المرارة والقلق والخيبة من الدولة نقلها المغتربون إلى البطريرك/ المهندس حميد عواد

اكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية.
بكركي هي حصن الوطن وملاذ المواطن وقطب حج روحي يجذب اليه تطلعات مسيحيي المشرق وانطاكية الذين، اضافة الى منائر كنائسهم، يرنون الى منارته ليستمدوا مزيدا من الايمان والقوة والرجاء. مهابة بطاركة هذا الصرح الكنسي العريق تشع من تقواهم وتفانيهم في خدمة رسالتهم وتفيض من شجاعتهم وغني معارفهم وتطفو من عمق ايمانهم الوطيد بالله وبالوطن. سيرهم دمغت تاريخ الكنيسة ولبنان بدمهم وتضحياتهم وحكمة تدبيرهم وجلل انجازاتهم، فقد رافعوا في قضية سيادة نواة الكيان الوطني امام السلاطين ودافعوا عن رعيتهم عند هجوم الغزاة وافتدوا ابناءهم بأرواحهم.
كما ساهموا في صوغ تفاهم اللبنانيين وفك خصاماتهم وساعدوهم على النهوض من كبواتهم وحضوهم على صب ولائهم نحو خدمة وطنهم وساهموا في ارساء ميثاق وطني ضمن هيكل نظام ديموقراطي نفحوا فيه روح التسامح ونبل رسالة التعايش الانساني الحضاري ودافعوا عن هذه الهوية النموذجية الفريدة في المحافل الاقليمية والدولية.
بالامس (آذار 2001) زارنا غبطة البطريرك صفير مطلقا صيحة "دولة الظلم ساعة ودولة الحق حتى قيام الساعة!" بعد اطلاق نفير سحب القوات السورية من لبنان عبر بيان مجلس المطارنة الموارنة في ايلول سنة 2000 ليُتبعهما بزيارته التاريخية للجبل (4 آب 2001) لابرام المصالحة المسيحية – الدرزية مع زعيمها.
واليوم يزورنا خَلَفه غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ليطلع على احوالنا وليحفزنا على شد اواصر ارتباطنا بالكنيسة الام ودوام تواصلنا مع اهلنا والى التضامن والانخراط في مسيرة الشركة والمحبة التي جعلها شعار خدمته وشرعتها والتي يثابر على تجسيدها في جمع القيادات المسيحية والتلاقي مع بقية القيادات السياسية والمراجع الروحية لتعزيز الوئام.
نشارك غبطته القلق جراء استمرار نزف الهجرة من لبنان وخسارة المسيحيين اراضيهم بسبب "تهافت" فئات على شرائها بأسعار مغرية او حتى تزوير عمليات بيعها في سعي الى تطويق مناطق انتشارهم وقضمها مما يشكل عمليات تهجير منهجية تطعن صلب العيش المشترك.
كما نشاركه المرارة من نزوح مسيحيي الشرق بسبب انفلات تيارات التطرف وارتكابها اعمال اضطهاد وتنكيل وعنف وقتل ضد من يخالف غيَّ أتباعهم. ونطرح الصوت على ذوي الشأن ان يجترحوا علاجا لهذا الشذوذ ونثني على جهود غبطته في سياق الدعوة المفتوحة لعقد مؤتمر يجمع القيادات الروحية في الشرق الاوسط لمناقشة تنفيس الاحتقانات الدينية والمذهبية وتصويب الانجرافات وترسيخ الالفة.
وفي الوقت نفسه ندين عنف الحكام المستبدين ونستهجن ادعاءهم حماية الاقليات ونؤيد التغيير السلمي للأنظمة الاستبدادية الى بدائل ديموقراطية متطورة عبر انتفاضات الشعوب الرازحة تحت الظلم. إن شؤون الاهل وشجونهم في الوطن وتعثر مسيرة التعافي تقلق المغتربين التواقين الى العودة الى ربوعه، لذا هم يدمنون على تتبع اخباره ويبذلون قسطا وافرا من ايراداتهم لانتشال اهلهم من الضيق وتحصينهم من تسرب اليأس إلى نفوسهم ودعم مقاومتهم إغراءات بيع أراضيهم، كما يجيِّرون روافد من نفوذهم في دول إقامتهم لدعم نهوض الدولة في ارض الجذور. انتخابات نيابية مهمة تقبل على اللبنانيين وهم ما زالوا يرزحون تحت عبء ظروف شاذة ومعطلة. والمغتربون يشعرون بالمرارة والخيبة والغضب لعدم استواء الاوضاع في مجاريها الطبيعية.
فيما التلكؤ مستمر في صياغة قانون انتخابي ضامن لامانة التمثيل وتُرصد مراوغة في اتخاذ التدابير التطبيقية لاتاحة مشاركتهم في الااقتراع عبر السفارات والقنصليات في بلدان انتشارهم تتلطى بذرائع واهية لحرمانهم حقا ثُبّت قانونيا في المجلس النيابي والحكومة اثر إلحاح عنيد من جالياتهم.
فحذار التلاعب في صحة العملية الانتخابية او احباط فرصة ممارسة هذا الحق اذ اننا مصممون، عند حصول اي خلل، على الطعن في نتائجها بالتنسيق مع الكتل السيادية داخل الوطن.
االمغتربون هم الجناح الطليق الحركة والقوي والمرن الذي يرفد الجناح المقيم ليحلق الوطن في اجواء الحرية والعزة والرفاه، وحق لهم نصرة اهلهم عبر مشاركة فاعلة في رسم مسار الوطن الساكن في وجدانهم والحاضر ابدا في بالهم.
ووصيتهم لاخوانهم المقيمين ألاّ تشوش الضوضاء صفاء فكرهم ومشاعرهم كي لا ينحرفوا عن سكة الضوء. وان يتشبثوا بأرضهم وقيم تراثهم ويتعاونوا على عمل الخير وصد الاذى عن لبنان وان يدركوا اهمية اختيار ممثليهم في البرلمان ويحكّموا ضمائرهم فلا يتحولوا بيادق يُنتخب بها دمى، بل يركزوا بصرهم وبصيرتهم على كفاءة المرشح واستقامته ونزاهته وعمق التزامه الوطني ومدى تعلقه بالنظام الديموقراطي وحرصه على الحريات والسيادة والاستقلال.
لان الشجرة المثمرة تُرشق بالكثير من الحجارة والاجواء المحيطة محمومة، تكاتفوا وسيّجوا شجرتنا الخصيبة والباسقة يا احرار لبنان واحموه من السموم والامراض والقوارض.

CONVERSATION

0 comments: