تلك الصرخة المدوية التي اطلقها الإمام الخميني في 7/8/1979،بإعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، يوماً للقدس العالمي،يوماً تخرج فيه الجماهير العربية للشوارع والساحات والميادين العامة للتعبير عن غضبها والإحتجاج على تتعرض له المدينة من عمليات"إغتصاب" وتطهير عرقي،تطال كل معالم الوجود العربي الفلسطيني فيها ،فالفلسطيني في هذه المدينة،يمسي ويصبح كل يوم على قوانين وقرارات وإجراءات وممارسات اسرائيلية عنصرية جديدة،كلها تصب في خانة خدمة المشروع الصهيوني الرامي الى تهويد المدينة وأسرلتها،ومن اجل الإجهاز على المدينة بشكل كامل،ليس بغرض تحويلها عاصمة لدولة الإحتلال فقط،بل لكل يهود العالم،في عملية سطو وتزوير للتاريخ لم يعرف لها التاريخ البشري مثيلاً،إحتلال يسعى لتغير ملامح المدينة وكل اوجه الحياة فيها،يزور تاريخها ويسطي على ثقافتها وتراثها وآثارها وحضارتها ومقدساتها،ويريد ان يقصي سكانها الأصليين عن الوجود ويفض ارتباطهم بمدينتهم وهويتهم.
منذ الصرخة المدوية التي أطلقها المرحوم الإمام الخميني قبل أربعة وثلاثين عاماً من أجل القدس،جرت في النهر مياه كثيرة،استمرينا نحن العرب والمسلمين،نحيي تلك الذكرى بالشعارات والهتافات والمسيرات والمظاهرات والتي جزء منها مدجن،وتسمح به الأنظمة تحت أعينها وسقفها،لكي تمتص غضب الجماهير،ومن اجل التفريغ والتعبير عن غضبها وعواطفها ومشاعرها،في حين استمر الإحتلال بالعمل،يوصل الليل بالنهار،من اجل ان يحكم سيطرته على المدينة،حيث زرع في قلب كل حي وقرية عربية مستوطنة،ولم يكتفي بجدران الفصل العنصري والأطواق الإستيطانية الخارجية،بل عمد الى تقطيع اوصالها وجغرافيتها على المستوى الداخلي،من خلال إقامة المستوطنات في قلب الأحياء العربية،والتي تمنع تواصلها الجغرافي مع القرى والأحياء العربية المقدسية المحيطة،وصعد من عمليات هدم المنازل،بحيث لم تعد فقط مقتصرة على عمليات الهدم الفردي،والتي طالت منذ بداية الإحتلال اكثر من (2000 ) منزلاً فلسطينياً،بل أصبحت الهجمة والحملة تطال احياء بكاملها،كما هو حال حي البستان في سلوان،حيث خطر الهدم والتشريد يتهدد اكثر من (89) منزلاً و(1500) مواطن فلسطيني،وليس فقط الهدم،بل الإستيلاء على احياء فلسطينية بكاملها،كما هو الحال في حي الشيخ جراح وكبانية ام هارون،ناهيك عن الإستيلاء على البيوت والممتلكات العربية والفلسطينية،تحت حجج وذرائع قانون ما يسمى باملاك الغائبين،او إدعاء الملكية لليهود،او عبر عمليات الإحتيال والنصب والتزوير والتواطؤ والتنسيق ما بين الجمعيات الإستيطانية والمستوى السياسي والقضائي الإسرائيلي،أو عبر العديد من السماسرة وضعاف النفوس أفراد ومحامين ومهندسين ورجال أعمال وغيرهم،الذين يتولون عمليات تزوير الملكية لصالح تلك الجمعيات الإستيطانية،ولم تكتفي اسرائيل بذلك،بل شددت من إجراءاتها وممارساتها القمعية لتضيق الخناق على المقدسيين،من خلال فرض الضرائب بأشكالها وتسمياتها المختلفة عليهم،والتدخل في ادق تفاصيل وشؤون حياتهم،في مخطط واضح المرامي والأهداف،طرد وتهجير المقدسيين عن مدينتهم،حيث جرى سحب اكثر من (14000) هوية مقدسية،منذ بداية الإحتلال وحتى الان،تحت ذريعة،عدم قدرة المقدسيين اثبات مكان إقامتهم في القدس،ولم يكتفي الإحتلال بذلك،بل عمد إلى إصدار بطاقات هويات جديدة،تحدد فيها إقامة المقدسيين في مدينتهم بعشر سنوات،كمؤشر خطير على ما يهدف إليه الإحتلال،من شرعنة لعملية الطرد والتهجير.
واذا ما نظرنا إلى ما يجري على صعيد الأقصى،فنجد ان خطر التقسيم الزماني والمكاني له،لم يعد مجرد شعار أو خبر او تصريحات صحفية إسرائيلية،بل المسألة اخذت تتجه نحو التطبيق العملي لهذا المخطط،،فهناك تشريعات وقوانين يجري سنها على المستوى القانوني والقضائي الإسرائيلي من أجل السماح لليهود والمستوطنين بالصلاة في الأقصى،وتخصيص اوقات واماكن لهم،وما يقوم به المستوطنين وجمعياتهم الإستطيانية بدعم ومشاركة المستوى القضائي والأمني،من إقتحامات يومية بمشاركة قيادات سياسية وحزبية،خير دليل على ما يرمي ويهدف إليه الإحتلال،ويترافق كل ذلك مع إقامة العديد من الكنس والمراكز التجارية الصهيونية بالقرب من المسجد الأقصى،والإستمرار بالحفريات أسفله ومن حوله لهذا الغرض.
منذ صرخة الإمام الخميني،وحتى اللحظة الراهنة،اسرائيل تضخ مليارات الدولارات من اجل تهويد المدينة،وزرعها بالمستوطنات،ونحن نعقد القمم العربية والإسلامية حولها،وتجتمع اللجان المسماة باسمها،وتقر دعماً للقدس،لا يصل منه إلا النزر اليسير،وأغلبه يتبخر بعد إنتهاء تلك القمم وإجتماع تلك اللجان.
القدس تضيع،ونحن نسير على نفس النمط والوتيرة والنهج"جعجعات" و"هوبرات" إعلامية وتصريحات ومقابلات صحفية،وشعارات وبيانات شجب وإستنكار،ونخوض جدال بيزنطي حول جنس الملائكة ذكر ام انثى.
نحن بحاجة الى الخروج عن ما هو مألوف،نحن بحاجة الى مواقف عملية،تخرج عن كل الأشكال والسياقات القديمة،بدل المبالغ التي تصرف للصراخ والهتاف وغيرها،تبرعوا بتلك المبالغ من اجل شراء منازل وبيوت وعقارات ووقفها،تبرعوا من اجل إقامة مشاريع إسكان في القدس،تحمي الأرض من خطر المصادرة،تبرعوا من اجل بناء مدارس في القدس،تثبت الطلبة في مدينتهم،وتحمي ذاكرتهم ووعيهم من خطر التشويه والإحتلال،فإحتلال الوعي يعادل إحتلال الأرض.
الإمام الخميني أطلقها صرخة مدوية،حولوا صرخة هذا الإمام الى أفعال حقيقية،فالتاريخ لن يرحم احدا منكم في حال ضياع القدس،وبدل الأموال التي تصرفونها على تدمير بلدانكم،وقتل أبنائكم بها،يا ليت لو تصرفون الجزء اليسير منها لدعم صمود المقدسيين وبقائهم في قدسهم وعلى أرضهم.
0 comments:
إرسال تعليق