في الماضي البعيد الجميل كانت حياتنا تعج وتزخر بالنشاط الثقافي والأدبي الهادف الواعي ، وكانت الندوات والأمسيات الثقافية ، التي كان يشارك فيها نخبة طليعية واسعة من مثقفينا ومبدعينا ، تستقطب أعداد هائلة من المشاركين من مختلف الشرائح والأعمار والأجيال . وكانت تعتمد على العمل الجماعي المخلص والأيمان الصادق والتخطيط الصحيح والسليم ، وبدوافع وطنية وثورية وإيمان عقائدي غريزي ، بعيداً عن أي ضجيج أو صخب ، وعن أي دوافع وأهداف شخصانية وذاتية ، وهدفها بالأساس تفعيل العمل الثقافي وتحريك الحياة الاجتماعية وبث الوعي بين الأجيال الصاعدة والناشئة ، وخلق جيل مثقف متنور وواع .
لكن للأسف أن واقعنا اليوم مختلف تماماً ، فقد تغير كل شيء بفعل ثقافة الاستهلاك والعولمة ، وتبدلت المفاهيم والقيم والمعايير الاجتماعية ، وبرزت النرجسية ، مما افقد الندوات قيمتها وبريقها ووهجها ، فغدت ذات أهداف حزبية وسياسية صرفة ولها دوافع مخفية ، وتحولت إلى منصات استعراضية وتمثيلية حباً بالظهور والتقاط الصور لنشرها في المواقع الالكترونية والصحف المحلية ..! وفضلاً عن ذلك فإن الندوات لم تعد تجذب الجيل الشبابي الجديد ، وما قيمة الندوة إذا لم يحضرها الشباب الصاعد ، الذين هم أحوج للتوعية والتثقيف والتسلح بالثقافة والمعرفة والوعي ..؟!
ثم فإن المشاركين في هذه الندوات هم نفس الوجوه والشخوص ، وكذلك المتحدثين الذين يتجاوز عددهم في أحيان كثيرة عدد الحاضرين والسامعين .
انطلاقاً من كل ذلك ، واحتجاجاً على هذا الواقع السيئ والرديء قررت منذ سنوات ، كما فعل الشاعر اللبناني أنسي الحاج ، الانزواء في صومعتي ومقاطعة الندوات والمهرجانات الثقافية التهريجية وعدم حضورها والمشاركة فيها ، وذلك حفاظاً على نقائي وعقيدتي وإيماني ووفاءً لمبادئي وقيمي التي أومن فيها ، وتكريس وقتي في القراءة التزود بالمعرفة والكتابة ونشر الكلمة ، لما لها من وظيفة اجتماعية وفعل تعبوي تحريضي ودور فاعل وهام في بلورة وتنمية الوعي ونهضة الشعب والمجتمع وبناء الإنسان . وكم كان الشاعر والقاص والمفكر الفلسطيني الكبير ابن قريتي مصمص ، أحمد حسين ، صادقا ومحقاً حين قال :
شعب المصيبة نحن في عصر زنت فيه الحضارة وانزوى الشرفاء
نعم هذا هو حال الشرفاء والأنقياء ينزوون كي لا يتلوثون ولا يسقطون أو يدجنون ..!
0 comments:
إرسال تعليق