ابن صديقي/ عبدالقادر رالة

لم أكن أتصور أبدا أن ملاحظة عابرة تتسبب في كل ذلك الشجار، وتجعلني أسمع كلاما لاذعا من طرف مراهق هو في مثل سن أبنائي !
لم يخطئ الأولون لما قالوا أن من يتدخل فيما لا يعنيه يسمع ما لا يرضيه !
لكن تدخلي لم يكن بهدف سيئ وانما أردت من ذاك المراهق أن يقلع عن تلك العادات السيئة والكلام الفارغ الذي كان يملأ به الشارع...واعتقدت أنه مثل المراهقين الأخرين فإن لم يقتنعوا بصواب النصيحة وبوجهة نظري ينصتون صامتين ولا يجادلون...
لكنه جادلني وأسمعني من صنوف عدم الاحترام، والأخطر انه أخلط بين الحرية الشخصية وحرية الأخرين، فهو لم يرد أن يقتنع أن حريته تضر المجتمع أو بعضا منه ،لم يستطع أن يستوعب أن حريته تنتهي حيث تبدأ حرية الأخرين، وأي حرية يتبجح بها وأمثاله ، فمن يراه يعتقد أنه مهرج، مهرج مثل كل المهرجين الذين نستمتع بحركاتهم! مهرج في الكلام الأعوج الخالي من أي معنى، ومهرج في اللباس وتسريحة الشعر....
ولما جرحني ببعض كلامه أمام الناس أردت أن أدق عنقه ،لأن طويل اللسان دائما ضعيف العضلات ! لكن الناس نصحوني: اضرب الكلب وانظر الى صاحبه!
فربما والده انسان طيب ، رددت غاضبا : لا اعتقد فالطيب لا ينجب الا الطيب!
ورغم ذلك عملت بنصيحتهم ....ودققت على الباب...فخرج لي صديق قديم لم ألتقيه منذ زمن طويل حتى كدت انساه لولا ابتسامته ونظرته.. زمن طويل لم نلتقى رغم أننا نسكن مدينة واحدة...لما رآني ابتسم ثم اقترب مني يعانقني أما انا فانفجرت مقهقها....
وقلت : قبل أن تسلم علي...لا تقل أن هذا هو ابنك الذي انقذته من الحفرة التي وقع فيها ذاك العام ونحن نتجول عند الجدول..
ـ نعم... وهو مدين لك بحياته...ودائما احكي له عنك فيتشوق لرؤيتك ولقائك ، ويعزمك على عشاء فاخر يدفع هو مصروفه.....
ـ يا له من لقاء سيئ!
وارتمى ذاك المراهق يحتضنني ويقبلني ويطلب مني الصفح أسفا، وصديقي غير فاهم لشئ...
ـ أرجوك سامحني...لم أكن أعرف أنك صديق والدي الأثير!
ـ لم أطلب منك شيئا...سوى أن تحترم الجميع.. وبالأخص الأكبر منك سنا..
احترام الكبار أمر مقدس لا نقاش فيه...هكذا تربينا أنا وأبوك ...
ـ لكن يا عمي...نسيتم توقير الصغير...جيلكم لا يوقرنا ويقول أن لا خبرات لنا.. ولا يتفهم احاسيسنا...ولا عواطفنا ... لكل جيل زمانه ، ولكل زمن أولاده...
ـ أعرف...لكن يا ابن صديقي ، أنا لم أطلب سوى الاحترام... الاحترام بين الاجيال مهم... كما نحترم عظماء التاريخ وعلماءنا الكبار.. أنا مثلا احترم ابن خلدون رغم أن الفارق الزمني بيننا هو ستة خمسة قرون...أو....
قاطعني صديقي:ـ اتركه! لا يشعر بصواب كلامك الا لما يصير له أولاد فيتعذب لما يجدهم لا ينصتون اليه لأنه لا ينصت لي...الآن...تصور أنه يقول أن كلامي كله خطأ لا لشيئ سوى أن شبابي وطفولتي كانت خالية من الانترنت الهاتف النقال...
ولما ابتعدت عنهما قليلا لحقني ذاك المراهق...
ـ عمي أين تفضل تناول الغداء غدا في البيت أو المطعم...
قلت مندهشا:ـ فهل تفتخر بهذا الزمان الذي تدعوا فيه احبائك الى لمطعم...يا له من زمن...
ـ فقط قل...لا داعي للنقاش....
ابتسمت وقلت:ـ منذ مدة طويلة جدا لم أذق أكل والدتك...
ـ اذا غدا...إننا في انتظارك على الساعة الحادية عشر صباحا... ان شاء الله...
الجزائر

CONVERSATION

0 comments: