دلالات فوز روحاني في الانتخابات الإيرانيّة/ زهير الخويلدي

"لم لا نحاول إيجاد علاقة جديدة مع الوجود بذهابنا إلى أبعد من الحاضر، وذلك بالتسلح بنقد الحداثة والتراث معا، وأن نكون أصحاب رؤية جديدة نقيم على ضوئها حضارة جديدة، وأن نمثل نحن مرحلة جديدة في حياة الإنسان...؟". (محمد خاتمي)
لم تمر الانتخابات الايرانية الأخيرة جوان 2013 دون أن تسجل مفاجئات وتتمثل في انتصار المعتدل  حسن روحاني منذ الجولة الأولى بعد أن بارك ترشحه الرئيسان السابقان هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. وهو ما انعكس ايجابيا على البورصة في طهران وحقق نوعا من الانفراج السياسي بعد حقبة من التوتر مع العالم الغربي بسبب البرنامج النووي والتهديدات الايرانية لدول الجوار الخليجية ودعم المقاومة والأزمة الاقتصادية عندما حكم فيها المحافظون لفترتين تحت قيادة الرئيس المتخلي أحمدي نجاد الذي اتصف بالتواضع والتعاطف الشعبي وترك بصمته على الادارة والسياسة وتميز بالعناد وصعوبة المراس في القضايا المصيرية وتمسك بثوابت الدولة. بيد أن فلسفة الاصلاحيين الفائزين في الحكم لا تخرج عن نظرية ولاية الفقيه التي تمثل مرجعا روحيا مشتركا مع المحافظين ولكنهم يضيفون اليها الديمقراطية بوصفها حاكمية الأمة على حد تعبير الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي يقترح تشريكا واسعا للناس وإعطاء دورا كبيرا للشعب في ادارة الشأن العام وفي الحكومة الدينية ويقترح مصالحة بين الدين والحرية ويجعل احترام الدستور أرضية نحو تسيير اللعبة السياسية بشكل عقلاني ويعول على حرية الصحافة والإعلام في نشر القيم الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة واحترام مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ويؤمن كذلك بنزع فتيل الكراهية بين الشعوب ويستبدل الصراع بالحوار بين الحضارات والتقريب بين المذاهب ومحاولة فهم الآخر والتواصل معه بدل الهيمنة عليه والسعي نحو استيعابه وتدجينه كما تفعل العولمة المتوحشة بالاختراق والاستقطاب.
من هذا المنطلق كان المتشرح الاصلاحي روحاني في حملته الانتخابية قد انتقد تغوّل الدولة الأمنية والرقابة المفرطة على جمعيات المجتمع المدني ومنظمات الطلبة وحاول الاستفادة من حالة السخط من النظام أثناء احتجاجات 2008 التي  قادها الشباب والنساء واستعملوا وسائل الاتصال الحديثة في الرفض والمعارضة والتي كشفت عن أزمة عميقة في المجتمع الايراني وانسداد الآفاق. في هذا السياق دعا الى ايلاء عناية أكبر لوضعية المرأة وإعطاء حقوق النساء وإنشاء وزارة خاصة بالمرأة وأكد على أهمية تحرير الاعلام من الرقابة وتشجيع حرية التعبير وإبداء الرأي والنقد والمحاسبة ومعالجة آفة البطالة. علاوة على ذلك نصص على تبني خطة اقتصادية رشيدة تتخلص من مشاكل التضخم ( نسبة 30 %) والتفاوت بين الجهات في التنمية وأشار الى ضرورة اجراء اتفاق مع الغرب حول الملف النووي وانهاء العزلة وتجنب المواجهة.
الآن وبعد فوز لكبير المفاوضين الايرانيين في الملف النووي ورئيس سابق لمجلس الأمن الوطني  باستحقاق بنسبة 51 %  من الناخبين وبعدد من الأصوات بلغ 18,6 مليون على حساب عمدة طهران محمد باقر قاليباف بنسبة 16 % من الناخبين  يجدر بنا البحث عن الدلالات والمغزى من هذا الحدث الهام والذي سمح بالانتقال الهادىء للحكم من جناح محافظ الى جناح آخر منفتح والتساؤل عن مستقبل الجمهورية الاسلامية الايرانية في ظل حكم الاصلاحيين.
هناك عدة دلالات من عودة المعتدلين الى الحكم يمكن أن نذكر منها ما يلي:
-         الدلالة الأولى هي الاختيارات الوسطية والمعتدلة للرأي العام وبالتالي نجاح ايران في ترسيخ تقاليد ديمقراطية ذات خصوصية محلية وتلقى تأييدا شعبيا وتحظى باحترام دولي وذلك لتوافقها مع المعايير الدولية بالرغم من بعض التجاوزات.
-         التداول السلمي على السلطة والانتقال السلس للحكم من تيار محافظ الى تيار معتدل ساهم في تكريس التعددية ومنع من احتكار تصريف شؤون المجتمع من قبل طرف دون آخر، وعودة أصوات العقل والحكمة من المعتدلين والاصلاحيين الى المشاركة في صنع القرار وبناء الدولة والقيام بدورهم في المجتمع بعدما تعرضوا الى الاستبعاد والتضييق.
-         وجود مؤسسات حكمنة مستقلة تحرص على الحياد والوقوف على نفس المسافة من الأحزاب وتتحكم في قواعد اللعبة وشروط المشاركة وتحرص على تحقيق التوازن بين المتنافسين والسلطات وتجسد الجانب العقلاني للدولة وتمثل المصلحة العليا للأمة.
-          تحول ايران الى قوة اقليمية تتمتع باسقلالية القرار السيادي الوطني وامتلاكها لوسائل انتاج المنعة وخاصة على الصعيد علوم التقنيات والإعلامية والبرمجيات.
-         امكانية فك العزلة وتجاوز حالة الانكماش واجراء حوار مع العالم الغربي والقيام باصلاحات داخلية وتنقية الأجواء السياسية وتوفير مناخ من الحريات والحقوق.
-         تسجيل رغبة الايرانيين في اتباع مسار أكثر اعتدالا ومعقولية في الداخل وسياسة عادلة ومنفتحة مع الخارج والذهاب الى المستقبل بآمال أكثر اتزانا وبآفاق أكثر استشرافا ولعل خير دليل على ذلك هو ارتفاع نسبة المشاركة في الاقتراع الى 70 % من الناخبين.
-         استبدال خيار المواجهة الاحتجاجية الشاملة مع السلطة بخيار الاحتكام الى صناديق الاقتراع في حلبة الصراع السياسي على الحكم واعتبار هذا الخيار طريقة عقلانية تجنب الدولة المزيد من الضعف والفوضى ويبعد المجتمع عن التفكك والتمزق.
-         اعطاء أولوية لمعالجة المشاكل المتراكمة في الداخل الايراني والشأن الوطني على حساب الحضور الاقليمي وعقلنة التدخل في القضايا الخلافية الدولية والحرص على دعم المقاومة ضد السياسات الامبريالية والعدوان الصهيوني والأنظمة الرجعية.
فهل يفي الرئيس الجديد بوعوده للشعب الايراني ويسير بدولته نحو بر الآمان في ظل التحديات الكبيرة؟ كيف يمكن أن يعالج قضايا عالقة تخص حرية الملاحة بمضيق هرمز والأمن بالخليج العربي والحدود مع افغانستان والعراق وجزر أبى موسى المتنازع عليها مع دولة الامارات؟ ومتى يمنح الحقوق الاثنية للأكراد والأحواز والتاجيك والسنة ويسوي ملفات حقوق الانسان المحرجة بمخيمات اللجوء السياسي لحركة مجاهدي خلق بالعراق وخاصة مخيم"أشرف"؟ والى أي مدى يجوز له أن يدافع على الحقوق العقائدية والسياسية للأقليات الشيعية في العالم؟ وماهي صورة ايران الجديدة التي يصممها الرئيس روحاني في المشهد السياسي الدولي؟ وهل ستتعمق الهوة من العرب أم تزيد ايران من درجات قربها منهم وتناصر قضاياهم العادلة ؟

كاتب فلسفي

CONVERSATION

0 comments: