مخطط خفي ما بعد الربيع العربي/ فراس الور

أثناء حرب حزب الله مع الجيش الإسرائلي في حرب تموز، و تبادل النيران المستعر بين الطرفين التقطت سماعة الهاتف و قمت بالإتصال ببيت خالتي، و تسكن هي و عائلتها في قرية عين إبل في الجنوب اللبناني، و فعلنا ذلك للإطمئنان عليهم بسبب الحرب و الأنباء الغير السارة عن تلك القرية التي إنقطع عنها الزاد لايام طويلة حسبما ذكرت المحطات الفضائية وقتها، فقالت لي عبر المكالمة أنهم بخير و لكن الحصار على قريتهم من قبل الطيران الإسرائلي كثيف لدرجة أنهم إذا خرجوا من المنزل يقوم الطيران بإطلاق النيران عليهم من السماء؟! و كذا فعل الطيران الإسرائيلي بالهاربين من قراهم لمناطق ثانية أبعد من اماكن الإشتباك و آمنة أكثر و قد نال قسط من القصف موكب ضم سيارات بيت جدتي و بعض من جيرانهم الذين نزحوا من عين إبل متجهين الى قرية الرميش، فبالرغم من أنهم وضعوا اغطية بيضاء على سياراتهم ليؤشروا للطيران الإسرائيلي أنهم مدنيون مسالمون و لكن لم يسلموا من استفزات قاذفات اللهب من المقاتلات الجوية، فكان الطيران الإسرائيلي يطلق النيران حولهم و على كل شيئ يتحرك في الجنوب اللبناني محولا حياة المدنيين الى جحيم و رعب و دمار، فبحقيقة الأمر حمى حزب الله ارض الجنوب اللبناني و لكنه عجز عن حماية سمائها من شر مقاتلات اعدائه...
أذكر ان في هذه الفترة زارت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس منطقتنا معتقدة ان الجيش الإسرائلي سيحقق تقدما عسكريا مذكورات بتلك المعركة و أعلنت أنه حان الوقت لشرق أوسط جديد، و أذكر جيدا ان دولة الرئيس فؤاد السنيورة كان بمنصب رئيس الوزراء البناني حينها، و لكن هذه الخارطة بما حملت من تغير بالحدود الحالية للمنطقة تضمنت تقسيمات تعتمد على المذاهب الطائفية مثل تقسيم العراق الى دولة شيعية و سنية و دولة كردية حرة و كذا السعودية، فقسمتها الى دولة مقدسة تضم مكة المكرمة من ضمن اراضيها و دولة سعودية مجاورة لها، و الغريب بالأمر انها احتوت على خارطة لإسرائيل تتضمن تحديد حدودها لعام 67 بخطوة غير مفهومة لأن وتيرة الإستيطان بإسرائيل تدل على عكس ذلك تماما حتى في تلك الفترة، و كانت مصير الدولة الفلسطينية غير محددة عليها...و كان عليها خارطة للأردن أكبر من مساحتها الحالية تتضمن مساحة من الاراضي السعودية، و لم تشمل هذه الخارطة أية تعديلات على حدود مصر و سيناء من باب المساومة لتكون وطن بديل للفلسطينين كما كان المراد لها في سالف العهود...حتى لبنان لم يسلم من شر توزيع الرتب و النياشين الأمريكية فسمي بلبنان الأعظم (Greater Lebanon) ، كانت تَغَيُراتْ جذرية و كلها بلا منازع تعتمد على تفتيت بعض البلدان العربية المحيطة بإسرائيل الى دويلات صغيرة تحكمها المذاهب الدينية؟! لتزيد عدد البلدان العربية عددا و تزداد ضعفا لتبقى اسرائيل هي الكيان الثابت بهذه المسئلة المعقدة...و لكن الذي يحتاج الى دراسة و تدقيق هو بناءاً على اية معطيات اعتمدت أمريكا بتفتيت العراق الى دولتين...و بناءا على أية معطيات ستأخذ دولة "الاردن العظمة" و التي مع الأسف فقدت كلمة مملكة من اسمها مساحات من السعودية؟! أنا أظن أنه كان سيحصل هذا بناءا على معطيات حربية كانت أمريكا او اسرائيل ستبرع بإشعالها بالمنطقة...و لكن وقفت آلة الحرب لحزب الله في وجه هذا المخطط حينما لم تفلح اسرئيل بقتلها من المنطقة...فحزب الله إمتداد لنفوذ شيعي لإيران بالمنطقة مدعوم سياسيا و عسكريا من سوريا، و لإيران ترتيب عالمي متقدم بين قوى الدُوَلْ العظمة...و من باب أخر المرجح ان الدولة الروسية التي لها طموح ايضا في المنطقة و حلفائها لم يتم ارضائها ماديا لكي تَغُضَ الطرف عن اية تغيرات بالمنطقة و كما فعلت أمريكا لكي تَشُنً حربها على العراق في السالف لتحرير الكويت، و المشكوك بأمره حينها أنه نتيجة لهذا الإرضاء اعطت روسيا الكثير من المعلومات عن اسرار الجيش العراقي و معلومات قيمة عن اسلحته الحربية لتسهيل مهمة إضعاف الجيش العراقي، فأمريكا في وقت حرب تموز بين حزب الله و اسرائيل كانت ترزح تحت دين في ميزانيتها يرهقها بصورة كبيرة فلم تستطيع شراء سكوت القوة الغير حليفة بالمنطقة لتسير بهذا المخطط؟! تضارب مصالح لم يعطي للكيان الامريكي فرصة لتنفيذ مخططه كما يريد، و المطلوب ايذاً تنفيذ هذا المخطط بأقل الخسائر الممكنة لكي لا يتم استنزاف الخزينة الأمريكية أكثر من اللازم فكلنا يعلم ايضا كلفة الحملة للجيش الأمريكي في أفغانستان، 
ما كان البديل لهذا المخطط الذي سرعان ما انطفئت شعلته من قائمة المشاريع و الأماني في البيت الابيض لمنطقة الشرق الاسوط، في حقيقة الأمر بعد حرب تموز ببضعة سنين إسْتَغَلً ساسة البيت الابيض بصورة خبيثة حالة سائدة في بعض دول منطقة الشرق الأوسط تسمى بـ"فراغ القوة"، و تأخذ هذه الحالة عدة اشكال حينما تصيب أي دولة، و سواء كانت دولة كبيرة ام صغيرة مفعولها قاتل يهدد و يزعزع الأمن بتلك الدولة بصورة مُؤَكًدَة، و مصطلح "فراغ القوة" يعني ان هنالك فراغ في السُلْطَة بحياة الدولة...و قد يكون هذا الفراغ رئاسيا او عسكريا بناءا على طبيعة المشكلة التي تعاني منها هذه الدولة...و غالبا ما تكون له مقدمات مثل نشوء بلبلة سياسية و ضعف في الثقة بين المجتمع بتلك الدولة و النظام الحاكم بها...فبإزدياد هذه البلبلة و المسافات بين المجتمع و النظام الحاكم يزداد تاثير فراغ القوة هذا ليصل لمرحلة ضعف في قدرة الدولة على فرض هيبتها على الشعب و ضعف في سلطتها ككيان حاكم...و مع كل أسف هذه الحالة كانت قائمة لعدة سنين بعدة بلدان في منطقة الشرق الأوسط و على سبيل المثال لا الحصر تونس و ليبيا و مصر و لبنان و سوريا و العراق (بعد عهد الشهيد صدام حسين رحمه الله) و بعض من دول الخليج، أما اردننا فلا تخضع حالته السياسية لمصطلح فراغ القوة لأن الثقة قوية و قائمة بين العشائر الاردني و رؤسائها و بين مولاي صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، و ما نتج من مظاهرات استغلتها بعض من تيارات المعارضة لصالحها بكل دهاء و مكر و أيضا لتهويل الأمر إنما هو نتيجة طبيعية لإقتصاد بلدنا الذي شهد تدهور نتيجة عجز بالميزانية، و قد اثر هذا العجز سلباً على عدة جوانب من المناخ الإقتصادي للمملكة و سبب ضغوطات على الإمكانيات المادية للمواطن الأردني، و لم يتم معالجة هذا العجز بالصورة المطلوبة من قبل رؤساء الحكومات المتعاقبة و هذه اخطاء شخصية صدرت من تلك الشخصيات نالت عدم رضى واستنكار من العرش الهاشمي بصورة متكررة مؤخرا و من قِبَلْ دولة الرئيس عبدالله النسور رئيس الوزراء الحالي بصورة علانية على محطة التلفزة الاردنية، ... لذا اقتضى التنويه فلذلك الممكلة لم تتأثر بتيار الربيع العربي بصورة جذرية لأن هنالك حب و ولاء لا تتناقص قِيَمُهُ بقلب كل اردني تجاه العرش الهاشمي و لمولاي صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم و لمولاتي الملكة رانيا ىالعبدالله المعظمة، و كان البديل عن الشرق أوسط الجديد كما أسلفت الربيع العربي و استغلال مقدمات فراغ القوة التي كانت تعاني منها البلدان التي ذكرتها سالفا لبدء بثورة جارفة مبرمجة كان روادها تيارات دينية مُعَارِضَة اساساً للحياة السياسية المدنية التي تعيشها دولنا العربية، فإبتداءت شعارات الربيع العربي تزلزل سلام تونس ثم تبعتها توابع مماثلة في ليبيا ثم مصر لينتهي بها المطاف في سوريا و التي شهدت نتيجتها حرب ضروس على السلطة، و كانت تجتاح تلك المناطق و البلدان في أول الربيع العربي مظاهرات عنيفة لم يفهمها عامة الناس فلم يقرأوا منها سوى إزالت نُظُمْ حاكمة حكمتهم لفترات طويلة من الوقت و لم يدركوا منها سوى أن هدفها المعلن تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن العربي...
قرروا الحاكمون بتلك الدُوَلْ التنازل عن السلطة في تونس و مصر...أما في ليبيا فجلبت حالة الفراع القوة مواجهة دموية لجيش الراحل معمر القذافي مع المعارضة التي سلحتها و دعمتها فرنسا بصورة رئيسية، و في سوريا دعمت أمريكا المعارضة في وجه الرئيس بشار الأسد ليبداء فراغ القوة بتلك البلد صفحة عنيفة عسركية لا يُحْمَدْ عقباها، لم تسلم مصر و تونس من توابع عنيفة لفراغ القوة و لكن الفرق بتلك البلدان ان الجيش لم يتم تهديده بمعارضات مسلحة مثل ليبيا و سوريا بل اقتصرت حالة الفارغ القوة على مواجهات عنيفة بين مؤيدي المعارضة من عامة الناس و التيارات الحاكمة الإسلامية التي صعدت الى الحكم عن طريق انتخابات تشريعية رعاها الجيش بتلك البلدان للحيلولة دون استمرار حالة فراغ القوة هذه، فكان قادت الجيش يعلمون أنها يجب ان تنتهي حفاظا على وحدة بلادهم من التفكك و الصراعات التي قد تنتج لملئ فراغ القوة السياسي بالبلاد، و لكن مع كل أسف إستمرت حالة فراغ القوة هذه اثناء حكم الإخوان لمصر و تونس لأنه لم يتم ارضاء المعارضة التي اتسمت بالمبادئ الليبرالية كرد فعل على المناخ الإسلامي الجديد الذي يحاول فرض هيبته بحياة الدولة، و بقيت المشاكل مستعرة بين الأحزاب المتشددة من جهة و أحزاب الأسلام الوسطي و الليبرالية من جهة ثانية لتشهد تلك البلاد المواجهات العنيفة و المظاهرات المتكررة لمدة عام كامل و القتال بين فئات الشعب المدنية التي سلحت نفسها لحسم هذا الصراع و حالة الضايع هذه، فأصيب الإقتصاد نتيجة لحالة عدم الإستقرار هذا بترهل كلي و لم تستطع التيارات الإسلامية الحاكمة بناء الدولة التي تسعى لها...
في مصر و بعد عام كامل من ضبط النفس قرر الجيش في 30 من يونيو عزل الإخوان المسلمين من مهامهم السياسي بعد انتفاضة جماهرية كبرى في ميدان التحرير و العديد من احياء القاهرة و المحافظات المصرية، و قرر الجيش إعلانهم جهة إرهابية بعد ان شجعوا اتباعهم لشن عمليات تخريبية على منشآت الدولة الحيوية و قتل المتظاهرين من انصار عزل الدكتور مرسي و حرق الكنائس و الإعتداء على الرعايا المسيحين في القاهرة، و قد طالت ايادي الإرهابية سلام الافراد من القوات المسلحة و الشرطة عن طريق تنفيذ العمليات الإنتحارية و اغتيال شخصيات أمنية رفيعة المستوى في وزارة الداخلية المصرية، فقرر الجيش سجن قادة الإخوان و وجهة اليهم سلسلة من التهم الكبيرة أبسطها تنفيذهم مخططات مشبوهة لصالح دول أجنبية تعادي مصلحة جمهورية مصر العربية، فكشفت أمريكا القناع عن حقيقة مخططها بالمنطقة حينما شنت حملة إعلامية ضروس على مصر لعزلها الإخوان و سجنهم الذين هم حلفاء استراتيجين لها منذ ايام نشأت الإتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، و الحدث الذي يصدم بالموضوع و الذي لا يمكن تجاهله إطلاقا هو قدرة البيت الابيض تسييس منظمة هيومن رايتس واتش (Human Rights Watch) لتشويه سمعة الجيش المصري إعلاميا و لوي الوقائع بأن الجيش أثناء إنهاء إعتصام رابعة قمع ابناء الإعتصام و قَتَلَ المتظاهرين الابرياء و سفك دم من كانوا يعارضون ما أيدته أمريكا من إنقلاب على الشرعية، سرعان ما إنتهت هذه الحملة حينما حركة الدولة المصرية حملة مضادة عن طريق وزارة الخارجية و سَفَراتها في عدة بقاع حول العالم و في اوروبا و أمريكا لتوضيح الحقائق كما هي على الساحة المصرية المعاصرة، 
و لكن هنالك أمر لفت انتباهي و أظن أن أمريكا كانت تعي أنه ممكن الحدوث، فَتَأْيِدْ أمريكا للربيع العربي بالمنطقة يوحي به، كما شرحنا إتسم هذا الربيع بصعود أشرس تيارات متعصبة بالمنطقة الى حكم العديد من البلدان العربية، و ايضا شن حملات عسكرية لأخذ نظام الحكم بالقوة في ليبيا و سوريا كما اسلفنا...و لكن السؤال الذي يطرح ذاته هنا ان أمريكا كانت عازمة على دعم الأحزاب الإسلامية لتبقى بالحكم في الدول العربية كي تجمعهم بمنطقة واحدة و يُصْبِحوا كيان سياسي كي تستيطع التعامل معهم و صاحب هذه النظرية دولة الرئيس الدكتور ببلاوي رئيس الوزراء المصري، و حدث هذا ليصبح لهم مسؤول بالمنطقة ينظم حركتهم، و لكنهم اود أضافة الآتي على نظريته، فَكَوْنَهُمْ حلفاء لأمريكا لا يعني أنهم كانوا في السالف موافقون على ما تفعله اسرائيل بالضفة الغربية مما يفسر ضرب مصالحها من حين لآخر و مما يعني ان حِلْفَهَا مع تلك العناصر الجهادية مَرً بعهد مد و جزر لا يعلم عنه الكثير من الناس، فهل أخيرا وافقت أمريكا على الربيع العربي كنوع من اتفاقية مع تلك الأحزاب و بنوياها أمر آخر، فنرى اثناء الربيع العربي ان الحركات الجهادية لا تأبه بالجهاد كثيرا  في فلسطين بل اكتفوا بالجهاد للسيطرة على الحكم بالدول العربية، و مع كل أسف لم تفهم أمريكا اللعبة الخطرة التي نفذتها بالمنطقة العربية، فبأحسن الأحوال كانت تدعم التيارات المتشددة بالمنطقة العربية مفكرة أنها وجدت لهم حل، و كعربون لهذا الدعم تجاهلوا الإخوان فلسطين و الجهاد بها، و لكن الذي أقرأه بين الأسطر ان هذه التيارات لو نجحت بالسيطرة على تونس و مصر و سوريا كليا كما كان مخطط لها اساسا كانت ستبدء بتأسيس حكم الإسلام السياسي بالمنطقة و مع مرور السنين كانت هذه الدول العربية ستكون مهيئة لإمبراطورية إسلامية كبرى من جديد بالمنطقة و لن يكون هنالك رادع لها لو فتحت حدودها على بعضها مرورا من تونس الى المغرب التي ستتأثر بهذه الأجواء عاجلا أم آجلا و الى مصر و سيناء و الأردن و سرويا...فماذا كانت ستفعل أمريكا بهذه القوة الجبارة التي كانت ستفرد سيطرتها على منطقة الشرق الاسوط بسرعة كبرى لا مثيل لها و بعكس الشرعية الدولية و الأمم المتحدة التي لا تؤمن بهذه الدُوَل السياسية و توسعاتها الإمبريالية؟ فهل كان هذا المخطط النهائي من وراء الربيع العربي لكي تشن اسرائيل و أمريكا حربها الأخيرة ضد القوة الجهادية العربية لكي لا يكون للقدس مِنْ مطالب و لكي تقع فلسطين بقبضتها الى الأبد؟ هل كانت تمهد لحرب عالمية ثالثة لإنهاء وجود هذه الفصائل عسكريا التي تزعجها بفلسطين لكي تنطبق مقولتها الشهيرة "ارضك يا اسرائيل من النيل للفرات؟"، الله بالنهاية أعلم منا جميعا،..  

CONVERSATION

0 comments: