات قتيل الزمان السهرْعندي: دموع السماوي/ د. عدنان الظاهر

       
                 
( كنتُ أميلُ كثيراً الى البكاء وأنا صغير , ولحد الآن وأنا )
    ( أقترب من الستين . الشاعر عزيز السماوي )

(( دلللولْ يُمّهْ دلللولْ ))
(( عدوّكْ عِليلْ وساكن الجولْ ))
أمي وأنا في مهدي
تلهجُ بالشكوى
وتغني للريفِ مقامَ النوحِ على أيكِ الحُزنِ
تبكي ليلا وأنا أصغي :
تبكي أمّي 
تندبُ حظاً يتعثرُ من مهدي حتى اللحدِ .
ماذا لو كفّتْ أمّي
تركتْ طحنَ الروحِ وجرشَ الضيمِ
ماذا لو جفَّ البحرُ بأحداقِ العلقمِ والسُّمِ
ماذا لو سكتَ الحزنُ النابحُ فيها دهرا
مُذْ سومرَ حتى ما بعدَ السابعِ من نيسانِ ؟

قالَ المَلِكُ الضلّيلُ :
           (( فقلتُ له لا تبكِ عينُكَ انما
                                نحاولُ مُلكاً أو نموتُ فنُعذرا ))
هل حقا ًنملكُ في الدنيا شيئا ؟
لا يملكُ مثلكَ أو مثلي
الّا مملكةَ الظلمةِ في الدنيا الأخرى
وملاكاً للرحمةِ يأتينا من نارِ جهنمَ بالسلوى .
لا تبكِ عزيزي
لا تكشفْ أحشائي
جرّبتُ الداءَ أتاني أسودَ محمولاً من أمّي
واللونُ القاتمُ يطغى في المجرى .
إرفعْ كالنخلة رأسا
نحو سماواتِ بلادٍ خانتني
قطعتْ حبلاً في رَحِمٍ أقصاني
طحنتْ بالهجرِ عظاماً ناتئةً في صدري
لا ترفعُ أعلاماً في برٍّ أو بحرِ
تنكرُ أني منها مولودٌ فيها
وبأنّا كنّا نبني بيتاً من رملِ
وبأنّا كنّا نلهو صيفا
ونقبّلُ- إنْ جعنا - سعفاتِ نخيلِ الأهلِ
(( نخل السماوة يكولْ ))  
                        (( طرّتني سمرةْ ))
                        (( سعف وكرب ظليتْ ))
                        (( ما بيَّ تمرهْ ))
كلا ...
أصرخ كلا كلا كلا !
هل تسمعُ ( كلا )
هل يسمعُ شكوايَ عزيزٌ في منفى ؟
ما زالَ فسيلُ النخلِ يمدُّ ظلالاً للأهلِ
يضربُ في طينةِ بابلَ جذراً أقوى من صخرِ
ويُظلُّ بيوتاً 
وقفت يومَ الشدّةِ شامخةً صدراً في ظهرِ
ويمدُّ جسوراً ما بين النهرينِ
لعبورِ سفينةِ بحّارِ 
ضلّتْ ما بين الساحلِ والرملِ
يبحثُ عن مأوىً أو مرسىً مثلي
يسألُ ( صاحبةَ الحانةِ ) في الدنيا السفلى
عمّا يأتي بعد الموتِ
الحانةُ - قالت - لا تسقي بحّاراً لا يرسو فيها
غادَرها سِرّاً والمقهى .
من يأتي بعد الهجرةِ في الحاناتِ السُفلى ؟
بشرٌ ، قالتْ 
 يمتدُّ جذوعاً فوقَ نعوشٍ تمشي بالموتى
وسفائنُ ( قارونَ ) مُعطّلة ٌتتهرأُ أخشاباً في مرسى .

                  (( لا يا هلي الظلامْ ))
                  (( ما رحمْ عدّكمْ ))
                  (( حنّوا عليَّ عادْ ))
                  (( موش آنه بِنكمْ ؟ ))
ظلموني ...
ظلموني حيّاً - ميْتا
أتناسى وأكلّمُ أحجاراً صُمّا  
كي أدفعَ شيئاً عنّي
فأرى دمعا
ورماداً مُشتعلاً يجري 
تحت وِسادِ حرائقِ هجراني
والدهرُ يسافرُ في مركبِ أحزاني ضدّي
.... 

سلّمتُ المفتاحَ لصاحبةِ الحانةِ كانتْ مثلي سكرى
تتلهّى بالجمرةِ في نارِ لساني
هل مرّتْ عَرباتُ السُكّرِ والعنبرِ والجيشِ الآشوري ؟
قالتْ كلّا
مرَّ( الملِكُ الضلّيلُ ) بتاجِ عروسةِ آبارِ النارِ
تتبعُهُ عرباتُ الموتِ وأسماءُ القتلى
ناتئةً  تصرخُ قوموا
حانَ الوقتُ وقامَ الموتى ... قوموا .

هوامش :
1 ـ ما بين الأقواس أهازيج وأغانٍ عراقية شعبية معروفة
2 ـ الملك الضلّيل هو الشاعر إمرؤ القيس صاحب قصيدة قفا نبكِ المعروفة
3 ـ صاحبة الحانة هي سيدوري حسب ملحمة كلكامش السومرية وأوروك هي السماوة والفقيد الراحل عزيز يتلقّب بالسماوي .
4 ـ في القصيدة إشارات لثورة آذار عام 1991 في 14 محافظة عراقية .

CONVERSATION

0 comments: