الرئيس في عهد الرمادة الفلسطيني/ د. طلال الشريف


عهد الرمادة الفلسطيني هو أكبر الابتلاءات التي حدثت لشعبنا منذ تولي الرئيس أبو مازن السلطة، وما أدراك ما عهد الرمادة الفلسطيني؟ إنه عهد جدب وقحط، على الفلسطينيين الفقراء والمعوزين والمضروبين على بطونهم بفعل سياسات الرئيس والذي نتجت عنها ليس فقط مجاعة ضربت أرض فلسطين بل جرت فيه الدماء غزيرة دون ثمن جنيناه بتحرير القدس من الإسرائيليين ولا بتحرير غزة من الحمساويين، ولا نريد ذكر تفاصيل التفاصيل في ست سنوات عجاف عاشها المجتمع الفلسطيني حتى وصل إلى ما وصل إليه من مآسي وملمات وتمزيق وخسائر في المال والأرواح وتراجع عناصر النهوض لشعبنا الفلسطيني على كل المستويات، ووصول القضية الوطنية إلى حافة الهاوية. ومتى كان هذا العهد؟ وكم استمر يا سيادة الرئيس؟ بدأ هذا العهد المشئوم بموت الرئيس أبو عمار ومجيء الرئيس أبو مازن في يناير 2005م، واستمر حتى يومنا هذا حيث مجاعة البطون على الأبواب، ويا ليت المجاعة مجاعة البطون الجائعة فقط، ولكنها مجاعة القرن الواحد والعشرين في زمن الحرية والتحرر يزداد شعبنا عبودية واستعباد الناس من عدة جهات بفعل الحكام المتسلطين في غزة ورام الله، ويا ليتها من قلة المطر واسوداد الأرض ويا ليتها كانت من سفي الرياح بالتراب الرمادي، بل كانت من سقي الحكام والمسئولين ذوي القربى ممن تسلطوا على شعبنا في سهوه تاريخية لم يحدث لها مثيل تمتد من هندسة أوسلو ولا تنتهي بنص الراتب لمن لم يظفروا بالمغانم في عصر الظلم الاجتماعي وعصر احتكار المشاريع الناكبة شعبيا والمفرحة المتنعمة لأولياء الله، والاستثمار المهين والمنهوب لمن لف لفيف المقاطعة ودخل في المقاطعة آمناً ليصبوا على شعبهم جام غضبهم بتمزيقه إرباً من كما يطلق الناس المصطلحات ، منهم معارضين وموالين، وجغرافيين غزاويين وضفاويين، وإسلاميين معتدلين أردوغانيين هيلاريين، وإسلاميين متطرفين قاعديين بن لادنين ، وإسلاميين نجاديين، ويساريين متحوصلين بفعل الرياح الرمادية ينتظرون نصرة الأعداء الامبرياليين ، وبينهم فتحاويين طيبين فقدوا أباهم مرتين مرة بفعل موت زعيمهم الأسطورة، ومرة بمحاولة انتزاع لزعيمهم القادم وبدونه يصبحون أيتام على مائدة اللئام فأصبح لونهم رماديا من العهد الميمون حين قرب صبح المصالحة حتى جرفهم تيار انقسام جديد هذه المرة ليس انقساما جغرافيا فقط بل انقساما ذاتيا يصعب على المرء منهم تحمله وقبل استيعاب الأمر قذفهم الرئيس ضمن شعب الرواتب المدينيون بعد منتصف الشهر باستمرار بقنبلة النصف راتب، ويصبح كل منهم يتحدث مع نفسه في هذيان متسائلا في حالة الصحو عن ملايين الدولارات التي اختفت فجأة من صندوق استثمارهم الوطني، وفي وقت الهلوسة النصف راتبيه يتساءلون عن الملايين التي جاءت باسم الشعب الفلسطيني من كل الممرات التجارية العلوية والسفلية والتي ذهبت لمصالح حزبية وشخصية في وقت تتراجع فيه الخدمات بكل أنواعها ويتقهقر التعليم وترتفع نسب البطالة بين شباب يتضور زواجا، ويتضخم مجتمع الكراهية بطريقة غير مسبوقة تاريخيا على شعب صامد صابر ابتلي في حكامه في سابقة سجلها قادة شعبنا الأشاوس بانقسام وطن لم يتحرر بعد. في عام الرمادة الذي امتد تسعة أشهر كانت شدة قسوتها جوعا أصاب الناس بالمدينة وما حولها حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها فيقفر، وفي عهد الرمادة الفلسطيني أصبح الإنس يأوي إلى الوحوش المالية الربانية ليظفر بوظيفة أو سفرة أو غدوة ليستر بيته وأهل بيته في زمن القهر، وأصبح الرئيس يضحك على شعبه بزفة كبرى تتضخم يوما بعد يوم في رحلة الهروب إلى الأمم المتحدة بعد فشل أوسلو العظيم "والتي ستتوقف فوراً إذا دعاه الأمريكان للمفاوضات العقيمة من جديد". ويتقدم المنافسون الربانيون للظفر باجتماع مع هيلاري علها تبارك المسيرة ويتحقق النصر المبين للإسلام والمسلمين باعتراف أمريكا بهم حكاماً على الضفة وغزة في رحلة الربيع العربي على الطريقة الفلسطينية، في حين ذبحتنا الماكينة الإعلامية بعمالة دحلان للأمريكان منذ حبا على قدميه ليتهم أخيرا ومن جزيرة السيلية بأنه يقدم مساعدة لليبيا ضد الأمريكان ويتبرع أعضاء اللجنة المركزية بفضحه حسب الطلب بأنه يساعد ليبيا في الصف المعادي للأمريكان، فهنيئاً لأصدقاء أمريكا القدامى والجدد حسب ما تطالعنا التسريبات في عام الرمادة قال الرواة بأنهم لم يجدوا أحدا من الناس في المدينة وما حولها يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلاً يسأل لأنه لا يجاب، فتعالوا إلينا هنا لتروا ماذا حدث للناس في فلسطين في عهد الرمادة، إنه مجتمع الكراهية الخطير. في عام المادة كان عمر بن الخطاب يطرح رداءه ويطبخ للناس حتى يشبعوا مما تيسر له، فلماذا لا يشارك الرئيس والقادة العظام والأحزاب الغنية مثل حماس في فك أزمة الرواتب للشعب الفلسطيني بما يتيسر لهم من أموال هي أولا وأخيرا أموال الشعب من رواتبهم حتى احتكاراتهم، وبدلا من أن يطبخوا للشعب هم ينحروه بضرباتهم المتتالية من ضرائب ومخالفات ورسوم وعقاب وقرارات ما أنزل الله بها من سلطان وكأنهم يكرهون الشعب حقيقة . انظروا عندما تجمع بالمدينة من غير أهلها حوالي ستين ألفاً من العرب في عام الرمادة، وبقوا عدة أشهر ليس لهم طعام إلا ما يقدم لهم من بيت مال المسلمين، ومن أهل المدينة، أما في عهد الرمادة الفلسطيني فماذا يفعلون ؟ وأين بيت مال الفلسطينيين من صندوق استثمارات ومشاريع احتكارية شخصية وسلطوية وحزبية يعرفها كل الشعب الفلسطيني، فما جرى وما يجري لن تحله زفة هنا وزيارة لمسئول لغزة في رحلة استرجاع الناس، فالثوب بات مرقعا ومقدودا حتى نهايته وكفا فالضرب في الميت حرام والشعب يعاني حد الموت ويفهم كل خطوة إن كانت صحيحة أو لذر الرماد في العيون بعدما اتفق الرئيس ومشعل على اللعب بأعصاب الناس حتى يستسلمون أو يموتون قهراً من قضية تأجيل المصالحة لمصالح أحزاب أو لتبييض صفحات، فلن يصلح العطار ما أفسده الدهر.

CONVERSATION

0 comments: