سر التمسك بسلام فياض/ د. مصطفى يوسف اللداوي

إنه أمرٌ مثيرٌ للدهشة والاستغراب، ويبعث على التساؤل والحيرة، إذ يعجز الفلسطينيون عن تفسير سر هذا التمسك الكبير والغريب بسلام فياض رئيساً للحكومة الفلسطينية، الذي مضى عليه في منصبه المثير للجدل أكثر من أربعة أعوام، وهو الذي جاء إلى السلطة في ظل حالةٍ سيئة من الانقسام الشعبي والفصائلي الفلسطيني، وفي ظل ظروفٍ وطنية فلسطينية صعبة، جعلت من اختياره لمنصب رئيس الحكومة الفلسطينية قراراً غير موفق، أقله لجهة الدور الذي يجب أن يلعبه رئيس الحكومة الفلسطينية في رأب الصدع بين قوى ومكونات الشعب الفلسطيني، إذ أنه لم يكن الرجل المؤهل للقيام بهذا الدور، أولاً لجهة تاريخه وإرثه الوطني والنضالي، ثم لشبهة قدومه من الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الوقت بالذات، مع ما صاحبه من إصرارٍ أمريكي وأوروبي على تسميته رئيساً للحكومة الفلسطينية، ومن قبل وزيراً للمالية الفلسطينية في أكثر من حكومةٍ فلسطينية سابقة، وكأنه قد أعد لدورٍ ما، أو أنه مكلف بمهمةٍ معينة قد رسمت له، وغيره لا يصلح للقيام بها، أو غير مؤتمنٍ عليه فيها.

وبالتأكيد فإن هذه المهمة ليست مهمة وطنية، ولا تعود بالنفع على الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون ليسوا جياعاً حتى يسعى سلام فياض لهم بمشاريع اقتصادية تنسيهم الهم الوطني، وتغنيهم عن الدولة والوطن، وتشغلهم بملذاتٍ ومتع آنية، وتجعل من الاقتصاد الفلسطيني أولوية على حساب النضال الوطني من أجل استعادة الحقوق، ونيل الحرية، وإقامة الدولة، وتحقيق الوحدة، كما أن الفلسطينيين ليسوا بحاجةٍ إلى قيمٍ على أموالهم ومقدراتهم المادية، حتى يأتيهم أمينٌ للمال قادمٌ من الغرب، وعلى وجه التحديد من الولايات المتحدة الأمريكية، وكأن مهمته حراسة الأموال الموعودة، والخيرات الموهومة، ومتابعة السرقات والاختلاسات، ومراقبة الصرف والميزانيات، وتحديد الأولويات والمهمات، وكأنه الرجل الشفاف الوحيد في شعبنا الفلسطيني، وغيره بالضرورة لصٌ سارق، وفاسد مارق، لا يحسن الإدارة، ولا يجيد الرقابة، وأجندته خاصة، واهتماماته عن الشعب بعيدة.

ما لا نشكُ فيه لحظةً واحدة أن سلام فياض وصفةٌ أمريكية، وروشتة علاج أوروبية، وهو حاجةٌ دولية، لتنفيذ أو تطبيق أو تمرير أجندة دولية، ولن نبالغ إذا قلنا أنه مصلحة إسرائيلية، وأداةً طيعة لهم لتنفيذ ما لا يقوون على فعله، ولكنه ليس بلسماً للجراح الفلسطينية، وليس منقذاً للفلسطينيين من همومهم وأحزانهم ومشاكلهم وأزماتهم، ففي عهده نشط التنسيق الأمني، وتزايدت أعداد المعتقلين الفلسطينيين، وسهلت الأهداف الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتفاعل التنسيق الأمني، وآتى الكثير من الثمار المرة، تصفيةً واغتيالاً، وسجناً واعتقالاً، وفي عهده غصت السجون الفلسطينية بالمئات من المعتقلين الفلسطينيين على خلفية إنتماءهم السياسي، وعملهم النضالي، وفي سجونه تبارى المحققون في الإساءة إلى المعتقلين وتعذيبهم، فأترعوهم عذاباً مؤذياً أفضى في بعضه إلى الموت، وترك في أجساد الآخرين أثراً باقياً لن يزول مع الأيام، وهو الذي وضع على سلم أولويات حكومته تفكيك المجموعات العسكرية، وجمع سلاحها، واعتقال عناصرها، والإلتزام بتطبيق بنود خارطة الطريق الأمنية الإسرائيلية، وفي عهده، وبالتنسيق مع أجهزته الأمنية، يتوغل الجيش الإسرائيلي في مدننا وقرانا، فيقتل ويخرب ويعتقل.

ألا ينبغي لسلام فياض أمام هذه الحقائق أن يقف مع نفسه لحظة تفكيرٍ وتدبر، يراجع فيها سيرته وسياسته، والمهام التي أوكلت إليه لتنفيذها، والأزمات التي فجرها وخلقها، أليس من الأجدر به أن يتساءل ما سر قوته في الشارع الفلسطيني وهو الأضعف، وما سر بقاءه رئيساً للحكومة الفلسطينية في ظل تياراتٍ جارفة، ورياحٍ سياسية هوجاء قاسية، وهو العاري من الحزب، والمفتقر إلى الفصيل، والمجتث من الإرث الوطني، والمجد النضالي، وليس له نصيب في المجلس التشريعي سوى مقعدين ضمن إطار تحالف الطريق الثالث.

ألا ينبغي له أن يفكر جدياً في التخلي عن هذا المنصب المثير للجدل، وهو يسمع نداءات حركة فتح المتواصلة، لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بضرورة تغييره، أو الحد من صلاحياته، وضرورة إحداث تغييرٍ وزاري في حكومته، يجرده من قوته، ويطعم وزارته بعناصر قيادية وفاعلة من حركة فتح، تكون مسؤولة عن الملفات الأساسية في الحكومة الفلسطينية، فحركة فتح لا تحبه، ولا تريده أن يبقى في منصبه، وثوري حركة فتح ولجنتها المركزية قد طالبوا مراراً بضرورة تغييره، فهو بأفعاله وسياساته، وبتصرفات ومسلكيات أجهزته الأمنية، وبتصريحاته وتعهداته، يحرج حركة فتح، ويشوه صورتها، ويوحي للعامة أنه يمثل حركة فتح، ويعبر عن إرادتها وسياستها، بينما الحقيقة أن فتح عنه غير راضية، ولسياسته غير مؤيدة ولا داعمة، وهي ترى أنه يقود السفينة الفلسطينية إلى برٍ غير فلسطيني، وإلى شاطئٍ غير وطني.

عامة الفلسطينيين، وقوى الشعب الفلسطيني، وحركة حماس، يرفضون سلام فياض، ويعتبرونه سبباً مباشراً في تأخير الإتفاق، وعرقلة المصالحة الوطنية، فهو بإلتزاماته الإسرائيلية والأمريكية يرفض الاتفاق، ولا يسعى للوحدة، ولا تهمه الحقوق الفلسطينية، ولا الأحلام الوطنية الموروثة، التي يتنازل عنها ببساطة، ويشطب ثوابتها بكل استهانة، ويبدي استعداداً للاعتراف بيهودية الدولة التي اغتصبت أرضنا، ليضع بقية أهلنا المنزرعين في الأرض الفلسطينية علامةً في مهب الريح، ليصبحوا عرضةً للترانسفير والطرد الإسرائيلي.

فحتى تكون المصالحة الفلسطينية حلماً قريب المنال، وغايةً ممكنة التحقيق، ضمن الثوابت الفلسطينية، والمنطلقات الوطنية، وعلى أرضية صادقة من الحرص والخوف، فإن على حكومة سلام فياض وشخصه أن ترحل عن كاهلنا، وأن تتركنا وشأننا، نعالج قضايانا بأنفسنا، ونحل مشاكلنا في غرفنا الوطنية، وبكامل هيئاتنا الوطنية، بعيداً عن الالتزامات الدولية، والشروط والإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، ذلك أنه رجلٌ غريبٌ في أفكاره، مرفوضٌ في سياساته، وسر وجوده ليس عندنا ولا معنا، وسر بقاءه ليس في صالحنا، ولا من أجلنا، وقرار رحيله مصلحةٌ لنا، ونفعٌ لشعبنا، فعلى رئيس السلطة الفلسطينية إن كان حريصاً على وحدة شعبه، واتفاق فصائله وقواه، واستجابةً منه لمطالب حركة فتح، فإن عليه أن ينهي سر الأحجية، وأن يبطل سحر البقاء، وأن يصدر قراراً او مرسوماً بالحل، ليحل مكانه شخصٌ آخر، همه الوطن، وغايته الوحدة، وبوصلته فلسطين الأرض والوطن، لأن في رحيل سلام فياض وأجهزته الأمنية بداية الطريق نحو الاتفاق، ونهاية عهد الانقسام والاختلاف.

CONVERSATION

0 comments: