ان الازمة السورية المخيمة على البلاد بكل معطياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية.... هي قضية شعب وجغرافيا تاريخا وحاضرا ومستقبلا، مع نظام شمولي استولى على السلطة عن طريق انقلاب عسكري منذ اكثر من اربعة عقود، وكرّس استبداده بسلطة أمنية واستمر هذا النهج من الاب المورث الى الوريث الابن، لقد ألحق هذا النهج بالبلاد الخراب والدمار وكلف الشعب الكثير من الويلات والتضحيات.
وبرغم ان النظام يترنح ويحتضر منذ اوائل التسعينات وسقوط المعسكر الاشتراكي، ولم تتمكن من اسعافه الحقن الدولية والاقليمية وجرعات الادعاء بالممانعة ولم يفلح كل هذا بأنقاذه من حالة العجز والموت السريري.
وما يثير الاستغراب والاستهجان ان بعضا من المحسوبين على المعارضة يحاول مد حبل النجاة له، بطرحه مقولات فاسدة كالعمل تحت سقف النظام وليس سقف مطالب الشعب، والنيل من المعارضين المنفيين! فلو كان هذا الطرح في اطار حرية الرأي والرأي الاخر لقبلناه انطلاقا من ايماننا بحرية التعبير، أما انه ينطلق من مصادرة حق المعارضة بالخارج عن طريق ممارسة نوع من الارهاب السياسي ومصادرة حق من هو بالخارج تحت ذريعة وجوده بالداخل او دخوله السجن بأسلوب اقصائي خدمة للنظام فهذا يحتاج لتعليق وتوضيح. ( قد يكون هذا الكلام فاجئ البعض الا انه لم يفاجئنا لاننا كننا نرصد ونتابع التصريحات ونقول لمن حولنا انتظروا قنابل موقوتة مستقبلا وهؤلاء احتياطي للنظام).
ان القول بالعمل تحت سقف النظام جهل بطبيعته العصية على الاصلاح، او استغباء للاخرين وهذه اعلى درجات الغباء، او هو انحراف عن بوصلة العمل الوطني ايً كان المنطلق، او ضعفا او انتهازية او لوهن في العقل، او لاضطراب نفسي نتيجة نزعة الاستعجال للحصول على بعض الفتات فأختل توازنه ومثل هذا لا يملك اهلية وطنية لتمثيل المعارضة ويحتاج الى مصّح...
أذ لا يحق لأي كان وتحت اي غطاء التنازل او المساومة او التصرف بقضية تمس حقوق الشعب كما لا يحق لاحد مصادرة حق الاخرين او يسبغ على نفسه هالة لا يستحقها ويستخدمها للتلاعب بقضية مقدسة.
أن من يهمه التغيير يدعوا الى توحيد المعارضة تنظيماً و منهجاً لا الانتقاص من جزء مهم منها وهذا الجزء لم يصادر حق احد بل يعتبر نفسه داعما سياسيا واعلاميا لحركة الانتفاضة بالداخل ويشد من ازره لتسريع عملية التغيير.
الوجود بالداخل :
فهل من حق اي فرد او مجموعة النيابة عن الشعب تحت غطاء وجوده بالداخل ويتهجم على الملايين في الخارج مميزا نفسه عن مناضلين سبقوه بالمعارضة بأكثر من عقدين وأضطرتهم الظروف القاهرة للابتعاد عن الوطن وهم ليسوا من كوكب المريخ او زهرة او زحل .... و انما امتداد للمجتمع السوري، لقد سبق لنا ان ناقشنا هذا الموضوع منذ اكثر من ست سنوات بمقال تحت عنوان المعارضة بين اشكالية الداخل والخارج، وقلنا لايجوز نزع صفة الوطنية عن أي معارض واينما كان.
ان المعارضين الحقيقيين في الخارج ليسوا من هواة السياحة او من المهتمين بالاثار او رواد اصطياف بل كانوا رواد السجون في تدمر والمزة والقلعة، وبلدنا كلها مصايف والحمد لله ومضى على وجود بعض منهم اكثر من اربعين عاما ولا يخفى الالام النفسية والمعنوية وتعرض كثير منهم للاخطار، لقد دفعوا ثمن مواقفهم هم واهلهم دما ومعاناة مادية ومعنوية قال تعالى (( ولو كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعله الا قليل )). لقد قُرن قتل النفس على صعوبته بالخروج من الوطن .
وهذا لا ينفي وجود استثناءات، كان الاجدر بمن التحق متأخرا بركب المعارضة ان يسأل عن اسباب وجودهم في الخارج قبل ان يتساءل اين كانوا! وجوابا على سؤاله نرشده العودة الى سجلات محكمة امن الدولة العليا والى الاوامر بالملاحقات الصادرة بموجب حالة الطوارئ او القانون 49، وما تعرض له اهلهم وذويهم من عذابات ومضايقات وصلت لمحاربتهم بلقمة العيش وهذا ما اعترف به رئيسهم في خطابه في 20 – 6- 2011 وان هذا الاستعراض الموجز ليس منّة على الوطن وهو نقطة في بحر الواجبات الوطنية ولكن للتوضيح فقط .
السجن :
اما الحديث عن السجن نقول كفاكم هذيانا ان السجون السورية يدخلها كل عام اكثر من الداخلين الى الجامعات وهذا لا يخوّل لأحد المساومة على قضايا الوطن و لا تساوي قطرة دم تراق على ارض سورية. ونجد انفسنا مضطرين لذكر بعض الحقائق لقد سجننا مع المئات من المناضلين مرات قبل ان يصبح هؤلاء معارضون وتلاحقنا وحُكمنا واضطررنا للهرب خارج الحدود ودخل ابناؤنا السجن كرهائن من اجلنا ولم نبدل تبديلا.
ويوجد في الداخل من امضى اكثر من مانديلا في السجن و اخرون اقل بقليل ومنهم من قضى نحبه داخل السجون ولم تصدر عنهم اي اشارة تصادر حق الاخرين، لهذا لا يحق لأي كان وتحت أي غطاء الادعاء بأنه يحق له ما لا يحق لغيره ويساوم على القضية.
أن القول بالعمل تحت سقف النظام يعطي تصرفاته الشرعية التي فقدها، وكان الاولى ان يقال العمل تحت سقف الوطن ومطالب الشعب وتحقيق اهدافه بالتغيير بأقامة دولة مدنية تسودها الحرية والتعددية والمساواة.
أيها السادة نأمل ان لا يزاود احد علينا فأننا اسمى واعلى من كل المتسلقينا. والقضية السورية اكبر من فرد او احزاب او تجمعات انها قضية شعب ووطن وتاريخ ومن يؤدي واجبه لا يريد جزاءا ولا شكورا.
نطالب الجميع بأعادة النظر والمراجعة ويرتقوا بخطابهم وعملهم الى مستوى القضية كل من موقعه وقدر ما تسمح ظروفه وان يكون العمل تحت سقف المطالب الوطنية للانتفاضة، ولا نساوم على دماء الشهداء والآم المعتقلين والمشردين ودموع الثكالى والارامل واليتامى ويجب التحلي بالوعي والادراك ان البلاد في أزمة خطيرة جدا ويسعى النظام لتحويل الانتفاضة السلمية الى صراع مسلح معه وما زجه الجيش او جزء منه وممارسته القمع المتنقل من مدينة لأخرى ومن قرية لقضاء من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال الا لخلق حالة من العداء والنظر اليه كجيش احتلال، و ان لكل فعل ردة فعل.
0 comments:
إرسال تعليق