المرأة العاملة والتنظيم النقابي في الاستعراض التاريخي/ خولة عليان

على هامش الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة:

إنه من المفترض أن يحتل العمل النقابي والتنظيم النقابي تحديداً، مكانة مميزة لدى كافة الأحزاب ذات الصبغة العمالية والنقابات العمالية والمهنية والتي من واجبها ان تدافع عن حقوق الانسان بشكل عام، وفي حالتنا هذه عن حقوق الطبقة العاملة .. بشقيها العمال والعاملات.

ومما لا شك فيه ان بدايات العمل والتنظيم النقابي في فلسطين كان لها بعد وطني وإنساني معاً .. منذ نشأتها الأولى مع بدايات القرن العشرين وتحديداً عام 1925 والذي شهد أول تشكيل نقابي تحت اسم "جمعية العمال العرب الفلسطينية".

ومن الجدير ذكره هنا ان اولى الاطر التي تشكلت قبل هذا التاريخ وكانت رافداً اساسياً للجمعية العمالية كانت اطر العمال في ميناء حيفا الذين تعرضوا لاضطهاد انساني ووطني .. حيث دفعهم هذا الى الاندفاع نحو المطالبة بحقوقهم، ومعاملتهم على اسس انسانية.

ومن هنا تطورت فكرة العمل النقابي في فلسطين واخذت تنحو منحاً اكثر اتساعاً فشملت الحقوق الاجتماعية والحقوق الاقتصادية وحق الانتساب للنقابات العمالية والمشاركة الفاعلة في النضال الطبقي والوطني رغم بطش سلطات الاحتلال البريطاني وعنصرية المستوطنين الصهاينة .

وليس خفياً على احد انه وبعد العام 1948 دخل العمل النقابي اجواء اخرى فالعمال والعاملات في الاراضي التي احتلت عام 1948 خاضوا نضالاً طويلاً ضد مظاهر القمع والعنصرية في الجليل والمثلث والنقب والناصرة وغيرها.

اما في الاراضي التي بقيت تحت السيطرة العربية كما الضفة الغربية وقطاع غزة فقد خاض العمال نضالات لا يستهان بها الى جانب العمل السياسي حيث لوحق الكثير منهم واودعوا في المعتقلات واشهر تلك المعتقلات كان معتقل الجفر الصحراوي وكان للتنظيم النقابي بعداً جوهرياً في التأثير على الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد.

لكن من الواضح ان تمثيل المرأة في النقابات العمالية كان غائباً تماماً في البدايات القرن العشرين وذلك لاعتبارات اجتماعية واقتصادية كان يمر بها المجتمع الفلسطيني على ان هذا الامر بدأ في التغير تدريجياً منذ منتصف القرن الماضي خاصة بعد ترسخ جمعيات العمل النسوي ذات الطابع الخيري والتي كانت محصورة في فئات نسوية محدودة سواء تلك المتنورات بفكر يساري في نقابات واطر نسوية، او بعض "المترفهات" اجتماعياً في جمعيات نسوية.

وبعد العام 1967 دخل العمل النقابي مجالا جديدا خاصة في ظل نشاط الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي كان له السبق في هذا المجال .. وامتزج من جديد الطبقي والوطني في معادلة النضال ضد الاحتلال .. كما برز دور فصائل م.ت.ف على اختلافها.. لاحقاً.

وجاء التنافس الحزبي ليحدث انقسامات داخل الحركة النقابية فتأسست نقابات موازية لغايات حزبية وسياسية ، أضّرت بالمجمل بنضالات الطبقة العاملة وما زالت المحاولات جارية لإعادة توحيد الحركة العمالية.

مع قدوم السلطة عام 1995، ظهرت بعض القوانين والتشريعات حول حماية الطبقة العاملة والدفاع عن حقوقها وتمثيلها تمثيلاً حقيقياً وحق تشكيل النقابات المختلفة ، الا ان العديد من الاخفاقات بقيت تلاحق العمل والتنظيم النقابي.



الحقوق النقابية

لم تأت هذه الحقوق من قبل ذاتها، حيث ان نضالات الطبقة العاملة قد فرضت امراً واقعاً بالاضافة الى كونها كانت قد استندت الى مجموعة من القوانين والمواثيق والمعايير الدولية والعربية التي دعت الى حق وحرية تشكيل النقابات والانتساب لها دون منع او اعاقة .. والتي من ابرزها:

1- حق الانتساب للنقابات.

2- حق العمل النقابي.

3- حقوق العمال في الاجازات واصابات العمل.

4- التأمين الصحي.

5- الضمان الاجتماعي.

6- تعويضات نهاية الخدمة.

7- وهي قضية هامة تتعلق بحقوق المرأة العاملة ومساواتها في فرص العمل والاجر وعدم التمييز ، وتوفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية لها واعطاءها كافة الحقوق المتعلقة بها كونها امرأة. وبالاضافة الى هذا كله، التشريعات والقوانين التي بحاجة الى تطوير وتعزيز والاسراع في تنفيذها فلسطينياً، والعمل بها وتشكيل المحاكم العمالية للبت في قضايا النزاعات.

وفي هذا المجال هناك الكثير من الحقوق المدونة فلسطينياً وعربيا ودولياً ، ويمكن العودة اليها عند الحاجة ، لكن الاهم هو تطبيق ما تحويه هذه من حقوق ورفع الظلم عن الطبقة العاملة والتمييز ضد المرأة.



المرأة



لا نبوح بسرٍ اذا قلنا ان المرأة الفلسطينية خاضت الى جانب الرجل وان بتفاوت، نتيجة ظروف قهرية تعرضت لها المرأة وما زالت ، مجالات واسعة ومختلفة من العمل في الارض وفي المصنع وفي المشافي وفي المؤسسات العامة بما في ذلك ايضاً العمل الوطني.

ورغم ذلك الا ان المرأة ما زالت تسعى الى نيل حقوقها كاملة ودون انتقاص ، وقد اكدت الكثير من الاطر النسوية في هذا المجال والمتعلق بالمرأة العاملة ومجال العمل النقابي على ان هناك ضرورة الى:

1- رفع نسبة عضوية المرأة في النقابات العمالية.

2- تعزيز وتطوير وضع المرأة في اماكن العمل المختلفة .

3- تعزيز ومعرفة المرأة العاملة بحقها في التنظيم والحماية الاجتماعية والاقتصادية.

4- تطوير المهارات لدى النساء النقابيات والعاملات .

5- رفع نسبة مشاركة المرأة في الهيئات القيادية للحركات النقابية كافة بما فيها قيادات الهرم النقابي.

6- الدفاع عن المرأة وتحسين شروط وظروف عملها ومنع استغلالها بأي طريقة كانت .

7- الدفاع عن حق المرأة في العمل في ظل ظروف سياسية واجتماعية باتت تهدد مكانة المرأة وتضعها اسيرة مفاهيم ظلامية نحن في غنى عنها كمجتمع فلسطيني.

8- اصبح من الضروري ادخال وتثبيت النوع الاجتماعي (الجندر) في العمل النقابي وحتى الحزبي والسياسي ، وذلك من اجل تعزيز مكانة المرأة وتقدم المجتمع نحو بناء مجتمع مدني يقود الى دولة العدالة الاجتماعية.



علماً بأن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل هي 2ر15% في حين ان 8ر84% من النساء خارج سوق العمل .

وبمقارنة هذا الرقم مع الرجال فاننا نجد ان: 8ر66% يعملون من الرجال مقابل 2ر33% لا يعملون.

وأما الاسباب التي تقف خلف ذلك فهي:

مفاهيم اجتماعية (تقليدية) تبقي المرأة في المنزل وتحول دون مشاركة النساء بنسبة 7ر65%.

اما الدراسة فتشكل 3ر27% والباقي فهو مزيج من كبار السن او المرضى او عدم القدرة على العمل 4ر5%.

وهذا يشير بشكل واضح الى ان الاعمال المنزلية هي مسؤولية المرأة بامتياز في حين ان العمل خارج المنزل هو لصالح الرجال دون منازعة تذكر..

ومن المهم الاشارة هنا ايضاً ان نسبة 2ر15% من المرأة العاملة لا تعني بالضرورة حصولها على العمل المناسب او اللائق بشهادتها العلمية مثلاً او لدورها المميز اجتماعياً كقائدة نسوية او نقابية، بقدر ما ان معظم ما تشكله هذه النسبة من النساء يعملن في قطاع السكرتاريا والخدمات العامة والزراعة وما شابه ..

وبالمناسبة يمكن ابراز عدد كبير من مظاهر التمييز في العمل بين الرجل والمرأة من اهمها:

1- التمييز في الاجور . وقد يصل الفرق في الاجر الى النصف.

2- حرمان النساء من علاوات الزوج والاولاد.

3- تخيلوا في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا ان اجور بعض النساء في بعض المهن مثل رياض الاطفال لا يزيد الاجر فيها عن 400 شيكل.

(2) التمييز في العقود:

1- يرفض المشغلون منح النساء عقود عمل مكتوبة في حالات كثيرة.

2- يفرض اصحاب العمل شروط قاسية على المرأة ويوثقوها في العقد (فرض زي معين عليها).

3- فرض عقود عمل مؤقتة او جزئية وان كان الدوام ل 8 ساعات يومياً.

(3) 1- التمييز في شروط العمل.

2- عدم دفع بدل ساعات عمل اضافي للنساء.

3-استثناء خادمات المنازل ومن في حكمهم من قانون العمل . (وهذا موضوع بحد ذاته بحاجة الى التدقيق).

(4) الفصل التعسفي للنساء من العمل.

(5) تعرض النساء للتحرش الجنسي والمضايقات في اماكن العمل الامر الذي يخلق مشاكل نفسية واجتماعية للنساء العاملات ويخشين في كثير من الحالات التحدث عن الموضوع.



(4) التمييز في مجال الاجازات:

1- تحرم النساء العاملات من الاجازات الصيفية والنصف سنوية.

2- لا يتم منح العاملات اجازة الوضع والامومة في كثير من الحالات.

3- لا تمنح النساء ساعة رضاعة لمدة عام كما نص القانون.

4- لا تخرج النساء باجازة ثقافية كما نص القانون.

(5) ضعف وزارة العمل في متابعة اوضاع العمال والعاملات تحديداً، وعدم تشكيل لجنة الاجور وفق القانون والمشكلة من وزير العمل وعضوين من اصحاب العمل والعمال. ومنذ العام 2000 (قرار صدور القانون) لم يتغير شيء.

بقيت النساء الاقل اجوراً ولم تربط الاجور بغلاء المعيشة بشكل عام.



أليست اشكال التمييز هذه وغيرها كافية لإعادة النظر في طبيعة العمل والتنظيم القائم؟ خاصة في ظل عزوف النساء العاملات عن الانضمام للاطر الموجودة؟

كما انه يجب الانتباه الى وقف عمل النساء في المستوطنات تماماً كالرجال خاصة وان ذلك يعتبر (مهانة) وطنية كبيرة، وكذلك الامر بالنسبة الى نسج (الكباه) في الكثير من القرى الفلسطينية. فهل يعقل ان نستبدل نسج الثوب الفلسطيني بهذا المرز الاستيطاني المعيب؟ أين هي الحكومة والنقابات من هذا الامر؟





التنظيم النقابي

ليس مجرد شعارات!!

ان مفهوم التنظيم النقابي يجب ان يستند بدرجة كبيرة وواعية الى البعد الطبقي والنوع الاجتماعي بالاضافة الى الجانب الوطني فيما يتعلق بوضع ومكانة المرأة .. فالقضية هنا ليست مجموعة من الافكار والشعارات يمكن ترديدها في ندوة مفتوحة مع الجمهور او لقاء مرئي او مسموع بقدر ما هي مجموعة من الجهود والمثابرة والعمل التعبوي المتواصل لخلق واقع جديد على مستوى العمل النقابي عموماً والمتعلق بالمرأة العاملة خصوصاً..

للأسف ان تراجع قوى اليسار وتراجع الحالة الوطنية الفلسطينية بشكل عام قد فرض وان بمستويات مختلفة تراجعات على مستويات العمل النقابي – وإن كان البعض قد اخذ على العمل النقابي الفلسطيني طابع الحزبية في السابق – لكن حزبية السابق وان كانت قد أضّرت بشكل او بآخر بوحدة العمل النقابي الا انها قد افادت بمستويات مختلفة التنظيم النقابي. فكنا نجد ونسمع عن العامل/ة الكادر المثقف/ة والواعي/ة لدوره/ها الوطني والطبقي والمسلح بوعيٍ لا يستهان به .

ان ما نرجوه في حاضر الواقع النقابي ومستقبله القريب هو العودة الى تثقيف العمال والعاملات وتوضيح مغزى ومعنى البعد الوطني في العمل وبمستوى ذلك البعد الطبقي .. فلا يمكن الحديث عن نقابات لا يجمع اعضاءها سوى هتافات او شعارات .. ان الاهم من تشكيل الاتحادات والاطر النقابية هو التنظيم النقابي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .. حيث ان وعي الطبقة العاملة لذاتها وبذاتها ليشكل عنوان هام في حركة الفعل النقابي الفلسطيني، فالمفاهيم التي سبق وذُكرت حول الحقوق يجب ان تكرّس في وعي الطبقة العاملة ، وبالتالي فإن دور الطبقة العاملة يجب ان لا يكون مقيداً بقيود تحول دون تحقيق تطلعاتها المطلبية ..

وإذ ننظر الى ذلك فإننا نرى كيف تأخذ النقابات العمالية دورها ومكانتها المميزة باستقلالية تامة عن الحكومات القائمة وتخوض نضالاتها المطلبية بكل جرأة وحماسة ولنا ان ننظر الى تجربة نقابات اليونان وتركيا وفرنسا ودول امريكا اللاتينية وغيرها.

ان وعي الطبقة العاملة وتثقيف المزيد من الكوادر والكادرات بدور ومكانة الاتحادات النقابية لهو الكفيل بخلق واقع جديد لمجمل الطبقة العاملة والمرأة العاملة خصوصاً..

وبالمناسبة ان تعزيز مكانة الطبقة العاملة لا يعني فقط العمال دون العاملات بقدر ما يجب ان يكون متوازي .. من حيث فرص القيادة المركزية والكادرات النقابية واللجان الفرعية وغيرها الى ان يصل الى مستويات عليا في التمثيل السياسي والاجتماعي.

كما ان الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والمؤسسات والأطر النسوية مطالب قبل غيره في تعزيز الوعي لدى النساء عموماً والمرأة العاملة خصوصاً وتوجييها الى ان تكون عضوة فاعلة ونشيطة في النقابات العمالية والمهنية وذلك من اجل الدفاع عن حقوق المرأة العاملة خصوصاً والمرأة الفلسطينية عموماً وان يشكلن مع المؤسسات النسوية اداة ضغط من اجل ان تكون المرأة في مكانها اللائق والمناسب فهي تشكل بلا شك 50% من المجتمع . ونحن احوج ما نكون الى ذلك في حاضر الوقت مع بروز اتجاهات ظلامية تسعى الى اعادة عقارب الساعة الى الوراء .. وفي ضوء نظرة البعض الى المرأة كسلعة رخيصة لنؤكد جميعاً على اهمية التنظيم النقابي بمفهومه الحقيقي وببعده الاجتماعي والطبقي والانساني فهناك فرق واضح وشديد بين العمل النقابي والتنظيم النقابي الذي نطمح جميعاً اليه..

وأخيراً..

فإن التنظيم النقابي يعني بالضرورة وعي طبقي ووطني اكثر عمقاً للعمال والعاملات وكافة فئات الكدح في الاراضي الفلسطينية .

فالوعي الطبقي مسؤولية وهي تقع على عاتق الاحزاب والقوى اليسارية وكذلك الوطنية وهنا يجب التأكيد على ان الطبقة العاملة ووعيها والمضمون الايديولوجي لذلك ليس مشروع NGO’s وليس مشروع سلطوي، بل هو موضوع طبقي وطني بأبعاد ودلالات اجتماعية نهضوية تقود الى مجتمع الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ..


CONVERSATION

0 comments: