الصراع على السُلطة في مصر/ أنطوني ولسن

هذه الفترة الزمنية التي تعيشها مصر منحنى خطير في تاريخها الحديث والمعاصر .
مرت مصر في تاريخها الضارب في القدم بأحداث جسام منها من أنهكها وهدد وجودها ، ومنها ماكان محكا لصلابة مصر والشعب المصري ، وإستطاعت أن تواجه كل نلك الأحداث سواء الداخلية أو الخارجية . إنهزمت ، وإنتصرت . بكت ، وفرحت . إختلف الناس فيما بينهم على نظام الحكم . لكنهم لم يتقاتلوا قتال الأعداء . أحدثت الإختلافات فجوات بين الناس بعضها البعض وقد سالت الدماء . وهذا شيء وارد في تاريخ الشعوب عندما يكون الصراع على السُلطة . ومصر ليست وحدها في هذا الشأن . لكن للسُلطة بريق شيطاني يحول الأنسان الملاك إلى شيطان أثيم يرتكب أبشع المجازر في سبيل الحفاظ على كرسي الحكم ، أو الإستيلاء عليه متخذا لذلك كل ما يمكن فعله للإستيلاء على الكرسي أو الوصول إليه . وهذا ما يحدث في مصر . ليس الأن فقط ولكنه بالنسبة لما يحدث على أرض الواقع الأن ، له رابط قوي بأحداث " الثورة " .. ثورة العسكر 23 يوليو 1952 ، وثورة الشعب في 25 يناير 2011  .
ثورة يوليو 52 قامت من أجل الشعب المصري وفرح بها الشعب وعضددتها جميع أطياف الشعب عدا فئات قليلة خوفا على مصالحها . وثورة يناير 11 قامت من الشعب لما وصل إليه الحال من الذين توالوا حكم مصر آخرهم مبارك . والتاريخ يقول قليلة هي الشعوب التي تصبر على حكامها مثلما صبر الشعب المصري . لذا كانت ثورته نابعة من القلب .. من قلب شباب طحنته الحياة ولا أمل عنده وضاقت به الحياة لما يعيشه ويراه . فصمم على التصدي والتحدي وأصر على الرحيل . رحيل رأس النظام الممثل في مبارك وحاشيته وخاصة عائلته التي إستغلت وجودها في الحكم أسوأ إستغلال لمنفعتهم الخاصة ومنفعت خدامهم المنافقين .
نهبوا أموال مصر . حولوا مصر إلى بلد معروض للبيع . أرضه للبيع وعِرضه للبيع أيضا . وتحلل المجتمع وتحول إلى شعب بعيد كل البعد عن ما كان يعرف بالشعب المصري . فكانت ثورة الشباب ثورة الصرخة الصادرة من القلب تطلب التصحيح والبداية من جديد لإصلاح ما أفسده  حكام مصر آملين في غد تشرق فيه شمس جديدة وأمل يعمل الجميع على تحقيقه . لكن مع الأسف أتت الرياح بما لا يشتهي الملاح .
عام وما يقرب من النصف عام قد مضت على ثورة يناير 11 تحطمت أو كادت آمال الثوار والشعب على صخرة الصراع على السُلطة في مصر . إحتد الصراع وإزدادت حدته بين الطامعين في الحكم مما ينذر بحدوث حرب أهلية . فكل الغيوم تتجمع فوق مصر منذرة بهبوب عاصفة ثورية شعبية ثانية تقضي على  كل من أوصل مصر إلى ما وصلت إليه الأن .
الصراع الأن له ثلاثة رؤوس لمثلث غير متساوي الأضلاع لإختلاف قوة كل ضلع . لكن كل منهم له قوة الخراب والهدم ولا يعنيه سوى الوصول إلى هذا الكرسي الملعون .. كرسي الحكم .
الضلع الأول هو ضلع الحاكم الذي هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة . الضلع الثاني هو ضلع الأخوان المسلمين وحزبهم االحرية والعدالة المولد عن الجماعة ولادة غير شرعية لعدم السماح  بقيام أحزاب دينية فتحايلوا وأضافوا إليها " بمرجعية دينية " . الضلع الثالث هو ضلع جماعة السلفيين الذين أيضا لهم حزب " النور " وأيضا ينطبق عليه ما إنطبق على حزب الأخوان .
هذه الأضلع الثلاثة لم تشكل مثلثا يمكن إستخدامه لبناء مصر وتعويض الشعب المصري مما عناه طوال السنين والنهوض بها من كبوتها . لكنها شكلت معولا لهدم ما تبقى من آمال لغد أفضل لكل المصريين .
مازالت الصورة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة غير واضحة المعالم . فلا أحد يستطيع أن يتكهن بما في قلب أو عقل هذا المجلس المنوط به إدارة شئون البلاد في هذه المرحلة . لن أتطرق لأحداث كثيرة منذ 11 فبراير 2011 وحتى هذه اللحظة " الأول من شهر مايو 2012 " وموضوع إقالة حكومة الجنزوري بناء على رغبة البرلمان والغالبية الإسلامية ، أو التيارات الدينية فيه .
الجماعات الإسلامية أشادت بالجنزوري ولم تعترض على توليه الحكومة الإنتقالية إلى أن يتم وضع الدستور وإنتخاب رئيسا للجمهورية ويتم تسليم المجلس الأعلى للسلطة للرئيس المنتخب في موعد نهاية شهر يونيو القادم .
ضاعت من الأخوان فرصة رئاسة اللجنة التي ستضع الدستور وقد أثر ذلك على الغالبية في المجلس .
قوة الأستاذ حازم أبو إسماعيل معضدا من السلفيين وكاد أن يصل بدون شك إلى الوصول إلى كرسي الحكم مما جعل الإخوان إلى كسر وعدهم ورشحوا الدكتور خيرت الشاطر . لم توافق الجماعة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح على ترشيح نفسه للرئاسة إنفصل عنهم ورشح نفسه وهو أحد أقوى ثلاثة الأن من المرشحين .
الأسلوب الذي إتخده السلفيون أصبح مغايرا للأسلوب الذي ظهروا به في بداية ظهورهم بالصورة الكبيرة بعد قيام الثورة وإعطاء المجلس العسكري الضوء الأخضر لهم في كل ما فعلوه وسمح بأعداد غفيرة منهم كانت خارج البلاد إلى العودة إلى مصر . إستخدمهم الأخوان كفزاعة يخيفون بهم الآخرين . لكن كان لوجود الأستاذ أبو إسماعيل مع تغير أسلوبهم " السلفيون " عاملا أساسيا في وجود فجوة بينهم وبين الأخوان وإن لم يفصح عنها آيا منهما ، إلا أنها واضحة في العصبية التي ظهرت على أفعال الأخوان سواء في البرلمان أو كسر وعودهم من عدم الترشح للرئاسة وفشل محاولتهم في كتابة الدستور المصري بما يتماشى مع هواهم .
خرج أبو إسماعيل من سباق الرئاسة . وخرج أيضا الشاطر من السباق فأتى الأخوان بالدكتور محمد مرسي مرشحا عنهم في سباق الرئاسة .
أعطى السلفيون أصواتهم " جزء كبير منهم " لصالح ابو الفتوح " لكي أكون أكثر دقة " وعد السلفيون بإعطاء أصواتهم لأبو الفتوح . فزاد هذا من أسهم أبو الفتوح وأصبح الدكتور محمد مرسي أقل حظا في سباق الرئاسة .
زاد هذا من عصبية الأخوان فأصروا على إقالة حكومة الجنزوري ، أو على الأقل إجراء تعديلات في الوزراء وإعطاء وزارة الداخلية لهم . وعندما لم يستجب المجلس الأعلى لمطالبهم قرر رئيس مجلس الشعب توقف المجلس عن العمل منذ يوم أمس الإثنين 30 إبريل إلى 6 مايو هذا العام .
أطماع الأخوان في السلطة سواء مجلس الشعب " وتم لهم الغالبية فيه " .و طمعوا في أصدار الدستور على هواهم بعد أن كونوا اللجنة التي ستشرف على صياغتة وتولي رئاستها إلى رئيس مجلس الشعب . بعدما لم يتحقق لهم ذلك ، أرادوا أن تكون الوزارة الإنتقالية لهم بالإطاحة بالجنزوري وحكومته أو بتغير بعض الوزراء ومنهم وزير الداخلية لتعود لهم السيطرة الرسمية على الشارع المصري ومعروف من يسيطر على وزارة الداخلية له السيطرة على الأمن يحركه كيفما شاء كما فعل العادلي وزير الداخلية في عهد مبارك .
إنعكست هذه الصراعات على الشارع المصري وبدأت تعلو أصوات محذرة ومتخوفة من الأضلاع الثلاثة لمثلث غير متساوي الأضلاع كما أشرت سالفا .
سقط القناع عن الأخوان وأصبح الشعب لا يثق في وعودهم ومن المؤكد إبتعاد الكثيرين من الذين كانوا يساندونهم .
كان المصريون على الرغم من تخوفهم من قيام دولة دينية تطبق الشرع على يد أبو إسماعيل إلا أنهم وجدوا فيه الرجل القوي فتغاضوا عن خوفهم . لكن الأن بعد أن خرج أبو إسماعيل من سباق الرئاسة ، وتعضيد السلفيون لأبو الفتوح أعاد المخاوف إلى الكثير من المصريين لأن التعضيد لم يعطى لهم  مجانا . لكن وبدون شك بوعود أهمها تطبيق الشريعة تطبيقا كاملا قد يحول مصر إلى أفغانستان ويكونون هم طالبان مصر .
المجلس الأعلى للقوات المسلحة الغير واضح الخطوات هل سيترك الحكم ويعود إلى ثكناته ؟ وإذا عاد هل يأمن عدم الإنقلاب عليه من الحكومة والرئاسة الجديدة إذا كانت إسلامية إنتقاما منه لوقوفه في وجه تحقيق آمالهم ؟؟
ما الذي يمكن أن يفعله الأخوان إن لم تتحقق كل أو أجزاء من أحلامهم .. هل سيستسلمون بسهولة أم سيسببون القلقل والإضطرابات في الشارع المصري الذي لهم اليد العليا فيه على الرغم من إبتعاد البعض لعدم الثقة بهم ؟؟
السلفيون إذا لم يوفق أبو الفتوح وتولى رئيس من خارج دائرة المرشحين بإسم الدولة الدينية .. هل سيقبلون الأمر الواقع ويطالبون بتطبيق الشريعة على أن تكون المصدر الرئيسي للتشريع   فقط ؟ أم أنهم سيصرون على تطبيق الشريعة تطبيقا كاملا !!
حقيقة أن مصر في هذه الفترة الزمنية تعيش في منحنى خطير في تاريخها الحديث والمعاصر .وأن الشعب المصري يقف فوق صفيح ساخن جدا يخشى منه أن يتحول إلى نيران ملتهبة تقضي على الأخضر واليابس .
يارب إحفظ بلدنا مصر .

CONVERSATION

0 comments: