اسابيع عديدة ويدخل إستحقاق أيلول الفلسطيني حيز التنفيذ الفعلي، وهو الحدث الأكثر تفاعلاً في الأونة الأخيرة، وحديث الساعة السياسية الذي طغى على موضوع المصالحة بين حماس وفتح. ومع الإصرار الفلسطيني على الذهاب للأمم المتحدة لا يبدو أي مؤشرات للتراجع أو العودة بالرغم من أنه في العرف السياسي كل شيء يخضع للتطورات والمتغيرات التي يمكن أن تُحدث إنعكاسات مغايرة ومختلفة كلياً لنسبة التوقع أو لدرجة الإصرار، وفقاً لتقلبات السياسة وتضاريسها، ومتغيراتها غير المستقرة، وهو ما يمكن أن يحدث في مسألة استحقاق أيلول الفلسطيني.
وبغض النظر عن حدوث هذه المتغيرات أم لا، وعلى ضوء الإصرار الفلسطيني بالمؤسسة الرسمية، والديبلوماسية الفلسطينية، بالمضي قدماً في العمل على جبهة المجتمع الدولي فيما يتعلق بإستحقاق أيلول، يمكن تناول السؤال الملح الذي يدور في خلد كل فلسطيني ومعظم الساسة والإجتهاد في البحث عن إجابات مقنعة وواقعية، في ضوء الحالة السياسية العربية عامة، والفلسطينية خاصة، والمتمثل في البدائل المطروحة أمام الرئيس محمود عباس والسلطة الوطنية الفلسطينية، في حال رفضت الأمم المتحدة الإعتراف بالدولة الفلسطينية؟!
هناك العديد من الإجتهادات الإستراتيجية التي تم تناولها وصياغتها كحلول بديلة أمام الرئيس والقيادة الفلسطينية من عشرات المثقفين والمحللين السياسيين الفلسطينيين والعرب، منها من طرح ضرورة إعادة إحياء مفهوم الدولة الديمقراطية العلمانية التي يتعايش بداخلها كل المواطنين عرب ويهود ... إلخ، وهو طرح قديم – حديث حيث كان هذا الحل مطروح قبل تبني البرنامج المرحلي سنة 1974م من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وهو ينم عن حل أو خروج من مأزق، بالرغم من أن هذا البديل أو هذا المشروع برمته سقط مع سقوط الثابت الوطني لمفهوم الدولة سنة 1974م ولم يعد له حيز في الوجود سوى بمخيلة المثقفين الفلسطينيين الذين لا زالوا يتعايشون بعقلية سبعينيات القرن الماضي، وتوقفت بهم عقارب الزمن عند مرحلة معينة، دون الفهم الواقعي والمنطقي للمتغيرات والتطورات التي طرأت على المنطقة برمتها، أو التي طرأت على العقل الفلسطيني والتفكير السياسي الفلسطيني، ومدى إحقاق هذا المشروع أم لا؟! دون القفز على حقيقة وجود إسرائيل، وتطور مطالبها ليهودية الدولة، وضرورة التعامل معها كحقيقة قائمة وإيجاد الحلول بداية لآليات موافقة إسرائيل على هذا الشعار وهذه الدولة في نسختها الثقافية الفلسطينية التقليدية، التي اصبحت ضرب من الماضي، لا يتناغم مع جملة المتغيرات السياسية والثقافية، والديموغرافية في المنطقة، والتسليم به يوازي الإيمان المطلق بالحتمية القرآنية بحقيقة زوال إسرائيل، وهنا إذن لابد السعى للحتمية القرآنية الأقرب للتحقق بوجهة نظري، منه إلى الدولة الديمقراطية.
البديل الآخر المطروح من المثثقفين الفلسطينيين هو دولة في حدود عام 1967م، وهو الحل الأقرب للعقلانية والصوابية والمتناغم سياسياً مع الحالة السياسية الفلسطينية والإسرائيلية، وكذلك مع الحالة الدولية وتوجهات الرأي العام الدولي، ويتناسب ذهنياً وسياسياً مع طبيعة المرحلة وعقلية القيادة السياسية التي تقف على رأس الهرم الفلسطيني السياسي، وتحتكر النظام السياسي منذ 1969م، وكذلك العقلية القيادية الجديدة للشعب الفلسطيني أو تلك التي تمثل الفصائل والقوى الفلسطينية وتوجهات العرب السياسية، وما يؤكدها الإعتراف السوري الأخير بدولة فلسطينية بحدود 1967م مما يعني الإعتراف بإسرائيل مستقبلاً، وهو ما أدركه النظام السوري أخيراً أو تدراكه على أثر الضغوطات التي يتعرض لها والتي كادت أن تعصف به كنظام قائم، إرفض من حوله الحلفاء قبل الأعداء وعلى وجه الخصوص دولة قطر حليف الأمس اصبحت عدو اليوم في ظل المعادلة السياسية الجديدة التي تشهدها المنطقة، وترتأيها العقلية الذهنية السياسية المتحكمة بسبر الحركة في السياسات الدولية ما بعد العراق 2003م، ويتبقى هنا وضع آليات تطبيق هذا البديل بما يجبر إسرائيل والولايات المتحدة على القبول به وتقبله، ومنح الشعب الفلسطيني جزء من حقوقه ضمن حدود 1967م مع ضمان عدم المس بحق العودة قانونياً وعملياً بمفهومة القانوني أي العودة للديار التي تم الهجرة منها، وليس لحدود الدولة الفلسطينية.
هذه الآليات تتطلب ثبات وطني عام وموحد يستطيع مواجهة هذا الإستحقاق ببيئة ومناخ يمثلان ركيزة ثابتة وقاعدة صلبة للتحرك بإتجاهين؛ أولهما: الضغط بأساليب المقاومة سواء الشعبية أو العسكرية على إسرائيل، وممارسة حقنا كشعب محتل في مقاومة المحتل، وثانيهما: الضغط السياسي على الرأي العام الدولي عامة والأمريكي خاصة للضغط على إسرائيل في قبول هذا الحل، وهذا الخيار الذي يعتبر أكثر البدائل منطقية في حل جزئي للقضية الفلسطينية، يتوافق مع تطورات الحالة السياسية العامة.
ولكن! مع توجهات القيادة الفلسطينية المتسارعة نحو إستحقاق أيلول القادم الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحقيقة الزمنية على ماذا تعول القيادة الفلسطينية، وما هي البدائل التي تعلن إنها تملكها في حال رفض الأمم المتحدة الإعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول القادم؟!
بعيداً عن حالة التنظير الأيديولوجي والتنظير السياسي المسهب الذي يخاطب عقلية المثقف ويسرح في تلابيب التاريخ التي أصبحت أقرب للطوباوية الفكرية منها للواقعية السياسية، والإجابة على تساؤلات وإطروحات المواطن العادي الذي يحاول فهم وإستدراك ما يدور حوله، ويطلق استهجانه الدائم ما هي البدائل التي يمكن أن تتبناها القيادة الفلسطينية بديلاً لإعلان الدولة؟!
من هنا سأحاول إستعراض أهم البدائل التي يمكن أن تطرحها أو تعول عليها القيادة الفلسطينية وفق الإجتهادات الخاصة المستندة لحدود الممكن السياسي الحالي:
أولاً: التوجه أو الإتجاه لشعبنا الفلسطيني كبديل وخيار ممكن اللجوء إليه في حالة رفض الأسرة الدولية (ألأمم المتحدة) للدولة الفلسطينية، من خلال الإعلان شعبياً لجماهير شعبنا بأن القيادة الفلسطينية قد قدمت كل ما في جعبتها ولم يعد لديها المزيد وعليه فهي تلجأ للشعب كحل نهائي.
هذا الخيار أو البديل لعب عليه المرحوم ياسر عرفات الذي كان يدرك مفاتيح اللعبة جيداً وقادر على حشد الشعب الفلسطيني وتسخيره لخدمة أهداف سياسية بناءاً على الكاريزما التي كان يتحلى بها كقائد للشعب الفلسطيني عامة، وهو ما حدث في إنتفاضة الأقصى 2000م بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد وإدراك عرفات تلاعب إسرائيل والولايات المتحدة بالحل المرحلي. والسؤال هنا هل القيادة الفلسطينية الحالية تستطيع أو لديها القدرة على لعب هذا الدور وحشد جماهير شعبنا، وقيادتها في لعبة سياسية تتناغم مع مجريات الأحداث ومستقبلها؟
الإتجاه الشعبي الفلسطيني، أو المزاج الشعبي الفلسطيني في صورته الحالية لا يعبر عن حالة توحد خلف إستحقاق أيلول، بل يمثل حالة متذبذة، غير مهيأة لإستقبال أي مؤشرات سياسية في ضوء الإنقسام، وتجاهل المصالحة الوطنية التي تعتبر الفيصل الرئيس لدى جماهير شعبنا سواء في غزة أو الضفة الغربية، وهو ما أفقد شعبنا أي ثقة بالقيادة والمعارضة على حد سواء نتاج ممارساتهم السياسية خلال الأعوام السابقة ضد المصلحة الوطنية، ومن هنا فأي رهان على الشعب الفلسطيني في الداخل هو رهان خاسر بكل الأحوال في ضوء الحالة الحالية، فشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة يعيش أسوأ مراحله الوطنية والسياسية، والإقتصادية نتيجة الفعل الممارس من قوى الإنقسام والمعارضة معاً، التي فقدت بريقها وزخمها الوطني وقوة دفعها المؤثرة منذ أن تقاسمت الوطن وخاضت معارك قاسية ودامية من أجل مصالحها الحزبية، وهو ما أدركه شعبنا وأثر تأثير فاعل بالولاء والإنتماء للقضية الوطنية وللأحزاب والقوى الفلسطينية، وممارسات حكومة حماس التي حصرت كل مهامها وخدماتها الإنسانية والوطنية في أجهزتها الأمنية والشرطية، وعناصرها الفصائيلية فقط مما خلق حالة تذمر قصوى عبر عنها شعبنا علانية، وهو ما ينطبق على شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية الذي يعاني من أوضاع أمنية إسرائيلية معقدة وقاسية، وأوضاع نفسية سياسية داخلية جراء ممارسات السلطة الوطنية وخلافات حادة بين القادة الفلسطينيين، أصابته بإحباط عام لم يعد من خلالها يتفاعل مع المشروع الوطني بقدر تفاعله مع هذه الخلافات ومستقبلها وما ينتج عنها، وبهذه الحالة غير مهيأ للدفاع عن إستحقاق أيلول أو عن القيادة الفلسطينية بشقيها م.ت. ف أو السلطة الوطنية بقياداتها المفرزة بالتسلق والواسطة والنفاق والدجل السياسي والوطني، حقيقة يحاول البعض القفز عنها وتجاهلها.
إذن فالبديل المطروح أو الذي يطرح إستناداً بالتعويل على شعبنا هو بديل سقط منذ رحيل ياسر عرفات، ولن يكون ركيزة وإسناداً قوياً يمكن التعويل والإرتكاز عليه كقاعدة صلبة في مواجهة رفض إستحقاق أيلول القادم.
ثانياً: حل السلطة الوطنية وإعادة الكره إلى مرمى م.ت.ف لتقرر مصير الشعب الفلسطيني ومصير إعلان المبادئ أوسلو 1993م، هذا البديل يتم تداوله كثيراً بين الأوساط الفلسطينية والعربية، وهناك العشرات من الأصوات التي نادت بهذا البديل كحل جذري وسحري لما هو آت في أيلول القادم، دون التفكير أو التعمق في مجريات المتغيرات العربية أو الدولية أو المحلية الفلسطينية، وهو بديل كان أقرب للتحقق والإمكانية بعهد ياسر عرفات أكثر من قابليته للتحقق في ظل المتغيرات العاصفة التي عصفت بأوضاعنا المحلية ونتج عنها إنقسام جيوسياسي، ويقودني لسؤال في حال أعلنت م.ت.ف مرجعية السلطة الوطنية القانونية حل الأخيرة، ما هو مصير سلطة وحكومة حماس؟ وهل هناك خطوات إستباقية متفق عليها بين حماس والسلطة الوطنية بهذا الإتجاه؟ أم أن حماس تعتبر حكمها وسلطتها بمعزل عن السلطة الوطنية في رام الله والأمر لا يمسها سياسياً وجغرافياً؟
حل السلطة الوطنية هو إقرار بإنتهاء إعلان المبادئ أوسلو 1993م تلقائياً بما أن الأولى وليدة للأخير، وبذلك فإن إسرائيل تعتبر في هذه الخطوة حل لها من أي إلتزامات عليها دولياً بما يتعلق بالأراضي المسيطر عليها من قبل السلطة الوطنية، أو أي إلتزامات معنوية أو مادية أو قانونية، وعليه إعادة العملية برمتها للمربع الأول ما قبل 1993م، وإعتبار م.ت.ف كيان عدو كما كانت عليه قبل إعلان الرئيس ياسر عرفات نبذ الإرهاب والإعتراف بحق إسرائيل بالوجود، والإعتراف بقرار 242، وهنا ما مصير مؤسسات وقيادات وفصائل م.ت.ف الموجودة في الضفة الغربية؟ وما هو الإجراء الإسرائيلي ضد هذا الإجراء، وضد م.ت.ف؟ ومن هي الجهات المحلية التي ستنظم وتقود الحياة في الأراضي المحتلة؟ وهل تعود إسرائيل لنظام الإدارات المدنية الذي كان سائد قبل إنتشار السلطة الوطنية؟ وإسقاط الحماية القانونية التي كفلتها أوسلو لرموز ومؤسسات م.ت.ف؟ وهل يضع الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية هذه التصورات نصب أعينهم ولديهم الحلول لها؟ والأهم ما هو مصير قطاع غزة؟ هل يترك تحت سيطرة حماس وبذلك تجد إسرائيل الفرصة في فض يدها ومسؤولياتها عن القضية الفلسطينية، وتختزلها في قطاع غزة من خلال تقديمه كبؤرة إرهابية للعالم على غرار أفغانستان سابقاً؟
ربما جملة التساؤلات السابقة تعتبر في مجملها إجابات أكثر منها تساؤلات، حيث إنه من المستبعد اللجوء لهذا الخيار في حالة التعقيد الذي يحمل في طياته السياسية، والإقتصادية العديد من التعقيدات والغموض بعدما تحررت إسرائيل من مسؤولياتها الإقتصادية المتعلقة بسكان المناطق المحتلة، وإنتهاء الإلزام منذ التوقيع على أوسلو 1993م.
بالرغم من هذه الحالة المتشابكة والمعقدة أمام هذا الخيار المستبعد إطلاقاً في ضوء القراءة العميقة للحالة السياسية الفلسطينية الحالية، إلاّ أن إعلان رئيس الوزراء (سلام فياض) وتأكيد الرئيس ( محمود عباس) عن الأزمة المالية المفاجئة والطارئة للسلطة الوطنية يطرح أيضاً رؤية وتساؤلات تدعو للتفكير في التكتيك المفاجئ، وهل هو تهيئة للشعب الفلسطيني لما هو قادم؟ أم إنه أزمة حقيقية؟ رغم تناقضاتها مع تأكيدات سابقة لرئيس الوزراء سلام فياض بقدرة السلطة الوطنية على تحقيق الإكتفاء الذاتي خلال سنوات وخاصة فيما يتعلق برواتب الموظفين.
كل المؤشرات تؤكد أن بديل حل السلطة الوطنية الفلسطينية، بديل غير مطروح في الوقت الراهن كبديل عن رفض الإعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم مطالبة العديد من أبناء الشعب الفلسطيني بحل السلطة الوطنية، ولكنها دعوات لا تعبر سوى عن حالة وجدانية إنفعالية لم تقدم مقابلها البديل في حال حل السلطة الوطنية، وكل ما طرح من بدائل لا يعدو عن كونه بدائل غير واقعية وغير منطقية لا تشكل أي بدائل فعلية للحالة الفلسطينية التي اختلفت كثيراً عن الحالة قبل أوسلو 1993م وقبل المتغيرات العربية والدولية الحالية. وتطور المواقف العربية التي ترفض بالإطلاق إستقبال فصائل الفعل الفلسطيني أو مؤسسات م.ت.ف وهي التي أمهلت عشرة سنوات بعد رحيلها من لبنان سنة 1992م كإقامة في الدول المستضيفة لها.
ثالثاً: إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، أي من الطرف الفلسطيني دون التوافق مع إسرائيل من جهة أو إنتظار إعتراف الأمم المتحدة من جهة أخرى، هذا البديل لا يمكن له أن يشكل مخرجاً أو بديلاً للرئيس محمود بعاس والقيادة الفلسطينية، بما أن الدولة الفلسطينية وفق هذا البديل معلنة منذ سنة 1988م في الجزائر، وأي إعلان بهذه الصيغة لن يعبر عن حالة أفضل من الحالة التي تم الإعلان بها سنة 1988م والتي جاءت في ذروة الإنتفاضة الفلسطينية الشعبية الأولى سنة 1987م، وذروة التعاطف الدولي الرسمي والشعبي مع القضية الفلسطينية. إذن هذا البديل أو خطوة من هذا القبيل هي تجريد لمعنى ومفهوم إستحقاق أيلول، ولن تكون ذات أي معنى دون إعتراف الأمم المتحدة بها ككيان والإعتراف بها كدولة من قبل الأسرة الدولية عملياً، وبذلك فإن هذا البديل قد سقط أو غير قائم بناء على المعطيات السابقة التي تم ذكرها، أما إذا تم اللجوء إليه فإنه بمثابة هروب من القيادة الفلسطينية للخلف لكي تؤكد لشعبها إنها تمتلك بدائل ولديها جرأة من الإنعتاق من إسرائيل والولايات المتحدة والإقرار بمصيرها، وهو خداع سياسي لا أعتقد أن القيادة الفلسطينية بهذه السذاجة واللجوء إليه إلاّ في حالة الإستخفاف المطلق بشعبها.
رابعاً: الخيار الرابع الذي يمكن للسلطة الوطنية والقيادة الفلسطينية التي يمكن لها من التلويح به أو اللجوء إليه هو العودة للمجلس التشريعي والإعلان عن تسليم مفاتيح السلطة الوطنية لحركة حماس، والإعلان عن إستقالته وإقالة حكومة سلام فياض، وبذلك يكون قد أحدث فراغاً سياسياً في الحالة السياسية الوطنية ووضع الأسرة الدولية بمواجهة فعلية مع حركة حماس المسيطرة على غزة، كما وضع إسرائيل والولايات المتحدة أمام الخيار البديل عن السلطة والقيادة الأكثر إعتدالاً من وجهة نظر العالم، ومخاطبة ضمير الأسرة الدولية في التعامل مع الحالة الفلسطينية بمستحدثاتها الطارئة. هنا يجب التوقف طويلاً أمام هذا البديل وسيناريوهاته وتعقيداته المتشابكة حيث أن حالة الإنفصال بين حماس والسلطة الوطنية حالة نتجت عن عدائية محضة نتيجة ما قامت به حماس في غزة سنة 2007م، وبناء على هذه العدائية غير المرجح اللجوء لخيار بهذا السيناريو من قبل الرئيس أبو مازن أو السلطة الوطنية، بعدة نواح، أولها أن استقالة الرئيس محمود عباس تحدث فراغاً قانونياً وسياسياً بما أن ولاية المجلس التشريعي عملياً غير قائمة منذ إنقسام حركة حماس وإنسلاخها عملياً عن الجسد التشريعي الذي تعاملت معه بالتوكيلات القانونية وبإلتفاف على حالة الموات التي يشهدها الجسد التشريعي المنتهية ولايته، كما أن حماس تفتقد للسلطة الفعلية في الضفة الغربية، وبذلك فتولي رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز دويك الرئاسة يعتبر منقوصاً، مع إستدراك إمكانية إستقالة كتلة فتح التشريعية من المجلس، وبذلك تعم الفوضى المجلس ووظائفه التشريعية عامة، إضافة لعدم قدرة الحكومة المقالة على بسسط نفوذها وسيطرتها على الضفة الغربية مما يحدث فراغاً للسلطة التنفيذية في ظل المستجدات التي تتوافق وهذا البديل، وعدم سماح إسرائيل لحماس ببسط أي نفوذ مادي لها في الضفة الغربية بشكل سلطة قائمة.
خامساً: البديل الخامس الذي يمكن تصوره أو تخيله هو أن يتم عقد مصالحة مع حركة حماس يتم بموجبها إعلان شراكة كاملة في الحكم بين حماس وفتح، ومن ثم إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد وهو الطرف الفلسطيني، تكون غزة قاعدته الصلبة والرئيسية، وهو بديل أو خيار أقرب لما تم طرحه في البديل الثاني، بالرغم من صعوبته وتعقيداته في ظل المؤشرات القائمة التي لا تحمل أي ملامح حقيقية للمصالحة، والإصرار من الطرفين على تسويف المصالحة والمماطلة فيها، مما يعني أو يؤكد صعوبة تحقيق ذلك، إضافة لما تم ذكره أن هذا الإعلان سيرسخ الولاية الجغرافية في غزة فقط وبذلك يقدم خدمة تسعى إليها إسرائيل جاهدة. كما أنه يعبر عن مأزق فعلي وضعت القيادة الفلسطينية نفسها فيه بعدما أدركت حقيقة المماطلة الإسرائيلية خلال السنوات السابقة، ومأزق بالنسبة لحماس داخلياً أمام أعضائها ومنتسبيها ومؤيديها، وخارجياً أمام الدول الإقليمية الراعية لها.
أمام هذه الوقائع التي تواجه القيادة الفلسطينية التي تؤكد عزمها وإصراراها على المضي قدماً نحو استحقاق أيلول، يتم العودة للسؤال ما هو البديل الذي تعول عليه القيادة الفلسطينية في حال رفض الأمم المتحدة الإعتراف بالدولة الفلسطينية في ايلول القادم، والذي عبر عنه الرئيس محمود عباس والعديد من قادة السلطة الوطنية في الأونة الأخيرة؟
خلاصة الحالة لا أجزم بأن هناك بديل مؤكد لدى القيادة الفلسطينية يمكن اللجوء إليه كتكتيك في مواجهة أي رفض من ألأمم المتحدة يعبر عن تعقل سياسي يمكن ممارسته في مواجهة هذا الرفض سوى بإيجاد مخرج سياسي يتم التوافق عليه كحل مؤقت ولن يخرج عن بعض الخطوات الإسرائيلية البسيطة كتجميد الإستيطان، وفتح حوار مباشر برعاية الولايات المتحدة أو اللجنة الرباعية للخروج من المأزق.
0 comments:
إرسال تعليق