.......أقرت الكنيست الاسرائيلي يوم أمس الاثنين بأغلبية 65 صوتاً قانون الاستفتاء الشعبي حول أي اتفاق سلام يتم التوصل إليه مع القيادة الفلسطينية والحكومة السورية ويشتمل على انسحاب من القدس والجولان اللتان تم ضمهما وإخضاعهما للقانون الإسرائيلي من طرف واحد بحاجة لاستفتاء شعبي حوله،في مخالفة صريحة وواضحة للقانون والشرعية الدوليتين،وإقرار إسرائيل لهذا القانون يشكل براءة اختراع فريدة لإسرائيل في هذا الجانب،فلا يكفي أن إسرائيل دولة فوق القانون الدولي،بل تخترع قوانين ليس لهل مثيل لا في التاريخ ولا في العالم،فما نعرفه من التاريخ أن الاستفتاءات تنظم للشعوب الواقعة تحت الاحتلال من أجل تقرير مصيرها،أما ينظم الاستفتاء للمحتلين من اجل تقرير مصير المناطق المحتلة والشعب الرازح تحت الاحتلال فهذا لا تقره وتعترف به سوى شرعية الغاب واللصوصية وعدم احترام والالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية،وإقرار هذا القانون ليس بالغريب على إسرائيل فهي أقرت من قبل سلسلة من القوانين العنصرية بحق شعبنا الفلسطيني على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية،فمن قانون عزمي بشارة إلى قانون منع إحياء النكبة فقانون منع التحريض وقانون اغتصاب منهاج التدريس العربي فقانون حنين الزعبي وقانون منع الشمل وقانون مقيم غير شرعي.... وقد طالت تلك القوانين الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية حيث قانون المقاتل غير الشرعي.
إن إقرار قانون الاستفتاء الشعبي هو رسالة واضحة بأن هذه الحكومة لا تريد لا تسوية ولا سلاماً،فهذا القانون ليس فقط يكبل الحكومية الإسرائيلية الحالية،بل وأية حكومة مستقبلية،فالقانون الجديد يشترط على أن أي اتفاق سلام ينطوي على انسحاب من القدس والجولان يلزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بعرض الاتفاق على الحكومة وبعد إقراره يعرض على الكنيست وبعد الموافقة عليه بأغلبية 61 عضو كنيست يعرض للاستفتاء الشعبي للموافقة عليه او رفضه خلال مدة أقصاها 180 يوماً،وهذا معناه الصريح والواضح شبه استحالة تمرير أي حل سياسي،والغريب أن نتنياهو الذي يتباكى على السلام وما يسمى بالتنازلات المؤلمة في سبيله،هو من أول الداعين إلى قانون الاستفتاء هذا،فهو في حملته الانتخابية لانتخابات الكنيست عام 1996 قاد حملة عدم الانسحاب من الجولان،الجولان التي ضمتها إسرائيل وطبقت عليها القانون الإسرائيلي من طرف واحد في 14/12/1981 وبأغلبية 62 عضو كنيست،واليوم هو نفسه من قاد ويقود حملة عدم الانسحاب من القدس والجولان عبر الاستفتاء الشعبي،حيث ان من بادر إلى طرح اقتراح هذا القانون هو ياريف ليفين من الليكود،وقد وصف رئيس الائتلاف الحكومي زئيف الكين وهو من الليكود ايضاً هذا القانون بالتاريخي لأنه يحفظ وحدة الشعب اليهودي وكذلك يضمن عدم التنازل عن ما يسمى بأرض إسرائيل على حد زعمه وأقواله.
اليوم وبعد إقرار هذا القانون،والذي يؤشر إلى مدى الازاحات اليمينية في المجتمع الإسرائيلي نحو العنصرية والتطرف ورفض الاعتراف بالآخر،فكلنا شاهد على الفضائيات وشبكة التلفزة العربدة الواسعة للمستوطنين في التظاهر ضد احتمالية موافقة نتنياهو على تجميد مؤقت وشكلي للاستيطان في الضفة الغربية،وكذلك ما يجري ويمارس من إجراءات وممارسات قمعية بحق المدينة المقدسة وسكانها العرب الفلسطينيين،حيث الحرب الشاملة والتطهير العرقي،والتغير الكلي لمعالم المدينة المقدسة،فقد صادق مكتب ديوان رئيس الوزراء على خطة إسرائيلية خماسية لتطوير وتوسيع ساحة حائط البراق واستثمار 85 مليون شيكل في ذلك، والهدف الحقيقي لتلك الخطة، ليس تسهيل الوصول إلى المناطق الأثرية والدينية،بل هو تهويد المدينة من خلال إيجاد رابط وتواصل ما بين البؤر الاستيطانية داخل المدينة المقدسة وخارجها،وربط شرق المدينة مع غربها من خلال فتح باب جديد في سور المدينة من جهة باب النبي داود،وكذلك استهداف المسجد الأقصى بالتقسيم أو الهدم لإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم مكانه،حيث نشهد تكثيف في عملية الحفريات وشق الأنفاق أسفل وحول المسجد الأقصى.
أليس هذا الذي يجري وهذه القوانين التي تقر بكافية لكي يصحو المتعلقين بأوهام التسوية والمفاوضات العبثية، بأن هذا الخيار لن يقود للوصول إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟،وقد قلنا ألف مرة انه لا يمكن "حلب الثور" و"طلب الدبس من قفا النمس"،فنتنياهو مقابل الموافقة الإسرائيلية على التجميد المؤقت والشكلي للاستيطان في الضفة الغربية يشترط اتفاق امني وعسكري مكتوبين مع الإدارة الأمريكية،مع سلسلة من المغريات العسكرية والأمنية الكبيرة والواسعة،والضمانات الأمريكية المنوي تقديمها لإسرائيل مقابل الموافقة على التجميد الشكلي والمؤقت للاستيطان ليست فقط تعارضاً وتنكراً لكل القوانين والمواثيق الدولية والحقوق الفلسطينية،بل هي بمثابة وعد لإسرائيل شبيه بوعد بلفور،والإدارة الأمريكية كلما زاد نتنياهو صلفاً وعنجهية كلما أمعنوا في مكافأته وطالبوا العرب والفلسطينيين بالمزيد من التنازلات،فالقمة العربية التي عقدت في التاسع من الشهر الماضي في سرت الليبية أعطت أمريكا شهراً للضغط على إسرائيل من اجل العودة للمفاوضات المباشرة بقبول التجميد المؤقت للاستيطان،وعندما لم تنجح ولم تمارس أمريكا ضغوطها على إسرائيل جددت تلك المهلة،وهناك من العرب والفلسطينيين بعد كل ذلك من يحاول أن يقنعنا بأنها عنزة ولو طارت،أي الوصول إلى اتفاق في هذا الجانب،بالقبول بالعودة للمفاوضات المباشرة حتى لو لم تلتزم إسرائيل بوقف الاستيطان كلياً،تحت ذريعة خادعة ومضللة بأن لا تستغل إسرائيل ذلك لكي تواصل الاستيطان في القدس والضفة وكأنها متوقفة عن ذلك،وخصوصاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، أعلن بشكل واضح أن الموافقة على التجميد الجزئي للاستيطان لمدة ثلاثة شهور لن تكون من أجل التفاوض حول الحدود الدائمة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل،فهو يريد استمرار التفاوض من أجل التفاوض،تفاوض يضمن له استكمال خططه وبرامجه في فرض الوقائع والحقائق.
ومن هنا وبعد إقرار قانون الاستفتاء، ألم يحن الوقت لإغلاق بوابة التفاوض العبثية؟، ألم يحن الوقت لإعلاء مصلحة الوطن والمصالح العليا للشعب الفلسطيني فوق المصالح والأجندات الخاصة؟، ألم يحن الوقت لتوفر إرادة فلسطينية تنهي ظاهرة الانقسام المدمرة؟، ألم يحن الوقت من أجل حوار وطني فلسطيني شامل جاد ومعمق من أجل إقامة حكومة وحدة وطنية على برنامج سياسي موحد يعيد الاعتبار للثوابت الوطنية الفلسطينية؟.
أم ستبقى الأجندات الخاصة والمصالح الفئوية فوق مصالح الوطن والشعب،ويستمر الانقسام والضعف الفلسطيني،وبما يؤدي الى ضياع الحقوق وتبديد المنجزات وتدمير المشروع الوطني.؟؟
0 comments:
إرسال تعليق