...... الهموم المقدسية كثيرة ومتشعبة،وهذه الهموم تمس المقدسيين في صلب وعصب وتفاصيل حياتهم اليومية،والجميع في القدس بات يستشعر بأن هناك خطر جدي على لحمة النسيج المجتمعي في القدس،ولعل هذا الخطر دعا العديد من الفعاليات المقدسية على مختلف تسمياتها وعناوينها وطنية وعشائرية إلى عقد أكثر من جلسة حوار ونقاش لتلك الهموم والمشاكل المكثفة بعنوان رئيس،هو الأزمة الاجتماعية الداخلية،أسبابها ومكوناتها وعناصرها وطرق وآليات الخروج من هذه الأزمة المستفحلة في المدينة،والتي باتت تشكل خطراً جدياً على وحدة النسيج المجتمعي المقدسي،ولعل الاجتماع الذي عقد يوم الخميس 19/7/2012 في قاعة فندق "المونت سكوبس" بالقدس بحضور الحركة الوطنية المقدسية والشيخ رائد صلاح كممثل عن الحركة الإسلامية في الداخل وعدد من الفعاليات المقدسية،قد سلط الضوء على الواقع المقدسي وأزمته الاجتماعية بشكل كبير،حيث اجمع الحضور على ان المجتمع المقدسي يعاني من أزمة اجتماعية عميقة تجد لها تجليات ومظاهر في أكثر من عنوان ومجال،حيث تنمو وتتكاثر العديد من المظاهر والظواهر السلبية والتي تلعب دوراً كبيراً في إفساد المجتمع،فهناك انوية ل"مافيات" من البلطجة والزعران على شكل ميليشيات،وهذه "المافيات" تمارس دورها التخريبي والمشبوه في عمليات هتك وتفكيك وتدمير النسيج المجتمعي المقدسي،وتجد أن هناك حواضن لتلك "المافيات" منها الاحتلال عبر عملائه وزلمه،العشائر وفي بعض الأحيان الفصائل والتنظيمات والأجهزة الرسمية، ويتجلى ذلك عبر اثارة المشاكل والفتن الاجتماعية ودفع الامور نحو الاحتراب والتجييش العشائري والقبلي،والاصطفاف إلى جانب المعتدي ضد المعتدى عليه،وممارسة سياسة فرض الخاوات والأتاوات على المواطنين أصحاب المصالح وخصوصاً من يشعرون بأنهم غير مسنودين ومدعومين على المستوى العشائري او الحزبي او السلطوي،وكذلك الاستيلاء على أراضي وأملاك وعقارات الناس بغير حق من خلال أوراق وعقود مزورة،والتي في الغالب يجري تسريبها إلى جهات وجمعيات استيطانية،أو يتم إشراك ما يسمى بحارس أملاك الغائبين في ملكيتها،والتطاول على الكرامات وأعراض الناس وسياسة التعالي تجاه الاخرين،ولا شك بأن مثل هذه التجليات للازمة الاجتماعية تولد قهرا داخليا عند الفئات المقدسية التي تشعر بالغبن والظلم الاجتماعي،ونرى بأن هذا الغبن والظلم الاجتماعي له أساس من الوجود والصحة،وبالتالي في ظل غياب موقف وطني فاعل أو مرجعية وعنوان مقدسي او وطني قادر على أن يشكل رادعاً ولاجماً لمثل تلك الأفعال والممارسات الاجتماعية السلبية فإن تلك الفئات تفكر بالبحث عن خيارات وطرق من شأنها أن تمكنها من الدفاع عن نفسها ووجودها وحماية ممتلكاتها وأراضيها وحقوقها،وبغض النظر عن الشكل او الطريقة الممارسة ومدي صوابيتها من عدمه مثل الانسحاب نحو العشائرية والقبلية او تجنيد "مافيات" من البلطجية والزعران للقيام بدور الوكيل في حمايتها والدفاع عنها فيما يخص التعدي والتطاول عليها حقوقها وممتلكاتها وكراماتها،أو الذهاب الى ما هو أبعد من ذلك الإستعانة بالاحتلال،فهذا ما كان ممكناً لو ان هناك عنوان ومرجعية موثوقة قادرة على إنصافهم وحمايتهم والدفاع عنهم،ولكن في النهاية لا يمكن تبرير مثل هذا السلوك او العمل مثل الاستعانة بالاحتلال وغيره.
ولعل المجتمعين اتفقوا في الرؤيا والتشخيص والتحليل بأن المجتمع المقدسي يخوض معركتين في آن واحد معركة سياسية بكل تمظهراتها وعناوينها مع الاحتلال ومعركة اجتماعية داخلية وهما معركتان متداخلتان،ففي الوقت الذي تكون فيه الحركة السياسية والوطنية صاعدة وناهضة تتراجع حدة الصراعات والازمات الاجتماعية الداخلية،ولكن عندما تضعف وتتراجع الحركة الوطنية،نجد أن حدة الصراعات والخلافات الاجتماعية تشتد وترتفع وتيرتها،وخصوصاً أن من يملأ الفراغ الناتج عن التراجع والضعف الوطني،هم قوى ووجاهات ووجوه عشائرية تحكمها مصالح ضيقة والانشدادات والتعصب للعشائرية والقبلية والجهوية وحلولها قائمة على سياسة اطفاء الحرائق والترقيع وتسليك المصالح وغيرها.
وكذلك في هذا الإطار نرى بأن الحديث كان صريحاً وواضحاً بأنه رغم كل قصورات ومثالب السلطة الفلسطينية تجاه القدس والمقدسيين،إلا أن هناك إجماع على ان لا تغيب السلطة عن كونها المسؤولة عن هموم المقدسيين ومشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية،والمكونات المجتمعية المقدسية الأخرى من حركة وطنية ومؤسسات مجتمع مدني وعمل أهلي وعشائر وغيرها،بالضرورة ان يكون عملها ودورها متكاملا مع دور السلطة وليس بديلاً له،ولكن الثغرة هنا هو في تعدد العناوين والمرجعيات والجهد المبعثر وتضارب المصالح عند تلك المرجعيات،وعلى السلطة ان تدعم وتساند وجود الحركة الوطنية كذراع تنفيذي لها في القدس وعنوان تناط به متابعة هموم الحياة اليومية للمقدسيين.
وفي إطار التشخيص للشأن والوضع المقدسي،وما يقوم به الاحتلال من شن لحرب شاملة على المقدسيين في مختف مناحي وشؤون حياته، رأى المجتمعون بأن هناك غياب للإرادة السياسية من قبل اللجنة التنفيذية والسلطة الفلسطينية،وما يقوم به المقدسون من رد وتصدي للخطوات والممارسات الإسرائيلية المستهدفة لوجودهم وثباتهم في القدس وصمودهم على أرضهم،يأتي في الغالب كردات فعل،وبالتالي تغيب الرؤيا والاستراتيجية الموحدة والخطط والبرامج المدروسة وكذلك آليات المواجهة والمقاومة والصمود.
والجميع يتفق على أنه من الضروري تشخيص المشكلات الاجتماعية وتحديدها،ومن ثم بعد ذلك يجري العمل على صياغتها ونشرها وتحديد موقف عام منها يأخذ صفة الالزامية والقانون من قبل أكبر طيف جماهيري مقدسي،ولا يجوز الاستمرار في سياسة الطبطبة والمحاباة والنفاق الاجتماعي ودفن الرأس في الرمال على غرار النعام،فمن يعمل من أجل تخريب وتفكيك النسيج الاجتماعي المقدسي،يجب العمل على فضحه وتعريته ومن ثم مساءلته ومحاسبته وبغض النظر أي كان موقعه أو انتماءه أو الجهة التي تقف خلفه،ولا يجوز ولا يحق لأي جهة شريفة ونزيهة ان تحتضن او تدافع عن مثل هذه النوعيات،بل بالضرورة رفع الحصانة والحماية والاحتضان عنها ولها،لأن وجود مثل هذه السياسة والممارسة هي من جعلت الناس وبعض الفئات المقدسية تشعر بالغبن والظلم والقهر الاجتماعي.
إن الشيء المريح جداً بأن هناك شعور عالي بالمسؤولية عند الجميع بأنه يجب العمل على حماية النسيج المجتمعي المقدسي وعدم تعريضه للتفكك والتفتيت،وهنا اتفق الجميع أنه القوى الوطنية أن تمارس دورها ومسؤولياتها وتأخذ زمام المبادرة من أجل إعادة البيت،بحيث هي الطولى في الشأن المقدسي،وتم التشديد كذلك على أن تمارس القوى والوجاهات العشائرية دورها في إطار مهامها ومسؤولياتها وفق خط وطني عام ينظم عملها ويضع لها خطوط وثوابت لا يجوز تجاوزها او القفز عنها.
ولتستمر اللقاءات والنقاشات والحوارات بين مختلف الفئات والقطاعات المقدسية من أجل الوصول الى عقد مؤتمر شعبي مقدسي عام ينتخب قيادة ومرجعية موحدة عمادها الحركة الوطنية الفلسطينية لكي ترعى شؤون وهموم المقدسيين جميعاً.
0 comments:
إرسال تعليق