محاولات في انجازات الثورة/ فرمان صالح بونجق

مقدمة :
للبحث في عملية انجاز الثورة السورية ، لابد لنا من تشخيص الثورة ،خصوصيتها ،هويتها ،قيادتها
القوة الفاعلة والمحركة لها ، ثم محاولة الوقوف على المرحلة التي وصلت إليها مع ذكر النجاحات والإخفاقات والمعوقات التي واكبت مسيرتها .
الأنظمة الدكتاتورية المتشابهة تفرز ثورات متشابهة وهي نتائج لمقدمات متشابهة والحال هذه فإن الثورة السورية هي امتداد لثوارت الربيع العربي التي تم انجاز معظمها وتشترك مع هذه الثورات على انها نهوض فكري وسياسي ارتسم على هيئة انتفاضة شبابية عارمة ،اخذت شكل ومضمون الثورة الشعبة ، نافية بذلك عن نفسها مفهوم أو مفاهيم الإندساس والعصبة المسلحة والأرهبة ، وكافة المفاهيم الرجعية والظلامية التي حاول النظام إلصاقها بها ولايزال ،
والجدير بالذكر أن الثورة عملت على تأكيد هويتها عبر - الفعل الثوري - على أنها ثورة وطنية نابعة من إحساس المواطن السوري بسرقة مقدرات وطنه خلال حقبة زمنية أمتدت لخمسة عقود ، وكان وقود هذه الثورة جيل من الشباب الذي لم يتعامل بعد مع بهلوانات السياسة ، مما ينحي جانباً فرضية السلطة واتهاماتها لها بأنها جماعات غوغاء تميل للإرتباط مع قوى خارجية عبر ما يسمى بالمؤامرة الكونية وما إلى ذلك من توصيفات لا تتطابق مع قراءة عقلانية لطبيعة الثورة السورية .
لقد عملت القوى الفاعلة على الأرض عبر مسافة زمنية أمتدت لأكثر من عشرة أشهر من نضال دؤوب على خلق نمط جديد من أنماط الثورة السلمية مما سيمكنها من دخول تاريخ الثورات من أوسع أبوابها ، فقد قدمت آلاف الشهداء ومثلهم من المعتقلين المفقودين وضعفهم من الجرحى والمنكوبين والمهجرين دون أن تنحرف عن مسارها السلمي واللجوء إلى العنف كرد فعل انتقامي لكل هذه الأعداد من الضحايا ،
وبالانتقال إلى الحديث عن القوى المحركة للثورة السورية فإننا نقف أمام نموذجين من القوى المحركة والدافعة للعملية الثورية والتي لا يمكن فصلهما عن بعض
و الأولى : تتمثل بالقوة الرئيسية التي عملت على ترجمة الفكر الثوري إلى نشاط ميداني على أرض الواقع ، وهي القوة المعنية بخلق وتطوير واستمرارية الثورة وقد عملت على تنظيم نفسها بفسها في إطارات غير مؤدلجة ،أطلقت على نفسها ( تنسيقيات ) كإطار جامع لكافة الفعاليات الأساسية المشاركة في صناعة الثورة ، وينتمي هذا النموذج إلى الجيل الشبابي حصراً .
أما النموذج الثاني : فيتمثل في القوى السياسية التقليدية ( أحزاب - حركات - جبهات ... إلخ )
وبدورها التحقق بأعمال الثورة تالياً ، ويعود ذلك إلى عدم تمكنها من لعب دور قيادي وفاعل ومؤثر خلال المراحل الأولى للثورة ، وتحديداً لحظة انفجار الثورة وقد استطاع هذا النموذج بناء على خبراته السياسية من استثمار هذا الحراك الشبابي وتطويعه لصالحه ، مع أن هذا النموذج من مسيرة انخراطه في الثورة أخطأ حيناً ، وأصاب حيناً آخر ومثل هذه الحالة تنطبق على النموذج الأول أيضاً ،
ومن المجحف هنا إنكار الدور الداعم والمساند للشخصيات الوطنية المستقلة وكذلك منظمات حقوق الإنسان والكتاب والمثقفين والمفكرين في الداخل والخارج فيما بعد تحول معظمهم إلى صوت وضمير الثورة
بالنظر إلى هذا المشهد الثوري نستطيع أن نستنتج أن قيادات الثورة الميدانيين لم يتمكنوا من الارتقاء بالثورة إلى مستوى الطموحات ، ولم يتمكنوا من حشد كل الطاقات وزجها في الصراع ، إضافة إلى عدم توفر تناغم ولو في حدوده الدنيا لآليات التحرك بين قوى الثورة .
ومن أبرز النقاط التي اتسمت به الثورة السورية هذا القمع المنقطع النظير الذي تمارسه قوى السلطة لإحتواء الثورة ووأدها ، وإذا أخذنا بالحسبان ما أنجز من ثورات في تونس ومصر وليبيا ، فإن الثورة السورية لم تحظى بذلك الدعم الأممي أو الدولي الذي حظيت به شقيقاتها من الثورات المذكورة آنفاً .
وتسعى بعض الأطراف الدولية حتى هذه اللحظة إلى عرقلة أيه جهود لكبح جماح آلة القتل التي تملكها قوى السلطة ، والموجهة أصلاً ضد نشطاء الثورة السلميين ،
والأمر الذي يثير الغرابة ، أن الثورة السورية بكل عنفوانها الشعبي وطابعها الملحمي ، لم تستطع حتى هذه اللحظة من إفراز قيادة حقيقية لهذه الثورة ، وكل ما استطاعت فعله في هذا الجانب هو إنتاج منظومتين من ممثلي الثورة ( المجلس والهيئة ) ورغم تباين وجهات النظر بينهما .
إذاً فالمرحلة الراهنة تضع الثورة أمام أسئلة ملحة تستوجب الرد عليها ، وهذه الأسئلة تتعلق بمستقبل الثورة ، وبالتالي فهي تخص حياة الملايين من أبناء سوريا ، وعلى وجه الخصوص شريحة الشباب ، وهي الشريحة الأكثر استفادة من إنجاز الثورة ونجاحها ، وهي بالتالي الطرف الأكثر تضرراً من أية إنتكاسات تلحق بهذا المشروع الثوري .
وأولى هذه الأسئلة تتمحور حول قيادة الثورة ، واذ لا يمكن لهذا الحراك الثوري أن يستمر دون قيادة ميدانية موحدة واعية ومدركة وقادرة على قيادة الشارع بإتجاه تحقيق مكاسب على أرض الواقع وفي الميدان ، وهكذا فنحن - وبعد أكثر من عشرة أشهر - أمام السؤال الأبرز الذي يقول : هل استطاعت الثورة من إنتاج قيادة ميدانية حقيقية تتحكم بمفاصل هذا النشاط الثوري ؟
في الحقيقة غالباً ما تأتي الإجابة بالنفي . والدليل على ذلك أن جماهير الثورة لازالت تتحدث عن المجلس الوطني السوري والهيئة الوطنية للتغيير الديمقراطي على أنهما يمثلان قيادة الثورة ، وهذا ليس صحيحاً ، فقد ظهر في بعض الأزمات السياسية إقليمياً مؤخراً أن المجلس والهيئة لا يرقيان إلى مستوى قيادة الثورة ، وانما في أحسن الأحوال هما ممثلان للثورة بشكل أو بآخر . سواء أكان ذلك في الداخل أو الخارج ، وقد حدث مراراً أن عبرت الجماهير عن هذا الفحوى بشعارات ( المجلس الوطني يمثلني - والهيئة لا تمثلني ) أو العكس بالعكس ، ولم يظهر أي تلميح على أن أحداً منهما أو كليهما يحتلان موقع قيادة الثورة .
أما أحد أبرز المؤشرات على تآكل قوى الثورة ، ذلك الصراع الذي طفا على السطح مؤخراً على شكل صراع بين قوى متعددة للسيطرة على الميدان ، وبالتاي تأكدت فكرة إزاحة إتحادات التنسيقيات تماماً عن المشهد الثوري ، والإنفراد بقيادة الجماهير من قبل قوى سياسية تقليدية دأبت على الدوام الأستفادة من مبادرات الآخرين والعمل على تطويعها وامتطائها واعتبارها منتجاً يحمل سماتها حتى ولو لم يكن الأمر كذلك .
وفي مقاربة تتسم بالغرابة ، لا تكلف القوى الثورية نفسها أعباء البحث في تجارب الثورات المنجزة ، حيث يعتقد البعض بأن الثورية السورية تمتلك تجربتها الخاصة بها ، ولها سلوكها الثوري الذي يطبعها بطابعها ، وهي بالتالي غير معنية بما حدث في دول أخرى كتلك التي اجتاحها الربيع العربي .
ولكن .. وبمراجعة ملفات تلك الثورات ، يتبين لدينا الحرص الفائق لقياداتها على فرض رقابة ثورية مشددة على القوى المناهضة للثورة ، وعبر آليات مبتكرة أتت أكلها بما ينسجم مع طبيعة المجتمع السياسي وصراعه على أدوات السلطة ،
فقد عملت هذه الثورات على الأستعانة بقوة شبابية تحت اسم لجان حماية الثورة ، حيث تم تكليفها بمهام حماية ظهر الثورة ، بدءاً من حماية المتظاهرين والمعتصمين وصولاً إلى فرض رقابة على كافة أجهزة ومؤسسات الدولة على المستويات المحلية ، إضافة إلى تحجيم دور المخبرين والمندسين والعملاء ، وفضح دور هذه القوى المعادية والمحبطة للثورة ،
وذلك من خلال التشهير بنشاطاتها ، أو حتى إتخاذ إجراءات رادعة تضمن كبح فعاليتها بهدف إقصائها أو تحييدها .
أما الجانب المشرق الذي اتسمت به هذه الثورات ، فيكمن في إندفاع منظمات وهيئات المجتمع المدني واقتحامها ميادين الثورة ، فقد لعب على سبيل المثال وليس الحصر - الاتحاد التونسي العام للشغل دوراً متميزاً وتاريخياً في إنجاز ثورة الياسيمين التونسي ، ولازال هذا الاتحاد وكقوة جماهيرية يلعب دور صمام الأمان لإنجازات الثورة ، وحدث هذا في مصر أيضاً وإن بشكل مختلف ، حيث كان لشباب 6 ابريل حصة الأسد من حملة الفيسبوك التاريخية والتي هيأت ومهدت لثورة الشعب المصري .
وبالعودة إلى سياق الثورة السورية ، ينبغى مراجعة كافة الآليات التي تضمن استمرارية الحراك الثوري ، بل وتطوير هذه الآليات لمنع التآكل الحاصل الآن في بعض قوى الثورة ، والبحث أيضاً في إمكانية العودة إلى زخم الثورة أو إعادة الثورة إلى زخمها ، من خلال التأكيد على دور القيادات الشبابية ، حتى وإن اختلفت المسميات .

Perwer050@gmail.com

CONVERSATION

0 comments: