لا نريد من حيث المبدأ التطفل على أمور سوريا الداخلية ولا نحب أن نفرض رأينا على الشعب السوري الجار أو قيادته فيما يتعلق بطريقة الحكم ونتائجها كما فعلت هذه القيادة عندما تدخلت لتفرض علينا احتلالا مقيتا ومنظومة مأجورين حاولوا اذلال الشعب اللبناني طيلة 30 سنة. ولكننا من الناحية الانسانية نتمنى أن يسود الاستقرار سوريا وينتشر فيها نفس الحرية التي ينشده كل مواطن ويشعر الشعب هناك بأن من يحكمه يمثل تطلعاته ولا يختبئ خلف شعارات وهمية ونظريات بالية لم تعد تغني ولا تعمي أبصار الناس كما كان يجري خلف الستار الحديدي الذي تتلمذ جهابذة النظام السوري على أيديه.
لا نريد بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء تحرك الشارع السوري وسقوط أكثر من مئة قتيل برصاص قوى الأمن عدا عن من أدخلوا إلى المعتقلات، أن نصب على النار مزيدا من الزيت كما كان يفعل حكام دمشق كلما تصعدت أزمة في لبنان. ولكننا نهيب بهم أن يتعلموا من الواقع ومن خبرات الغير في هذه المنطقة التي ملأتها الأنظمة القصيرة النظر ظلما واستبدادا وتفننت سجونها بالتعذيب وأجهزتها بالملاحقة حتى بات الناس لا يعرفون معنى ابداء الرأي في أي موضوع خوفا من الملاحقات وإذا بالمجتمعات المنصاعة للرهبة والمنقادة بالتهديد تتخلى عن حيويتها لتفتقد إلى الألوان والحركة وتنام تحت عبئ الفاقة والعوذ أو يهرب من استطاع من أبنائها إلى بلاد الله الواسعة سعيا خلف أجواء ربما تكون أقل ضغطا وأخف ظلما.
الرئيس الأسد لم يفِ بتطلعات السوريين الذين حلموا بأن من درس وعاش لفترة من الزمن في بلد عريق بالديمقراطية ربما سيعرف أن يبدأ التغيير ولذا تأمل البعض على مضض بأن يتقبّل خريج لندن مفهوم الاعتراض ويحس بمعنى الظلم وعدم فائدة التهديد ويفهم ربما بقليل من الحس النقدي الذي لا بد تعلّمه في الجامعات البريطانية معنى رفع حالة الطوارئ مثلا أو معنى فتح السجون واطلاق سراح معتقلي الرأي أو معنى إعلان مبدأ تعددية الأحزاب وحرية الانتخابات ومفهوم الديمقراطية وتبادل المواقع.
هو لم يقبل أن يجرّب لبنان هذا المفهوم لينقله رويضا إلى سوريا بتكلفة أقل بل سارع إلى فرض الطريقة السورية الضاغطة على اللبنانيين الذين أعلنوا المطالبة بالمزيد من التحرر والحق بابداء الرأي والتناوب على السلطة. لقد قبل هذا، الذي يعتقد البعض بأنه عاش أجواء الديمقراطية الغربية طيلة حوالي العقد من الزمن، أن يتدخل مساعدوه في وطن الأرز ليفرضوا الحكومة والرؤساء ويذلّوا الشعب ثم يقرروا بأن يعدّلوا الدستور مرة تلو الأخرى ليجددوا لمن يشاؤون الجلوس على الكراسي رغما عن إرادة اللبنانيين وفي النهاية سمح بقتل زعماء المعارضة وإشاعة أجواء الارهاب في بلد جار عرف عن شعبه تعلقهم بالحرية وسعيهم المتواصل إلى الديمقراطية.
اليوم وبعد أن طرقت أبواب دمشق رياح التغيير التي هبّت في بلاد العرب كلها فهل له أن يمنعها بوصد الأبواب وزيادة العنف والقهر ومحاولة التمسك بطرق بالية لم تنفع غيره من الأنظمة؟ فهي لم تنفع تشاوشيسكو في رومانيا ولم تنفع السوفيات في روسيا ولن تنفع القذافي الذي يقاتل شعبه في ليبيا وهي بالتأكيد لن تنفع زعماء دمشق المتحالفين مع طهران ضد مشيئة ومصلحة شعبهم ويقاومون حركة التاريخ بوسائل أقل ما يقال فيها بأنها أصبحت بالية قديمة لن تقنع الشعب الذي بدأ يغلي.
إن مصير الشعوب لا بد أن تقرره هي وليس حكامها ولا آراء الخارج أو تدخلاتهم. من هنا فإننا لا نريد أن نملي آراءنا أو نصائحنا على السوريين ولكننا نهيب بمن يجلسون على الكراسي هناك التقليل من الحقد الذي يعبأ وعدد الجرائم التي قد يحاكمون عليها.
يقول البعض بأن هذه الثورة المتصاعدة هي ثورة الموبايل فإذا ما قطعت الاتصالات سوف تتوقف الثورة أو أن هذه الثورة هي وليدة الصحافة العالمية فإذا ما منعت هذه الصحافة لا بد أن يحكم النظام قبضته من جديد. نقول بأن المسؤول عن شعب يجب أن يشعر معه ويعرف بأن الظلم إلى نهاية وأن الحياة تتجدد وتتطور وأن الطبيعة لها قوانينها كما للتاريخ أحكامه وإذا ما بدأت التحركات ضد نظام ما فإنها كلما طالت وزاد عدد ضحاياها ستكبر أكثر وستعظم المسافة بين المظلومين وأسيادهم إلى أن ينفجر الوضع بوجه من يحاول السيطرة عليه.
رسالتنا إلى الرئيس الأسد أن يتنحى قبل فوات الأوان إذا لم يستطع القيام بتنازلات جدية لمصلحة الديمقراطية كأن يفتح السجون ويطلق المعتقلين وينهي حالة الطوارئ بدون استبدالها بقانون جديد ويحاكم المسؤولين عن القتل ويفتح باب المعارضة في الصحافة والمؤسسات ويسمح بتعدد الاحزاب ويعلن تركيزه على شؤون سوريا الداخلية وتحسين الأوضاع المعيشية ليس فقط بزيادة الرواتب بشكل ملغوم يعرف الناس مسبقا بأنها خطوة لشراء سكوتهم بينما يستمر المرض ينهش الدولة. وإذا كان هناك من يقنعه بالقدرة على السيطرة على الأمور فليتركه يجرب حظه في مواجهة الناس وحده قبل أن يتحمّل هو كل مشاكل سوريا التي ورثها عن والده ومن سبقه من جماعات الانقلابيين البعثيين، فهذا النظام البالي هو صنيعة حقبة طويلة تراكمت فيها الأخطاء ومصيرها اليوم الانفجار ليس لأنها الموضة بل لأن هذه هي النتيجة الطبيعية لعملية القهر المستمر.
السوريون أمام أيام سوداء ما لم يبادر قادتهم إلى التنازل عن العنجهية والقيام بمبادرات خلاقة والنزول إلى الأرض للتحاور مع الشعب الذي يريد التغيير.
من هنا السؤال سوريا الأسد إلى أين؟
فهل يعقل زعيم سوريا ويقوم بمبادرة جدية تجاه شعبه أم أن الزمن سبقه والأحداث تسارعت وأصبح الجرح أكبر من أن يعالج؟
المركز الماروني للدراسات الستراتيجية
تورونتو - كندا
0 comments:
إرسال تعليق