المشروع الوطني.. والضياع/ راسم عبيدات

من يتابع كل التصريحات الفصائلية والحزبية وبالذات لسلطتي رام الله وغزة.. يستمع لموشحات اندلسية وتصريحات نارية عن الحرص على المشروع الوطني والوحدة الوطنية وإنها الإنقسام ورفض الحلول المؤقتة والدويلات والكانتونات وتقديم التنازلات او المفاوضات من اجل المفاوضات....الخ،وتتكرر هذه الموشحات والتصريحات بشكل يومي صباح مساء،وبالمقابل نستمع من نفس الجهات والشخوص والناطقين الرسميين باسمها وقياداتها واعلاميها وحتى مستشار  الرئيس للشؤون الدينية دخل على الخط الى حملات من الردح والردح المضاد والإتهامات بالتخوين والتفريط والتفاوض بشكل منفرد والسعي لتشكيل بديل او لإقامة امارة او دويلة في القطاع،وكذلك اتهامات ببيع القضية والقدس والأقصى وكأنها في وارد حساباتهم،فنحن نعرف اهل القدس بأن آخر ما يفكرون به القدس ودعم صمود اهلها.

وفي ظل هذه الأجواء وهذه الحالة التي تبعث على الأسى وتصيب الإنسان الفلسطيني بالغثيان والكفر بكل الفصائل والحكومات والسلطات أصبحت الساحة الفلسطينية مرتعاً خصباً لتدخلات عربية واقليمية ودولية في الساحة والشأن الفلسطيني،تدخلات من شأنها تفكيك الساحة الفلسطينية وتدمير المشروع الوطني وإنهاء القضية الفلسطينية،تدخلات لا تهدف الى جمع الشمل ولملمة الجراح،بل في ظل سياسة المحاور والأجندات تغلب المصالح الخاصة والجماعات على مصلحة الشعب والوطن،ونحن كفلسطينيين نسهم في ذلك،حيث الساحة الفلسطينية تعيش حالة عميقة من عدم الثقة بين مركبات ومكونات عملها السياسي والمجتمعي،ويتم النظر الى كل خطوة او فعل أو تحرك من هذا الطرف او ذاك في إطار التشكيك والتخوين أو العمل المشبوه،وكل فصيل آخر او أي قوى سياسية حزبية او مجتمعية تتوسط بين الفريقين او تطرح مبادرة من أجل وقف حالة النزيف الفلسطيني والتدمير الذاتي للجسد والمشروع الوطني الفلسطيني،تتهم بالتحيز الى هذا الطرف او ذاك،وتشن عليها وعلى قياداتها وتاريخها حملة شعواء،تصل حد التشكيك والتخوين.

لم تنجح كل اللقاءات والإتفاقيات في جسر الهوة  بين طرفي الإنقسام( فتح وحماس)،والذي بات يتكرس ويطول ويتعمق ويتشرعن،ويترك الكثير من الآثار السلبية على وحدة الوطن والمجتمع،وفي استطالته وإستدامته،تنمو مصالح وامتيازات وعلاقات وإرتباطات لأناس من كلا الطرفين غير معنية بإنهائه من الدوحة لصنعاء لمكة فالقاهرة فالشاطىء والان مطروح مكة 2  وربما مكة 3 والقاهرة 5 وقطر 6 وهكذا دواليك دون أي بارقة امل،وكل ذلك سببه ومرده الأساس غياب الإرادة السياسية وتغليب المصالح العليا للشعب الفلسطيني على المشاريع والأجندات الفئوية والخاصة،وكل طرف يريد ان يتسيد ويقود الساحة بدون شراكة مع الآخر،إما أنا وإما الطوفان،وهم يستخدمون المتغيرات  والتحالفات العربية والإقليمية والدولية خدمة لمشاريعهم وبرامجهم السياسية وليس خدمة للمصلحة والمشروع الوطني،رهانات مع كل تبدل وتغير لكي يتمسك كل طرف بوجهة نظره ومشروعه ورؤيته،فحكومة ما يسمى بالوفاق الوطني التي تشكلت لمعالجة هموم قطاع غزة من حصار وعدم دوران عجلة الإعمار وفتح للمعابر والتحضير لإنتخابات تشريعية ورئاسية،حتى هذه اللحظة لم تقلع وتدور في حلقة مفرغة،والكل يوجه لها الإتهامات،فحماس تتهمها بأنها لا تولي مشاكل القطاع أي اهتمام،ولم تعمل على حل أي مشكلة من مشاكل القطاع الحياتية والمعيشية والإجتماعية،وكذلك المشكلة الأساسية رواتب موظفي سلطة حماس ال(40) ألف،وأخفقت الزيارات التي قام بها وزراء حكومة الوفاق بما فيهم رئيس وزرائها في أي لحلحة للأمور،حتى ان حماس فرضت ما يشبه الإقامة الجبرية على وزراء تلك الحكومة الذين قدموا الى قطاع غزة في زيارتهم الأخيرة ومنعتهم من التواصل مع وزارتهم وموظفيها في القطاع،متهمة اياهم بخرق التفاهمات التي جرت بين رئيس الوزراء وحكومة حماس،وبالمقابل حكومة الوفاق والسلطة الفلسطينية وجهت اتهامات لحماس بأنها لا تريد تمكين حكومة الوفاق من السلطة في قطاع غزة والسيطرة على المعابر والأجهزة الأمنية وغيرها.

في ظل هذه الحالة ومع تفاقم ازمة حكومة حماس السياسية والمالية،بسب عدم أي لحلحة في قضايا رفع الحصار ودوران عجلة الإعمار وفتح المعابر وازمات الفقر والبطالة والجوع والكهرباء والماء والصرف الصحي،باتت غزة كبرميل بارود سينفجر في أي لحظة لتطال تداعياته ليس حماس وقطاع غزة،بل كل الساحة الفلسطينية،حيث وجدنا بأن هناك اطراف عربية(قطر) وإقليمية( تركيا) ودولية (سويسرا وروسيا) وحتى الأمم المتحدة روبرت سيري وامين عام الأمم المتحدة بان كي مون والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر،تدخلت وطرحت مبادرات على حركة حماس من أجل ايجاد حلول تمنع من حالة الإنفجار،وعنوان تلك الحلول والمبادرات"تهدئة مقابل إعمار"،وجرى تناقل اخبار عن مشروع اتفاق برعاية قطرية – تركية – سويسرية بين حماس و"اسرائيل" تهدئة طويلة الأمد من 5 -15 ورفع للحصار ودوران عجلة الإعمار وانشاء ميناء مراقب من حلف الناتو ووقف الأعمال العدائية،على ان تلتزم حماس بعدم تهريب السلاح وحفر الأفاق وانتاج الصواريخ.

في ذروة الحديث عن تلك الاتصالات بين حماس و"اسرائيل" اشتعلت الساحة على نحو غير مسبوق في تراشق الإعلامي وإتهامات بين حماس والسلطة الفلسطينية،ولتصل الأمور اتهام الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل وحماس بإجراء اتصالات في إطار ما تعتبره منظمة التحرير التفافا على المشروع الوطني . وتسود قناعات في صفوف عدد من فصائل منظمة التحرير، وخصوصا حركة فتح، بأن إسرائيل تسعى للفصل بين الضفة والقطاع، وتعمل على إنشاء دولة في غزة حتى يسهل فرض الحكم الذاتي في الضفة الغربية.وليس هذا فقط بل مستشار الرئيس للشؤون الدينية الهباش في خطبة الجمعة شن حرباً شعواء على حركة حماس،وصلت حد تخوين من يقومون بالإتصالات والتفاوض مع اسرائيل من خارج إطار منظمة التحرير وبدون موافقة الرئيس عباس.

نحن ندرك بأن هناك الآن صراع ضاري يجري بين فتح وحماس على كعكة سلطة خالية من الدسم حتما ستقودنا الى كارثة حقيقية،كارثة ثمنها تفكك المشروع الوطني ومرتكزاته الأساسية القدس واللاجئين والدولة الفلسطينية المستقلة....وتعمق حالة التيه والضياع وفقدان البوصلة.


CONVERSATION

0 comments: