ليت الفتى امرأة/ جواد بولس

أثارت تصريحات السيّد محمد زيدان، ألتي أدلى بها في برنامج "نظرة من الداخل"، الذي يقدّمه الصحفي رمزي حكيم على فضائية فلسطين، موجةً من الغضب، بدأت عندما وصفت شريكته في تلك الحلقة محرّرة صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية السيدة عايدة توما سليمان ما قاله زيدان بالخطير جدًا. 
برزت الأصوات النسائية وتصدّرت بياناتهن تلك الموجة، التي تربّع على ذروتها نداؤهن المطالب باستقالة زيدان من رئاسة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ووجوب تقديمه اعتذارًا عن تلك التصريحات، لأنها لم تنصف ولم تحترم المرأة العربية، فهي برأي زيدان غير مؤهلة لقيادة لجنة المتابعة. ومن أقواله التي استفزت المشاهدات وبعض المشاهدين برز ردّه، عند إصرار المشاركة على سماع رأيه بعيدًا عن الظروف السائدة، بأنّه إذا ترأست امرأة لجنة المتابعة فعندها "ستخرب اللجنة تمامًا" أو كما "قفشها" بلهجة الفلاحين عندنا "ستخرب شيلي".
مجموعة من الجمعيات النسوية أصدرت بيانًا انتقدت فيه تصريحات السيد زيدان وطالبت بضرورة تنحيته عن منصبه مع إن فترة ولايته القانونية قاربت على الانتهاء. من جهتها، وفي بيان صدر عنها وباسمها، انتقدت النائبة حنين زعبي تصريحات السيّد زيدان ووصفتها "بالهدّامة" وذلك احتسابًا لموقعه المرموق وما يرمز إليه بين الجماهير العربية قاطبة. 
لن أدافع عن السيّد محمد زيدان، فهو محاط بمجموعات من القادة والشخصيات الاعتبارية ذات المواقع والمواقف الشبيهة لمواقفه المعلنة في ذلك البرنامج، لا بل أزعم أنه يتقدّم على بعض أولئك القادة بمواقف أكثر تقدّمية وإنصافًا لقضية المرأة العربية. إلى ذلك، لن أدّعي على السيّد محمد زيدان بأنه صرّح ما صرّحه من موقع يتبوأه عنوة أو مصادفةً، فهو منذ أعوام يرأس تلك اللجنة القيادية العليا بموافقة واختيار جميع تلك الأحزاب والحركات و"الأحيزاب" و"الحريكات" ومن ذلك الموقع قاد بالشراكة والتوافق مع جميعهم انتصارات الجماهير العربية محافظين على أعرض القواسم المشتركة وفي طليعتها ضمان التفوّق الذكوري الواضح في هيئات هذه اللجنة. 
مع ذلك، فأنا أرفض تلك المواقف وبشدة لأنها ليست بالشاذة والهامشية، فهي تعبّر عن إجماع ذكوري مهيمن بين جماهيرنا العربية وهي تعكس واقعًا يكرّس نظرة فوقية لمعشر الرجال وريائهم إزاء استعدادهم المزعوم لقبول المرأة شريكة متساوية في ميادين القيادة والريادة والرسم والتخطيط وأكثر .
عقب تلك البيانات، التي كان معظمها بيانات "نسوية"، أصدر السيد محمد زيدان بيانًا صدّ فيه جميع الاتهامات التي وردت بحقه وأكّد على احترامه للمرأة العربية ودورها المنتظر والمأمول وأضاف موضحًا أنه لم يقصد إلّا الممازحة عندما تصوّر أن رئاسة امرأة للجنة ستؤدي إلى خرابها "شيلي بيلي". إنني أصدق ما قاله السيّد زيدان في بيانه فهو يعبّر عمّا يجيش في صدور غالبية الرجال العرب وهو بهذا المعنى يمثلهم بصدق وأمانة؛ فهكذا يفكّر معظم رجال العرب عندما يقولون الحقيقة والجد وهكذا يفكرون عند الممازحة والضحك وفي كلتا الحالتين هم يؤكدون أنّهم يكنون كلّ الاحترام لمعشر النساء. ألم يكن الاحترام دومًا فكرة ملتبسةً ووجهة نظر.  
لقد كان بيان السيّد زيدان صادقًا وموجعًا في ذات الوقت، لا سيّما عندما وجه سهامه إلى جميع قيادات العرب المشاركين في خيمة المتابعة العليا وقال مؤكّدًا: "إنّ هناك من أخرج كلامه عن سياقه الصحيح، مشيرًا إلى أنه ومنذ سنوات يطالب جميع مركّبات المتابعة بأن يكون لها تمثيل نسائي في اللجنة، إلا أن الأحزاب والحركات السياسية هي التي اختارت تهميش دور المرأة، علما أن من حق كل مركب اختيار ممثليه في المتابعة في أي موقع شاء، بغض النظر عن كونهم رجالا أو نساء". إن كان هذا الكلام صحيحًا، وهو لم ينفَ من قبل أي جهة، فكلّكم يا سادة رجال وكلّكم عرب وكلّكم شركاء في هذه "النظرة التي هي من داخل الداخل". وبعد، فهل من عجب لماذا كانت التهمة دومًا أنثى والصمت ذكرًا؟! 
لا أعرف ما يكفي من معطيات تفسّر إصدار بيان وقّعه عدد من المؤسسات النسوية خال من تواقيع مؤسسات عامة مشتركة الجنس أو شخصيات ذكورية. أتمنى أن تكون هنالك أسباب وجيهة لهذه الظاهرة، أمّا إذا توجهت تلك المنظمات النسوية إلى جهات مشتركة أو محكومة بهيمنة ذكورية خالصة وهذه رفضت ضم تواقيعها للبيان فالمصيبة كبيرة والخسارة أكبر، بينما إذا تعمّدت هذه المؤسسات النسوية الموقعة على البيان حصره في تنظيمات نسوية عن سبق إصرار وخيار مدروس، فإنني أسجّل تحفّظي واعتقادي أن هذا الخيار خاطئ، ومردود هذه البيانات، أحادية اللون، يكون ضعيفًا وعابرًا.
على جميع الأحوال، وفيما يتعلق بي، فأنا أتعمد في كلّ مرّة تثار قضية استقواء الرجال على النساء أن أعلن موقفي بصراحة لا تقبل تأويلًا قد يكون سنده موروثًا صدئا أو قولًا مأثورًا كدّسته العرب في خزائن "الأدب" التي أغلقت في زمن عابر وظرف غابر.
وكمن يعيش الواقع، لا أبالغ في تفاؤلي بتغيير جذري قد يصيب حظ "الانثيين" قريبًا، ولذلك أهرب عابثًا، أحيانًا، مع خيالي، تمامًا كما كنت أفعلها صغيرًا وأحلّق كالعصفور، أمّا اليوم أحلّق كالشاعر وأصرخ: "ليت الفتى امرأة"،  فتُرى ما "عساهَني" تقول؟ تقول: "أنا امرأة، لا أقل ولا أكثرَ/ أعيش حياتي كما هي، خيطًا فخيطًا/ ويطلع من كتفي نهار عليك/ ويهبط، حين أضمك، ليل إليك ولست بهذا ولا ذاك/ لا لست شمسًا ولا قمرًا/ أنا امرأة ،لا أقل ولا أكثر".

CONVERSATION

0 comments: