هل أصبح الحيوان أقل شراسة وأكثر حبا من الأنسان؟/ بقلم : أنطوني ولسن

هذا السؤال الذي اتخذته عنوانا لمقالي هذا ، ما هو إلاّ محاولة مني أحاول فيها المقارنة بين الحيوان المفترس والأنسان . ولا عجب في هذا . لأننا عن طريق التكنولوجيا الحديثة نستطيع أن نشاهد أفعال كلا منهما على حده عن طريق الأقمار الصناعية التي أصبحت تملأ سماء الكرة الأرضية ، وتنقل عبر " التلفاز " ووسائل الأرسال الأخرى ما سجلته عدسات الأقمار الصناعية و " التلسكوبات " وإمكانية التصوير المباشر سواء للحيوان أو الأنسان .

إذن إستطاع الأنسان أن يرى ويشاهد ما تلتقطه أدوات التقدم العلمي فيرى الواقع الذي يحيطه على الرغم من البعد الهائل بينه وبين الحدث . ومن هنا يتعجب هذا الأنسان لما يرى ويسمع ويشاهد حتى السموات السبع وما قد يكون بعدهم .

نعرف جيدا الكثير عن الحيوانات المفترسة التي لا هم لها سوى إشباع غريزة الجوع عن طريق القتل والقتال سواء مع الفريسة أو مع مجموعة يحاول الحيوان المفترس نهش فريستة من وسط المجموع . سأنقل لكم بعضا مما شاهدت ولم أنساه.

** لبؤة ذهبت الى مكان للقرود وتربصت لقردة كانت بعيدة عن الباقين . هجمت عليها ونشبت نيابها في عنق القردة وسحبتها بعيدا عن أعين الباقين .

أثناء السحب خرج من بطن الأم قرد صغير فلفت نظر اللبؤة ، مما جعلها تترك الأم وتنظر ألى المولود بنظرة الأم الحنون . أخذت تلعق بلسانها القرد المولود وتحاول تهدئته برعايتها له .

لكن إكتشف باقية القرود غياب القردة الأم فأخذوا يبحثون عنها .

شعرت اللبؤة بقربهم منها . فزحفت على بطنها وتركت القرد المولود واختفت في الغابة .

** لبؤة أخرى رأت غزالا صغيرا فجرت لأصطياده . شعر الغزال الصغير بها فأسرع بالهرب . أغاظها فعله فجرت خلفه بكل قوتها ، وحاول الهرب بقدر استطاعته . أخيرا وقع بين مخالبها . أقول لكم الحقيقة أنني هممت أن أوقف الفديو تأثرا لما قد يحدث لهذا الغزال الصغير .

لكن لهول المفاجأة لم أفعل . والمفاجأة كانت احتضان اللبؤة للغزال الصغير ونومها على جنبها واللعب معه وسمحت له بالرضاعة من ثديها .

فهل يمكننا أن نقول أن هذه اللبؤة الأم لا تحمل بين ضلوعها قلب الأم ؟ أعتقدلا .

** هاجم أسد " جاموسة " كانت ترعى بعيدة عن رفاقها . فلما جرت وصرخت سمع صراخها رفاقها فأسرعوا لنجدتها وهجم كل واحد وواحدة منهم على الأسد بقرونهم وأخذوا يرفعون الأسد بقرونهم ويقذفون به على الأرض ويعاودون فعل ذلك حتى هرب الأسد واختفى أيضا في الغابة .

** قام شاب بتربية أسد صغير في الأرض التي يمتلكها . شاهدنا الصور التي توضح تلك العلاقة التي بين الأسد والشاب حتى كبر الأسد ورأي الشاب أن يطلق صراحه ليعيش حياته الطبيعية . وضع الشاب سورا حول الأرض حتى لا يعود الأسد مرة أخرى إليه .

بعد ما يزيد عن عام ذهب الشاب الى المكان الذي ربى فيه الأسد وهو شبل صغير حتى كبر وأصبح أسدا فأطلق سراحه .

لم يكن الأسد بعيدا عن المكان . ولم يكن أيضا بمفرده ، بل كانت معه زوجته . يبدو أنه " الأسد " قد لمح صاحبه فجرى ناحية المكان ووثب على السور . مد الرجل يده على رقبة الأسد ثم فتح الباب فوثب عليه الأسد محتضنا إياه بكلتا قدميه الأماميتين وهو يلعق وجهه مرحبا به فرحا برؤيته .

الأغرب أن اللبؤة زوجة الأسد جاءت وتمسحت بالشاب الذي أخذ يربت على ظهرها فرحا بها وهي فرحة به وتهز له ذيلها علامة الأمان .

** شاهدت على موقع التواصل الأجتماعي " الفيس بوك " كلبا صغيرا ميتا وملقى على أرض رملية . ويبدو أن بعضا من الناس كانوا يقفون قرب الكلب الميت دون أن نراهم .

مر كلب كبير أمامهم ورأي الكلب الميت . توجه صوبه وأخذ يزيح الرمال بأنفه وفمه ليغطي بها الكلب الصغير الميت .

بعد ما تم له ما فعل بتغطية الكلب بالرمال ، أدار ظهره ومضى في طريقه بعد أن قام بواجبه مع كلب لا يبدو أن هناك صلة تجمعهما .

شرد عقلي واستعاد قصة ذلك الحلاق الفقير في إحدى قرى الصعيد عندما هجم على منزله عدد من جماعات التكفير وطالبوه بدفع " الجزية " . لكن الحلاق الفقير والكبير في السن لم يكن يملك المال ليدفعه لهم .

سحبوه وسحلوه في الشارع أمام مرآى ومسمع الناس ثم أخذوا يضربونه بوحشية حتى فارق الحياة . تركوه جثة هامدة ملقى في الشارع لمدة ثلاثة أيام لم يجرؤ إنسان على الأقتراب من الجثة . إنسان شهم عندما رأي الجثة وعرف أنها لمسيحي أسرع الخطى الى الكنيسة وهو المسلم طالبا منهم مساعدته في دفن الضحية . تم له ذلك ، وتم دفن الرجل الحلاق الفقير .

لكن ما لا يصدقه عقل بشري ، فوجيء الناس بذهاب تلك الجماعات إلى القبر واستخراج الجثة وإلقاءها في الطريق العام . الغريب أنهم أخذوا يطلقون الرصاص على جثمانه .. جثمان رجل مات على أيدهم .

كانت أسرة الحلاق قد هربت وفرت بعيدا حتى لا يلحقها أذى مثلما حدث مع عائلهما الأب الجد كبير السن .

في نفس الأحداث أستشهد ضابط برتبة كبيرة في منطقة أخرى . احتفلت الرئاسة والحكومة بتوديعه الوداع اللائق به ، وهو يستحق كل تقدير لأنه مات واستشهد دفاعا عن الوطن . أما الحلاق اسكندر لم تهتم الدولة به ولا بأسرته ولا حتى محاولة القبض على الجناة ومحاكمتهم . السبب بسيط جدا .. الرجل لا قيمة له في نظر المسئولين . والله يرحم شهداء الغدر والوحشية التي فاقت وحشية الحيوانات المفترسة .

** قصة كلب وقلم :

في إحدى القرى الأوربية رجل ثري يعيش بمفرده وكلبه الذي رباه .

استمرت العلاقة بينهما بشكلها المألوف بين الحيوان المخلص وصاحبه الذي لا ولد عنده ولا زوجة أو أحفاد .

أصيب الرجل بمرض أفقده النظر فخضع لعلاج طويل مما جعل الطبيب المعالج ارسال الكلب الى متخصصين في تدريب الكلاب على مساعدة فاقدي البصر .

استمر الحال على هذا المنوال إلى أن حدثت المعجزة وعاد الرجل إلى الرؤيا . لكن الكلب استمر يتعامل معه كأعمى مما أغاظ الرجل وقرر التخلص منه .

أخذ الكلب وخرج وذهب الى " جسر " القرية " الذي يصل ناحيتي " القرية " بعضهما البعض دون استخدام وسائل العبور بين ضفتي النهر . هناك حاول أن يلقي بالكلب في النهر ويتخلص منه .  لكن الكلب قاوم بشدة والرجل مستمر في محاولته . فجأة قفز الكلب من فوق سور " الجسر " الى النهر .

فرح الرجل على تخلصه من الكلب وعاد الى منزله هاديء البال مستريح الضمير بعد أن تخلص من الكلب الذي لا يريد أن يفهم أن صاحبه قد عاد اليه بصره . ومع ذلك شعر بالحنين الى صديقه الوحيد في القرية وبدأت علامات الندم تضايقه وتؤرق منامه .

وهو في هذه الحالة من الندم سمع صوت " خربشة " أظافر الكلب فوق باب البيت فهب واقفا وجرى ليفتح له الباب . دخل الكلب وتبعه الرجل وسار خلفه حتى وصل الى غرفة مكتبه . توجه الكلب الى المكتب ورفع قدميه الأماميتين ووضع القلم الذي كان في فمه فوق مكتب صاحبه . تذكر الرجل أنه أثناء مقاومة الكلب له أن سقط منه القلم مما جعل الكلب يقفز دون مقاومة . وها هو الأن يعود ومعه القلم .
فرح الرجل بعودة كلبه وقلمه . لكن المفاجأة أن الكلب توجه مسرعا ناحية الباب الذي كان مازال مفتوح وجرى . حاول الرجل أن يلحق به فلم يستطع . حزن حزنا شديدا وشعر بالخجل من نفسه .

قبل أن توافيه المنية قرر أن يقيم تمثالا لكلبه في وسط ميدان القرية وكتب عليه هنا يرقد كلبي المخلص الذي أثبت أنه أفضل مني أنا الأنسان .

العالم أصبح غابة غريبة .. الحيوان المفترس يحن قلبه على فريسته ، والأنسان المتحضر يتحجر قلبه ويقتل ويسفك دماء الأبرياء دون ذنب إرتكبوه سوى أنهم كفار في رأيهم ورأي التربية والتعاليم التي نشأوا عليها .

 وأعيد تساؤلي :

هل أصبح الحيوان أقل شراسة

وأكثر حبا من الأنسان ؟؟!!.

04 / 11 / 2014

CONVERSATION

0 comments: