سبحانك ربي، فأنت الملهم وأنت المعين، وأنت القادر على كل شيء. أنت يا ربي جل جلالك ترى كل ما هو عصي وخفي ومخفي عن عقول وعيون البشر، وتعرف ما يجول في دواخلهم من نوايا وأفكار خير وشر. وأنت ربي لا ترد محتاج وطالب معونة وهداية، ولا تترك مؤمناً من أبنائك الأبرار يواجه الأشرار دون أن تمد له يد العون وتنصره وتنور بصره وبصيرته ليتقِِ أذى أولئك الواقعين في التجارب. كم أنك رب الانتقام والمنتقم الجبار من العاصين عليك والعاملين ضد تعاليمك والوصايا.
سبحانك ربي، والشكر لك لأنه وبفضل نعمك علينا لم تكن عبثية اعتراضاتنا القوية والعلنية والعالية الصوت والنبرة على مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي المؤيدة لنظام بشار الأسد ولحزب الله في لبنان، نعم لم تكن لا متجنية ولا مفترية ولا افتراضية، بل شهادة محقة للحق والحقيقة وصرخة تحذير وتنبيه من ممارسات وتحالفات وخطاب ومواقف تتناقض كلياً مع ثوابت الصرح البطريركي الماروني الذي أعطي له مجد لبنان.
ولأن ما من مخفي إلا وسيعلم، ها هو البطريرك الراعي في سوريا الأسد، وسوريا نظام قتلة الأطفال، وسوريا الإرهاب، كاشفاً عن توجهاته الحقيقة بحجة المشاركة في حفل تنصيب بطريرك الروم الارثوذكس يوحنا اليازحي، وهي حجة لا تبرر الزيارة بأي شكل من الأشكال وتعري توجهاته المتناغمة مع خط النظام السوري.
في وجداننا وضميرنا نرى إنها زيارة مستنكرة وغير مبررة وتشكل تهديداً حقيقياً للمسيحيين عموماً وللموارنة تحديداً في سوريا حيث سينظر لهم ثوار ذاك البلد المنتفضين على نظامها الإجرامي والإرهابي على أنها تأييداً لإجرام الطاغية ودعماً له ولنظامه القاتل الذي طردته الجامعة العربية من عضويتها وتقاطعه غالبية الدول في العالم وتعتبره فاقداً للشرعية.
نشير هنا إلى أن الراعي ومنذ الأسبوع الأول لتوليه سدة البطريركية وهو يجاهر علناً بتأييده لنظام بشار الأسد ولحزب الله الإرهابي في لبنان، وقد جاءت منذ ذلك الوقت كل مواقفه وتحالفاته وخطاباته ومواعظه وعلاقاته وصدقاته في هذا السياق مما تسبب بشبه ثورة عليه من أبناء الطائفة المارونية والكثير من مفكريهم وقادتهم وأحزابهم في الوطن الأم وبلاد الانتشار.
من المفيد أن يعرف القاصي والداني خطورة هذه الزيارة وكل خلفياته غير الإيمانية والوطنية كونها أول زيارة لبطريرك ماروني لسوريا منذ أن نال لبنان استقلاله في منتصف الأربعينيات بعد تلك التي قام بها البطريرك الراحل مار انطون بطرس عريضة في زمن الانتداب الفرنسي. وأيضاً من المهم جداً أن يعرف من لا يعرف أن غبطة سيدنا الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير أطال الله بعمرة كان أصر ولا يزال على رفض زيارة سوريا، وفي العام ٢٠٠١، رفض مرافقة قداسة البابا بولس السادس في زيارته لذلك البلد، وفي جواب لاذع لصحفي سأله إذا كان سيزور قصر المهاجرين في دمشق، نُقِل عنه أنه أجاب "أين يقع قصر المهاجرين". وكان صفير هذا المؤمن والمتواضع والوطني بإمتياز قد قال خلال لقاء مع عدد من السياسيين بعد أيام على رفضه مرافقة قداسة البابا إلى دمشق، "إن زرت سوريا وعدت ودون أن يعود معي المعتقلين اعتباطاً في سجونها ماذا يمكنني أن أقول لذويهم"؟
البطريرك الراعي الذي انقلب على كل تاريخ الصرح الماروني وعلى ثوابته كافة كان أعلن عقب توليه سدة البطريركية عن رغبته بزيارة دمشق، ولكنه اضطر لتأجيل الزيارة على خلفية المعارضة الواسعة التي أثارتها الفكرة وبسب تردي وضع نظام الأسد، إلا أنه ورغم كل الارتدادات السلبية التي سوف تتسبب بها الزيارة، ورغم أن وضع الأسد ازداد ضعفاً فها هو يضرب عرض الحائط بكل ما هو منطق وعقلانية ومسؤولية ويقوم بالزيارة. هذا وكان موقع الشفاف الالكتروني نسب أول من أمس في تقرير له حول الزيارة إلى مصادر مطّلعة أنه سبق الراعي يوم كان مطراناً أن قام بأكثر من ٦ زيارات، غير معلنة، إلى سوريا.
إن الزيارة في وجداننا وضميرنا وثوابتنا الوطنية والإيمانية والأخلاقية والإنسانية مستنكرة أشد استنكار وهي لا تخدم غير مصلحة الأسد ونظامه الإجرامي وفي نفس الوقت توقع الأذى بالمسيحيين السوريين واللبنانيين على حد سواء، ونقطة على السطر.
ولأن الله يمهل ولا يهمل نقول مع المخلصين والأتقياء والبررة: ربي نجينا من الآتي الأعظم فقد كفر من يُفترض بهم أنهم يحملون بشارتك وقد شردوا عن طرق الحق ووقعوا في التجارب وأمسوا يقودون الناس إلى الخطيئة وطرق الضلال. ربي احمي لبنان واللبنانيين من هؤلاء الذين ما قبلوا يوماً إلا أن يبقوا أسرى للإنسان العتيق، إنسان الغرائز والنزوات.
0 comments:
إرسال تعليق