كتاب "مسلمة الحنفي ـ قراءة في تاريخ محرّم" يختلف لجهة خوضه في حياة وممات شخصيّة عربيّة "جاهليّة" مميّزة أثارت جدلاً قبل وإبّان وبعد نزول الوحي على الرسول محمّد بن عبدالله و"تعرّضت للتشويه والمسخ" على يد "المؤسّسة الإسلاميّة" بشقّيها "السنّي والشيعي" ليس بدءاً بتقبيحه إسماً: "مسيلمة الكذّاب" عوض "مسلمة الحنفي" وليس انتهاء بتقبيحه أيضاً خَلقاً وخُلقاً من خلال توصيفه بالدمامة والفجور وهو السليم جسماً ومنظراً والصحيح سلوكاً وأخلاقاً.
وسعياً من المؤلّف جمال علي الحلاّق لافتتاح ثغرة في جدران شاهقة يقول أنّ التواني عن عدم الخوض في المسكوت عنه عربيّاً ـ إسلاميّاً هو عين خيانة موصوفة ليس بحقّ الباحث ومطلق باحث إنّما هو أيضاً خيانة موصوفة بحقّ كل منهج بحثي ومعرفي، ويضيف في مقدّمته للكتاب أنّ "المنظومة المعرفيّة" التي تستنقع باستنساخ ذاتها من طريق آليات وفي طليعتها "آليّة التحريم" إنّما هي منظومة معرفيّة بالجهل و"تأبى التغيير الإجتماعي" بإطلاق مهما كانت الحاجة ماسّة لهذا التغيير ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ويرى على "كلِّ ذي عينين ولسان وشفتين" أن يقف وهو يرى وأن يتكلّم رفعاً لمظلمة وهي واحدة من كثيرات تجثم ثقيلة على صدر التاريخ العربي الإسلامي وتمنع عنه الحياة والإنطلاق وصناعة حيّز كريم في فضاء كريم لمجتمع عربي لا يزال متسربلاً منذ قرون بكلّ أشكال الجمود والتخلّف والموت.
لا تاريخ محدّداً لولادة مسلمة الحنفي وإن قيل أنّها سبقت ولادة عبدالله والد الرسول محمّد، وتكثر الروايات أنّه عاش طويلاً وهو أحد أحناف الجاهليّة ومنهم خالد بن سنان وقس بن ساعدة وعبدالله بن نفيل وأميّة بن أبي الصلت وصاف بن صيّاد ومحمّد بن عبدالله والأعشى والذبياني وغيرهم، وكانوا كلاً باجتهاده يدعو إلى عبادة "الرحمن" في اليمامة وصنعاء، مثالاً لا حصراً، وإلى عبادة "الله" في مكّة، مثالاً لا حصراً أيضاً. وقال مسلمة الحنفي في اليمامة الواقعة على خطّ القوافل من مكّة إلى موانئ الخليج بعبادة "الرحمن" وجاهر بالنبوّة واتّخذ مؤذّناً هو عبدالله بن نواحة فيؤذّن قائلاً: "أشهد أن مسلمة رسول الله" ورفع كتاباً عُرف بحسب المؤسّسة الإسلاميّة باسم "قرآن مسيلمة" ومرّة باسم "سجع مسيلمة" منه قوله فيه: "سمع الله لمن سمع" و"هو أمات وأحيا.. وإليه المنتهى" وعنده أنّ "الرحمن" هو العالِم وهو الرحيم والمعطي والقابض والباسط والمنجّي والرازق والشاهد والملك" واتّخذ لدعوته سبيل "التأثير" منهجاً في "الإنتشار" واستمال ناحية الإحساء والبحرين وقطر وصنع حضوراً في شبه الجزيرة العربيّة، واستطاع بقدراته العالية أن يستوعب اندفاعة عسكريّة قويّة وضخمة شاءتها سجاح بنت الحارث بن سويد لإخضاع اليمامة والرباب قبل التوجّه نحو يثرب وإخضاعها أيضاً، وكانت سجاح، وتفسير اسمها" المستقيمة" وتكنّى بأم صادر، قد جاهرت أيضاً بالنبوّة واتّخذت مؤذّناً هو شيث بن ربعي يؤذّن فيقول: "أشهد أنّ سجاح نبيّة الله" واستمالت الكثير من القبائل بالإضافة إلى تميم وأخوالها في تغلب وغيرهم في ربيعة وحتى استمالت بقوّة شخصيّتها أحياء من النصارى. وعملاً بمنهجه في الإنتشار النابذ للسيف سأل مسلمة اجتماعاً بسجاح فأجابته إليه، ولم يصلنا من الإجتماع التاريخي بقرار من المؤسّسة الإسلاميّة المنتصرة في ما بعد ما دام المنتصر هو الذي يمحو وهو الذي يكتب سوى أنّ النبيّة سجاح خرجت من الإجتماع وهي تلهج بنبوّة مسلمة ثمّ لتتزوّجه، ولم تذكر المؤسّسة ذاتها أنّها تزوّجته إنّما مرّة إعجاباً بقوّة شخصيّة مسيلمة وعظيم ما سمعته منه ومرّة توحيداً للجهود المشتركة لإحداث نوعيّة في دين العرب سلماً (وهو منهج مسلمة الحنفي ذاته) كمقدّمة لإحداث "التغيير الإجتماعي" المطلوب والمنشود.
ويذكر التاريخ "المُهرّب" أنّ مسلمة الداعي إلى عبادة "الرحمن" التقى في دعوته متنفّذين لبعض أطياف الحنفاء القائلين بالدعوة إلى توحيد "الله" وهم في طريقهم بقوافلهم من المثلّث الجغرافي "مكّة، الطائف ويثرب" إلى أسواق وموانئ الخليج، وذاته ـ مسيلمة ـ قصد أسواق شبه الجزيرة "الجاهليّة" المشهورة ومنها "الأبلة ولقة والأنبار والحيرة (شمالي الجزيرة) وعكاظ (جنوبها) حيث احتكاك الأفكار واستعراض النبوءات والتقاء الأعلام، وتذكر كتب الأخبار أنّ مسلمة التقى النبي محمّد بن عبد الله في مكّة، وهناك إشارات إلى لقاءات جرت في أكثر من مكان، وعرض مسيلمة التحالف. وذكر الحلبي أن محمّداً حين التقى مسلمة "عامله معاملة الإكرام على عادته في الإئتلاف" وعندما أدخل الرسول إلى "منظومته المعرفيّة" إسم "الرحمن" اتّهمته قريش بالتلمذة على مسلمة الحنفي من اليمامة المنافسة لمكّة مناطقيّاً بغناها ولا تزال بالعيون والآبار ومختلف موارد المياه "وأكثر نخيلاً من الحجاز وبكونها مجتمع مستقرّ تجاوز البداوة وتصدّر للعرب القمح والسيوف والخيول وأنواع الثياب فيما مكّة قلقة غير ذات زرع" وفي قرآن مسلمة :"ولقد فُضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر". وعندما هاجر الرسول إلى يثرب كان حقّاً على تحالف مع مسلمة وغيره من دعاة الرحمن، وجوهر هذا التحالف تكشف عنه الآية "أدعوا لله أو أدعوا للرحمن" التي تؤكّد أن الدعوة إلى الله هي ذاتها الدعوة إلى الرحمن وأنّهما يندرجان ضمن مفهوم التوحيد "الذي تمّ تأثيثه على يد أقطاب الجيل الأوّل من الأحناف" مثل قيس وخالد وورقة وزيد وغيرهم.
وينشد المؤلّف جمال علي الحلاّق مناشد "التصريح لا الإشارة والتلميح" منهجاً لرفع التشويه عن مسلمة الذي كانت له فاعليته وحضوره الكبيرين في شبه جزيرة العرب لأكثر من خمسين عاماً، ويصرّح أنّه "ثمّة من يدسّ في تضاريس العالم تجاعيده الخاصّة ويصرّ على أنّها تجاعيد العالم". وعندما يتعرّض تاريخ شخص مثل مسلمة الحنفي للتحريم "فإنّ ما يتبقّى منه لن يتعدّى بقايا نتف تمرّ عبر آليّة التشويه المتعمّد.. ويظلّ البحث في المتاح والممكن" لا غير "تحت ثقل الرقابة وقسوتها" حتى انقلب مسلمة إلى "حشرة". وقد ذكر البلاذري أنّ مسلمة كان "قصيراً، شديد الصفرة، أخنس الأنف، أفطس". وذكره الطبري بالتصغير أنّه: "رويجل" تصغير رجل" أصيغر، أخينس" وجعله نذير شؤم لما حلّ ببني حنيفة من قتل وسبي بسببه، فيما يذكر وحشي، كما في السيرة الحلبيّة، وهو قاتل مسلمة: ".. فإذا رجل قائم "مسلمة" كأنّه جمل أورق ثائر الرأس" حتى يقول "رميته بحربتي فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه وضربه رجل من الأنصار على هامته" وقوله أنّه "رجل" ينفي ذلك عن مسلمة أنّه "رويجل" كما عند الطبري وقوله أنّه "قائم كأنّه جمل أورق" ينفي عنه صفة ضعف البدن على مقالة الواقدي ولا تجعله قصيراً بتوصيف البلاذري وأيضاً قوله "كأنّه جمل أورق" فذلك ينفي الصفرة أو شدّتها فيه فالأورق هو الأحمر وهكذا فإنّ مسلمة "رجل قائم كأنّه جمل أورق، ثائر الرأس" والصورة بمجملها تؤكّد "حيويّة ونشاط مسلمة لحظة مقتله". وإذا وقع التصحيف بأنّ مسلمة "أجهس" ولا معنى لهذه الكلمة وليس "أجهر" ومعناها أنّه جميل المنظر والجسم تبنّت المؤسّسة الإسلاميّة أنّه "أجهس" تكريساً للتلاعب، ومثالاً على هذا النهج وبوجه ما كان في ما بعد وكما ورد في مصادر الشعر العربي فإنّ خالد القسري طلب من الزهري أن يكتب له السيرة فقال له: "فإنّه يمرّ بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب، فأذكره؟ " فقال له خالد: "لا، إلاّ أن تراه في قعر الجحيم". ونقل الحلاّق من تاريخ الرسل والملوك مقالة مسلمة لسجاح خلال اجتماعهما التاريخي منسوباً أنّه من قرآنه: "إنّ الله خلق النساء أفراجاً، وجعل الرجال لهنّ أزواجاً، فنولج فيهنّ قسعاً إيلاجاً... فينتجن لنا سخالاً إنتاجاً". ويعلّق على ذلك إنّ هذا النصّ الذي "يختزل المرأة في الفرج" ويختزل الرجل في الذكر أو أنّه "فقط زوج" والغاية هي "الإستمراريّة في استنساخ الشكل" وتقول سجاح مع ذلك، وهي رأس قومها وقائدتهم وعقلهم المفكّر ونبيّتهم ورايتهم على العرب، والتي تمكّنت بقوّة شخصيّتها وتأثيرها من كسب أحياء انتشرت فيها النصرانيّة، حال سماعها هذا النصّ "أشهد أنّك نبي" وإصرار المؤسّسة الإسلاميّة على هذه الرواية الموضوعة قطعاً مثل رواية صفة "مسيلمة الكذّاب" الموضوعة أيضاً، ليس إصراراً على عدم احترام تدوين التاريخ والإستهانة بشخصيتين مؤثّرتين مثل مسلمة وسجاح وحسب بل أيضاً تعبّر عن عدم احترام واستهانة "اتّجاه القارئ المسلم والإصرار على اعتباره ساذجاً بلا عقل أوّلاً وتالياً.
ويقول المؤلّف جمال علي الحلاّق الذي يُكثر من المصادر أنّ مسلمة، وهو محور الكتاب الذي يقع في 190 صفحة من القطع الوسط وصادر عن منشورات الجمل، كان كما توحي مؤشّرات كاهناً انضمّ إلى الأحناف الذين منهم من دعى إلى "توحيد الأرباب في ربّ واحد" مثل زيد بن عمرو بن نفيل ومنهم من دعا إلى "توحيد الأديان والعيش ضمن منهج حياة واحد" مثل خالد بن سنان. والكاهن غير العرّاف الذي كانت رتبته أقلّ، والعرّاف "يعرف الأمور بمقدّمات أسباب يستدلّ بها وليس له رئي أو تابع أو شيطان، ويستخدم ذكاءه لاستنباط الحقائق، أي ينطلق من عنديّاته ولا ينتظر تابعاً يملي عليه" وهو بذلك أقرب إلى الحكيم الذي هو المثقّف عند العرب ثقافة جامعة لشتّى الألوان، وأبعد ما يكون عن "المعرفة التي تهبط من السماء" وعلى العكس فإنّ "تجربة الحكيم المعرفيّة ترتقي من الأرض إلى السماء" فيما الكاهن تختلف آليّات اشتغاله كليّاً فله من يعلّمه ويطلعه على الغيب مثل رئي أو تابع، أي يتّكئ على قوى خارجيّة لمعرفة المصير. و"النبوّة" إضافة معرفيّة "تحقّقت على مفهوم الكاهن، ولم تكن إضافة معرفيّة على مفهوم الحكيم" وأشتهر من العرّافين رباح عرّاف اليمامة والأبلق الأسدي عرّاف نجد، واشتهر من الحكماء المأمور الحارثي، واشتهر من الكهّانة شقّ وسطيح وعمران، وتدرّج مسلمة في الأحناف إلى أن صار مفهوم النبوّة أكثر تمثيلاً لليقين الأقصى في شبه جزيرة العرب، وصار مسلمة في مراتب صفاء النفس ليتحدّث في الغيبيّات، فأعلن نبوّته في عموم أمكنة تجواله وخصوصاً حيث يوجد حنفاء، وتبعته اليمامة وكانت تمثّل العروض التي تشمل الأحساء والبحرين وشبه جزيرة قطر، مثلما كانت صنعاء ـ لؤلؤة الساحل الجنوبي ـ تمثّل اليمن وهي التي ظهر فيها أحد الأحناف أيضاً وهو عبهلة العنسي نبيّاً، والذي كان له ملاك يُدعى "ذو النون" يوحي إليه، وذاته اغتاله المسلمون في حياة الرسول الذي رغب بذلك لتطلق عليه المؤسّسة الإسلاميّة بعد ذلك إسم "الأسود العنسي" وهي تسمية "لا تخلو من تمييز عنصري" مثلما كانت مكّة تمثّل الحجاز. وسمّيت نواحي اليمامة موطن بني حنيفة بالعروض لاعتراضها بين نجد واليمن.
ودعا مسلمة إلى عبادة ربّ واحد أطلق عليه اسم "الرحمن" قبل نبوّة محمّد بن عبد الله الذي دعا إلى عبادة ربّ واحد هو "الله" وكانت نصوص مسلمة تُقرأ حتى على الأريوسيين، وهم أغلب نصارى الجزيرة الذين كانوا يؤمنون أن المسيح رسول، أو هو "إنسان عادي تجلّت عظمته في أنّه نبي يوحى إليه من السماء". وانجذب الأريوسيّون إلى اعتقاد مسلمة أنّ الإنسان مخلوق على صورة ربّه وبالتالي فإنّ مسلمة كان أقرب إلى ربّ عيسى بينما اقترب محمّد بن عبدالله أكثر إلى ربّ موسى خصوصاً بعد فتح مكّة وهو الربّ الذي "لا يعمل إلاّ بعدله ولا يتساهل في أقلّ الحدود الرسميّة التي أقرّها" وكانت القراءة شائعة عند عرب الجاهليّة، وأثبت الدكتور ناصر الدين الأسد أنّ "الكتابة كانت شائعة عند عرب الجاهليّة شيوعاً يكفي لأن ينفي عنهم ما ألحقه بهم تاريخنا الأدبي من وصمة الجهل والأميّة" كما قيل أيضاً أنّ اللحظة التاريخيّة للتحنّف عند العرب "كانت في جوهرها لحظة قراءة وكتابة". وأضاف مسلمة نبيّاً إلى صلاة الأحناف، وهي صلاة قبل طلوع الفجر وصلاة قبل غروبها، صلاةً ثالثة هي صلاة الظهر. ومثل قس بن ساعدة الأيادي وأميّة بن أبي الصلت الثقفي كذلك مسلمة "لم ير وجوب التحريم في الإحتساء القليل المنظّم الذي لا يذهب بعقل المحتسي" على غير ما رأى زيد بن عمرو بن نفيل والنبي محمّد بن عبد الله. وكما يذكر "تاريخ الرسل والملوك" فإنّ مسلمة كان "يعتمد المشاورة مع أصحابه" في كلّ شاردة وواردة حتى ظهر للمتابع كأنّ المتبوع هو التابع والتابع هو المتبوع، ولم يرد في كتب الأخبار أنّ مسلمة حارب قوماً أو غزا غزوة بل كان يسعى إلى التحالف ويؤثِر التأثير لإنتشار نفوذه ولنشر عبادة الرحمن على الفرض والسيف "وهو عين منهج النبي في مرحلته المكيّة عندما كان شعاره "لا إكراه في الدين" وهو منهج كان سائداً في شبه الجزيرة العربيّة فالتسامح شامل والكعبة المكرّمة ذاتها ضمّت كما في "أخبار مكّة" تماثيل للمسيح ومريم وصوراً لإبراهيم واسماعيل و"الدين كان مسألة شخصيّة" والتدخّل في الشؤون الفرديّة لم يكن مستساغاً، وكان يهود ونصارى ومجوس في مكّة. ويُروى عن العاص بن وائل مجير عمر بن الخطّاب حين الأخير دخل في الإسلام قوله لقريش المتذمِّرة: "رجل اختار لنفسه أمراً فما لكم وله"؟ وكانت قريش ذاتها من قبل وكما ورد في "حياة الصحابة" تطالب أبا بكر أن يواصل تعبّده "دون الإساءة إلى الآخرين" ولكنّ مسلمة أجبر أخيراً على خوض ثلاثة حروب دفاعيّة شنّها عليه المسلمون بعد وفاة الرسول إبّان ما عُرف بإسم حروب الردّة. ويؤكّد المؤلّف، بمصادره، أنّ مسلمة بن حبيب الحنفي لم يلتحق بإسلام النبي كي يرتدّ، مثلما يؤكّد أنّ حروب الردّة لم تكن سوى حروب بين أطياف الحنفاء وشاءها الخليفة الأوّل أبو بكر "لإدخال العرب غير المسلمين في حظيرة الدين الجديد ولتأكيد منهج السيف كمنهج وحيد للإنتشار بعد فتح مكّة". وحتى استُخدمت الإبادة كوسيلة بذريعة هي "لجوء بعض الأتباع إلى اتّباع أنبياء آخرين بعد موت الرسول". وجاء في وصيّة أبي بكر لخالد ابن الوليد وقد توجّه لبني حنيفة بعد انتصاره على بني أسد وعطفان ما يشير إلى الحثّ على هذه الإبادة وقال له يوصيه: "فإذا لقيت القوم فأعدّ للأمور أقرانها، فإن أظفرك الله بهم فإيّاك والإبقاء عليهم، أجهز على جريحهم واطلب مدبرهم واحمل أسيرهم على السيف، وإيّاك أن تخالف أمري، والسلام" (مختصر سيرة الرسول: 186). ويورد الشيخ محمّد بن عبد الوهاب نقلاً عن الواقدي أثناء حديثه عن حرب خالد بن الوليد مع بني أسد أنّ خالداً "جمع الأسرى في الحظائر ثمّ أضرمها عليهم فاحترقوا أحياء".
خاض مسلمة ثلاثة حروب دفاعيّة شنّها عليه المسلمون، وانتصر في حربين، وكانت الأولى تحت راية عكرمة بن أبي جهل، والثانية تحت راية شرحبيل بن حسنة، والثالثة انتهت بمقتله في منطقة عكرماء تحت راية خالد ابن الوليد. ورثاه "بعض بني حنيفة" وهو "ابن الأكرمين أبا" قائلاً: " لهفي عليك... \ كم آية لك فيهم \ كالشمس تطلع من غمامة". وقام أخيراً عبدالله بن مسعود، خلال عهده في الكوفة، بإتلاف آخر نصوص مسلمة، وكانت متداولة سرّاً وهي "صحيفة معجبة فيها ذكر وحمد وثناء على الله" حيث "دعا بماء فغسل تلك الصحيفة". وتلاشت أخبار سجاح، ليظهر الإسلام، بعد القضاء المبرم على كافّة أطياف "الأحناف" الأخرى كأنّه "انطلاقة هائلة من فراغ".
Shawki1@optusnet.com.au
0 comments:
إرسال تعليق