أول رئيس يمثل كل لبنان/ بطرس عنداري

‮ ‬يقوم‮ ‬أول‮ ‬رئيس‮ ‬لبناني‮ ‬بزيارة‮ ‬دولة‮ ‬لأسترليا‮. ‬وزيارة‮ ‬دولة‮ ‬هي‮ ‬أعلى‮ ‬رتب‮ ‬الزيارات‮ ‬المتبادلة‮ ‬بين‮ ‬الدول،‮ ‬أي‮ ‬انها‮ ‬فوق‮ ‬الزيارات‮ ‬الرسمية‮.‬
وحتى‮ ‬لا‮ ‬نغرق‮ ‬في‮ ‬لغة‮ ‬المجاملات‮ ‬والترحيب‮ ‬حيث‮ ‬قام‮ ‬زملاء‮ ‬عديدون‮ ‬بهذه‮ ‬المهمة،‮ ‬سنحاول‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬القارة‮ ‬النائية‮ ‬ان‮ ‬نقدم‮ ‬تقييماً‮ ‬واقعياً‮ ‬ومنطقياً‮ ‬لشخصية‮ ‬الرئيس‮ ‬ميشال‮ ‬سليمان‮ ‬ودوره‮ ‬على‮ ‬الساحة‮ ‬اللبنانية‮ ‬والاقليمية‮ ‬وسط‮ ‬الغبار‮ ‬الكثيف‮ ‬في‮ ‬معمعة‮ ‬المعارك‮ ‬السياسية‮ ‬الذي‮ ‬يكاد‮ ‬يحجب‮ ‬الرؤئ‮ ‬والحقائق‮.‬
ان‮ ‬الرئيس‮ ‬الزائر‮ ‬ليس‮ ‬صاحب‮ ‬كتلة‮ ‬نيابية‮ ‬أو‮ ‬زعيم‮ ‬حزب‮ ‬سياسي‮ ‬يتطلع‮ ‬الى‮ ‬لعب‮ ‬دور‮ ‬على‮ ‬الساحة‮ ‬المستقبلية‮ ‬رغم‮ ‬امتلاكه‮ ‬الحق‮ ‬ليحاول‮ ‬لعب‮ ‬هذا‮ ‬الدور‮.‬
‮ ‬ولكن‮ ‬الرئيس‮ ‬اللبناني‮ ‬يتمتع‮ ‬بميزات‮ ‬لم‮ ‬يمتلكها‮ ‬أي‮ ‬رئيس‮ ‬قبله‮ ‬منذ‮ ‬الاستقلال‮. ‬فقد‮ ‬كان‮ ‬جميع‮ ‬الرؤساء‮ ‬السابقين‮ ‬ينتمون‮ ‬الى‮ ‬احزاب‮ ‬وتكتلات‮ ‬وقوى‮ ‬سياسية‮ ‬متناحرة‮ ‬لم‮ ‬توفر‮ ‬لهم‮ ‬اي‮ ‬نوع‮ ‬من‮ ‬الاجماع‮. ‬حتى‮ ‬الرئيس‮ ‬فؤاد‮ ‬شهاب‮ ‬مؤسس‮ ‬الجيش‮ ‬اللبناني‮ ‬وواضع‮ ‬أسس‮ ‬الدولة‮ ‬الحديثة‮ ‬لم‮ ‬ينعم‮ ‬بدعم‮ ‬وتأييد‮ ‬شاملين‮ ‬كما‮ ‬هي‮ ‬الحال‮ ‬مع‮ ‬الرئيس‮ ‬سليمان‮.‬
لم‮ ‬نسمع‮ ‬صوتاً‮ ‬ولم‮ ‬نقرأ‮ ‬كلمة‮ ‬في‮ ‬لبنان‮ ‬او‮ ‬في‮ ‬بلدان‮ ‬الانتشار‮ ‬تشكك‮ ‬بتمثيل‮ ‬العماد‮ ‬سليمان‮ ‬لجميع‮ ‬اللبنانيين‮. ‬نعم‮ ‬انه‮ ‬رئيس‮ ‬توافقي‮. ‬ولكن‮ ‬الاحتفاظ‮ ‬بالأصول‮ ‬الدستورية‮ ‬والثوابت‮ ‬الوطنية‮ ‬والبقاء‮ ‬على‮ ‬مسافة‮ ‬واحدة‮ ‬من‮ ‬جحافل‮ ‬التناقضات‮ ‬المتناحرة‮ ‬على‮ ‬الساحة‮ ‬السياسية‮ ‬الداخلية‮ ‬والاقليمية‮ ‬هما‮ ‬من‮ ‬الممارسات‮ ‬الشاقة‮ ‬التي‮ ‬نجح‮ ‬بتجاوزها‮ ‬والعبور‮ ‬فوقها‮.‬
‮ ‬ويدرك‮ ‬اللبنانيون‮ ‬جميعاً‮ ‬ان‮ ‬دستور‮ ‬الطائف‮ ‬قلّص‮ ‬صلاحيات‮ ‬رئيس‮ ‬الدولة‮. ‬وقد‮ ‬سبقه‮ ‬رئيسان‮ ‬بعد‮ ‬اتفاق‮ ‬الطائف‮ ‬حكم‮ ‬كل‮ ‬منها‮ ٩ ‬سنوات‮ ‬دون‮ ‬ان‮ ‬يقدر‮ ‬اي‮ ‬منهما‮ ‬ان‮ ‬يكون‮ ‬رئيس‮ ‬اجماع‮ ‬او‮ ‬توافق‮ ‬يحظى‮ ‬باحترام‮ ‬وتقدير‮ ‬جماعي‮.‬
فالرئيس‮ ‬سليمان‮ ‬لم‮ ‬يصل‮ ‬الى‮ ‬الرئاسة‮ ‬بايحاء‮ ‬خارجي‮ ‬او‮ ‬بمساومات‮ ‬وصفقات،‮ ‬بل‮ ‬كانت‮ ‬تجربته‮ ‬على‮ ‬رأس‮ ‬المؤسسة‮ ‬العسكرية‮ ‬هي‮ ‬الدافع‮ ‬الاول‮ ‬لتجعله‮ ‬رجل‮ ‬اجماع‮ ‬وتوافق‮. ‬فقد‮ ‬سجل‮ ‬نجاحين‮ ‬بطوليين‮ ‬عندما‮ ‬كان‮ ‬على‮ ‬رأس‮ ‬المؤسسة‮ ‬العسكرية‮: ‬الاول‮ ‬إشرافه‮ ‬الامني‮ ‬المباشر‮ ‬على‮ ‬التظاهرات‮ ‬والتحركات‮ ‬المليونية‮ ‬التي‮ ‬انفجرت‮ ‬بعد‮ ‬اغتيال‮ ‬الرئيس‮ ‬الشهيد‮ ‬رفيق‮ ‬الحريري‮ ‬حيث‮ ‬لم‮ ‬تهرق‮ ‬نقطة‮ ‬دم‮ ‬واحدة‮ ‬رغم‮ ‬التحديات‮ ‬والتظاهرات‮ ‬المضادة‮ ‬والمتناقضة‮.‬
اما‮ ‬النجاح‮ ‬الثاني‮ ‬فكان‮ ‬في‮ ‬حسم‮ ‬معركة‮ ‬مخيم‮ ‬نهر‮ ‬البارد‮ ‬المريرة‮ ‬حيث‮ ‬واجه‮ ‬الجيش‮ ‬اللبناني‮ ‬مؤامرة‮ ‬غدر‮ ‬كلفته‮ ٠٧١ ‬شهيداً‮ ‬ومئات‮ ‬الجرحى‮. ‬وهذه‮ ‬المؤامرة‮ ‬لم‮ ‬تتوقف‮ ‬بعد‮ ‬وما‮ ‬زالت‮ ‬سهام‮ ‬أتباع‮ ‬العبسي‮ ‬تستهدف‮ ‬المؤسسة‮ ‬العسكرية،‮ ‬واصبح‮ ‬لهم‮ ‬من‮ ‬يمثلهم‮ ‬في‮ ‬المجلس‮ ‬النيابي‮ ‬بالتحامل‮ ‬والتشكيك‮ ‬بدور‮ ‬حماة‮ ‬الوطن‮.‬
من‮ ‬التجني‮ ‬وصف‮ ‬مواقف‮ ‬الرئيس‮ ‬ميشال‮ ‬سليمان‮ ‬بالمائعة‮ ‬والمترددة‮ ‬لانه‮ ‬التزم‮ ‬ومنذ‮ ‬اليوم‮ ‬الاول‮ ‬لاختياره‮ ‬رئيساً‮ ‬بمبادىء‮ ‬علنية،‮ ‬بعضها‮ ‬شديد‮ ‬الحساسية‮ ‬مثل‮ ‬شعار‮ ‬الجيش‮ ‬والشعب‮ ‬والمقاومة‮ ‬واستمرار‮ ‬التنسيق‮ ‬والتفاهم‮ ‬مع‮ ‬الجانب‮ ‬السوري،‮ ‬ومقاربة‮ ‬علاقات‮ ‬لبنان‮ ‬مع‮ ‬جميع‮ ‬الاقطار‮ ‬العربية‮ ‬بانفتاح‮ ‬أخوي‮ ‬معهود‮ ‬أمّن‮ ‬للبنان‮ ‬المساعدات‮ ‬المتواصلة،‮ ‬اضافة‮ ‬الى‮ ‬إتقان‮ ‬السير‮ ‬بين‮ ‬ألغام‮ ‬الصراع‮ ‬الداخلي‮ ‬المستفحل‮ ‬منذ‮ ‬اليوم‮ ‬الاول‮ ‬لاعتلائه‮ ‬سدة‮ ‬الرئاسة‮.‬
‮ ‬وقد‮ ‬أطلق‮ ‬بعض‮ ‬صرخاته‮ ‬الجريئة‮ ‬من‮ ‬أستراليا‮ ‬محذراً‮ ‬اللبنانيين‮ ‬والعرب‮ ‬من‮ ‬لهيب‮ ‬النيران‮ ‬السورية‮ ‬الذي‮ ‬قد‮ ‬يطال‮ ‬لبنان‮ ‬والعرب‮ ‬جميعاً،‮ ‬وناشدهم‮ ‬السعي‮ ‬لاطفاء‮ ‬ذلك‮ ‬اللهيب،‮ ‬وقال‮ ‬ان‮ ‬لبنان‮ ‬كان‮ ‬وسيبقى‮ ‬ساحة‮ ‬لتلاقي‮ ‬العرب‮ ‬وليس‮ ‬لتصارعهم،‮ ‬واشار‮ ‬الى‮ ‬ان‮ ‬التغييرات‮ ‬المرجوة‮ ‬في‮ ‬المنطقة‮ ‬تحلم‮ ‬بالديمقراطية‮ ‬والحرية‮.‬
اما‮ ‬الذين‮ ‬يتوقعون‮ ‬المنجزات‮ ‬والاصلاحات‮ ‬من‮ ‬الرئيس‮ ‬اللبناني،‮ ‬فعليهم‮ ‬ان‮ ‬يعوا‮ ‬ان‮ ‬ما‮ ‬تبقى‮ ‬له‮ ‬من‮ ‬صلاحيات‮ ‬دستورية‮ ‬لا‮ ‬تشفي‮ ‬غليل‮ ‬المتعطشين‮ ‬الى‮ ‬قيام‮ ‬الدولة‮ ‬الحديثة،‮ ‬كما‮ ‬ان‮ ‬الصراعات‮ ‬داخل‮ ‬الحكومات‮ ‬المتعاقبة‮ ‬حوّلت‮ ‬الرئاسة‮ ‬الى‮ ‬مؤسسة‮ ‬تهدئة‮ ‬ومساومات‮ ‬لتقريب‮ ‬وجهات‮ ‬النظر‮.‬
على‮ ‬صعيد‮ ‬الزيارة‮ ‬الاسترالية،‮ ‬فقد‮ ‬تركت‮ ‬شعوراً‮ ‬لدى‮ ‬المغتربين‮ ‬عن‮ ‬اهتمام‮ ‬السلطة‮ ‬اللبنانية‮ ‬بهم‮ ‬وبدورهم‮ ‬وبالتصاقهم‮ ‬بالوطن‮ ‬الأم‮ ‬اكثر‮ ‬من‮ ‬معظم‮ ‬جاليات‮ ‬الانتشار‮ ‬بسبب‮ ‬هجرتهم‮ ‬الجديدة‮.‬
ان‮ ‬دور‮ ‬الرئيس‮ ‬اللبناني،‮ ‬حاضراً‮ ‬وعلى‮ ‬ضوء‮ ‬ما‮ ‬يمتلكه‮ ‬من‮ ‬صلاحيات‮ ‬في‮ ‬دستور‮ ‬الطائف،‮ ‬بات‮ ‬مقتصراً‮ ‬على‮ ‬الاشراف‮ ‬والمراقبة‮ ‬وتسهيل‮ ‬مهمات‮ ‬رؤساء‮ ‬واعضاء‮ ‬الحكومة‮ ‬ومحاولة‮ ‬تجاوز‮ ‬التناقضات‮ ‬المتراكمة‮. ‬ولا‮ ‬نظن‮ ‬ان‮ ‬منح‮ ‬رئيس‮ ‬البلاد‮ ‬ورمز‮ ‬وحدتها‮ ‬بعض‮ ‬الوزراء‮ ‬والموظفين‮ ‬سيقدم‮ ‬او‮ ‬يؤخر‮ ‬في‮ ‬أداء‮ ‬الرئيس‮ ‬الاول‮ ‬الذي‮ ‬يجب‮ ‬ان‮ ‬يبقى‮ ‬دائما‮ ‬رئيس‮ ‬وأب‮ ‬الجميع‮ ‬ومرجعيتهم‮ ‬عند‮ ‬بروز‮ ‬الأزمات،‮ ‬والعماد‮ ‬سليمان‮ ‬هو‮ ‬أفضل‮ ‬من‮ ‬وعى‮ ‬ويعي‮ ‬هذا‮ ‬الواقع‮.‬

CONVERSATION

0 comments: