ربما في هذه الزيارة أو الجولة الخامسة لوزير الخارجية الأمريكي كيري تحط رحاله بشكل نهائي،فهو لن يستطيع إستحلاب الثور،فالقراءة الواقعية والمتأنية بعيداً عن التطير،تقول بأن القيادة الإسرائيلية الحالية،هي أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً وهي جاءت للحكم على أساس مواصلة الإستيطان وأرض"اسرائيل" التوراتية،
وبالتالي هي ليست جاهزة او مستعدة لتقديم تنازلات تلامس الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني(دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران/1967)،او متناقضة مع البرنامج الذي وصلت على أساسه للحكم،فهي بموافتها تلك تكون قد حكمت على نفسها بالإنتحار السياسي،واليوم التطرف القومي والديني في المجتمع الإسرائيلي في اعلى درجاته،ونحن نتلمس ذلك في الحرب التي تشن على الشعب الفلسطيني على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية،
فكل يوم هناك إعتداءات على المواطنين العرب الفلسطينيين من قبل ما يسمى بمجموعات "جباية الثمن" والمستوطنين،وكذلك حكومة الإحتلال تنفذ عمليات تطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني في اكثر من مكان القدس والنقب وغيرها.والقيادة الأمريكية ومعها توابعها من دول الإستعمار الغربي،ليس لديها الجرأة لفرض حل يتعارض مع رغبات ورؤية ومصالح اسرائيل،ولذلك فكيري الذي بدأ يخفض من سقف توقعاته، سيحاول العودة الى ادارة الأزمة من جديد، حتى يحفظ ماء وجه وخصوصاً انه قال بانه سيستحلب "الثور" وس"يخرج الزير من البير" وسيحقق ما عجز اسلافه عن تحقيقه،ومن هنا وجدنا ان الحديث والطرح بدأ بالإتجاه والإنزياح نحو حلول سابقة كلها لا تحمل عنواناُ ولا تشكل وصفات لإنهاء الإحتلال،بل إدامته وتكريسه وإستمراره،فاليوم يعود الحديث عن خطوات بناء الثقة و"السلام" الاقتصادي والدولة ذات الحدود المؤقتة،وهذه الحلول كلها رفضت من قبل الشعب الفلسطيني سابقاً،فالشعب الفلسطيني يريد حرية وتحرر من نير الاحتلال وإقامة دولته المستقلة،لا شرعنة وتكريساً للإحتلال ورشوات إقتصادية،ولذلك جاء جس النبض من قبل كيري مدعوماً من اطراف عربية واقليمية ودولية،خلال مؤتمر دافوس الاخير الذي عقد في الأردن،والذي طرح فيه السلام الاقتصادي كمدخل للحل السياسي،ورصد أربعة مليارات من الدولارات على مدار ثلاث سنوات من اجل اقامة مشاريع"تنموية" فلسطينية،وبالملموس مقايضة الحقوق الوطنية الفلسطينية وانهاء الاحتلال،عبر الهاء الشعب الفلسطيني بمجموعة من المشاريع الإقتصادية الاستهلاكية وتعميق التبعية لمؤسسات النهب الدولية صندوق النقد والبنك الدوليين، فالتنمية تحت الإحتلال وبدون سوق وجغرافيا موحدة وفي ظل حواجز وجدران عازلة غير ممكنة إن لم يكن مستحيلة،ولذلك ربما يحاول كيري خلق مقاربة جديدة من خلال محاولة إقناع القيادة الإسرائيلية الموافقة على إطلاق مجموعة من الأسرى القدماء،وتجميد مؤقت لربما لأسابيع للإستيطان وخارج القدس،بما يسهل عليه مهمته وعلى القيادة الفلسطينية العودة الى طاولة المفاوضات،فقضية الأسرى تمس عصب المجتمع الفلسطيني،وتحقيق اختراق فيها الى حدا ما من شأنه ان يسلح القيادة الفلسطينية بموقف يجعلها قادرة ان تعود الى المفاوضات،حافظة جزء من ماء وجهها،وخصوصا انها قالت وتقول بانها لن تعود الى المفاوضات بدون وقف الاستيطان او الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران واطلاق سراح الأسرى على الاقل القدماء منهم.
نحن ندرك انه في ظل المتغيرات على الساحة العربية،وما نشهده من انسحابات لكل دولة عربية بفضل ما يسمى"الربيع العربي" ما بعد الخريف العربي الى همومها وشؤونها الداخلية،بان هناك تراجع بالاهتمام على المسرح العربي والدولي بالقضية الفلسطينية،ولتصل الامور حد ان تقوم مشيخة ميكروسكوبية عربية تملك النفط والمال،بالسطو على القرار والقضية الفلسطينية،وتطرح حلول لها في جوهرها تشكل تصفية للمشروع الوطني الفلسطيني وتفكيك للقضيته الوطنية،وهذا المتغير العربي يصاحبه ضغوط أوروبية غربية كبيرة تمارس على القيادة الفلسطينية المتشبثة بخيار المفاوضات على قاعدة"عنزة ولو طارت"، دون ان تبحث بشكل جدي عن خيارات اخرى،فحتى خيارها التفاوضي هذا يفترض تقوية العامل الذاتي الفلسطيني،وليس الإستمرار في ضعفه المتسارع من حيث تكريس وشرعنة الانقسام الجغرافي ووجود سلطتين وغيرها...الخ،واظن انه بفشل جولة كيري الخامسة ستطرح اسئلة كبيرة على ضوء ذلك،ممكنات حل الدولتين بعد انغلاق الافق السياسي..؟؟وما هو العمل وما هي الخيارات الفلسطينية الممكنة..؟؟.
وأظن بان كيري في جولته الخامسة والتي أرى انه بها سيختتم دبلوماسيته السياسية،سيحاول إستقطاع المزيد من الوقت،من خلال جلب السلطة الفلسطينية الى مفاوضات تجريبية جديدة من خلال بعض خطوات بناء الثقة الإسرائيلية،لإطلاق عدد من الأسرى القدماء ورشوات اقتصادية وغزالة عدد من السواتر الترابية وفتح طرق،وإظهار بان هناك حركة سياسية لمركزية القضية الفلسطينية،فما يشغل كيري وامريكا واسرائيل والغرب الإستعماري والعديد من الأطراف العربية والإقليمية،ليس حل القضية الفلسطينية،بل تخفيض حدة الصراع ومنعه من الخروج عن الإيقاعات الأمريكية والإسرائيلية،حتى يتسنى لهم معالجة الملفات الساخنة في المنطقة الأزمة السورية وسلاح حزب الله والملف النووي الإيراني،فهذه الملفات وما ستؤول الأمور فيها إليه،ستعكس نفسها على كامل المنطقة لجهة تعزز وسيطرة المشروع الأمريكي – الصهيوني على المنطقة العربية لمئة عام قادمة،وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية،او تراجع وإندحار المشروع الأمريكي- الصهيوني،والبحث عن حل يلبي الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
كلا الطرفين يلعبان لعبة علاقات عامة في قضية المفاوضات الإسرائيليين،غير الراغبين في تقديم أية تنازلات جدية او جوهرية،والفلسطينيين المدركين لعبثية المفاوضات،ولكن ربما تكون الأمور بعدم الرغبة بالظهور بالرافض للجهود الأمريكية او المفشل لها سبباً للقبول بالعودة إليها،ولكن هذا ليس بالمبرر للإستمرار بالمقامرة والتجريب في حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته الفلسطينية،عبر خيار ونهج ثبت عقمه وفشله خلال عشرين عام مضت.
0 comments:
إرسال تعليق