في نهاية هذا الشهر (آذار 2012) تخسر المؤامرة على سورية إحدى أقوى أوراقها؛ مع انتهاء رئاسة دولة قطر للقمة العربية، وانتقال هذه الرئاسة إلى جمهورية العراق، ولن يكون بوسع قطر التحدث باسم العرب للزجّ بتدخلات خارجية عسكرية غربية وسياسية وإنسانية في شؤون سورية الداخلية.
إن هذا الأمر يستبشر به السوريون العرب خيراً، عله يسهم في إيقاف أو الحد من التدخلات الخارجية التي جلبت الموت والدمار على سورية وشعبها وجيشها، فالقيادة العراقية للقمة العربية ستكون سداً وعوناً لسورية في مواجهة التحديات التي تواجهها، فدولة العراق الخارجة من أتون الحرب والاحتلال، تدرك أكثر من أي دولة عربية أخرى شرور التدخلات الخارجية والفتن الداخلية، وهي ستكون جسر عبور من سورية إلى الجامعة العربية، التي لم تعد جامعة عربية بعدما أخرجت سورية منها.
تسلم العراق الرئاسة مجرد انتصار
مجرد انعقاد القمة العربية في بغداد على أي مستوى كان سفير أو وزير أو رئيس أو ملك، وكذلك مهما كانت مدة القمة، هو انتصار للعراق ولسورية من بعده، إذ سيثبت أن المؤامرات الخارجية مهما كانت قوتها، لن تستطيع تطويع إرادة الشعوب.
العراق وبعد تسع سنوات من الاحتلال الأميركي، يعود قوة واعدة في المنطقة، مستفيداً من دعم ومؤازرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليأخذ دوره وموقعه للدفاع عن القضية الفلسطينية، وكذلك في الوقوف إلى جانب أشقائه العرب، لا سيما باتجاه سورية التي تتعرض اليوم إلى أبشع مؤامرة تستدرج تدخلاً عسكرياً خارجياً، لن يكون إلا وبالاً على سورية والأمة العربية..
إن هذه المعطيات الإيجابية لسورية لا تعني أن كل شيء قد انتهى، وأن المؤامرة قد توقفت، وأن سورية ستعود إلى حياتها الطبيعية في غضون أسابيع أو أشهر قليلة مقبلة، بل كل ما حصل هو تحطم حلقة من حلقات التآمر، وبقيت حلقات وحلقات تحاول أن تستجمع نفسها على سورية وشعبها، فمؤتمر "أصدقاء سورية" في نسخته الثانية التركية بعد النسخة الأولى التونسية يحاول أن يحقق أمرين:
الأول: تجميع المعارضات السورية المتعارضة في هيئة واحدة، لتكريس اعتراف عربي ودولي بها كممثل شرعي للشعب السوري، واستكمال خطة تقويض أركان الدولة والمؤسسات السورية، بعدما عجزوا عن شقها أو تطويعها، فهم لم ينجحوا في استمالة سفير أو وزير أو حتى ضابط كبير من ذوي السيرة الحسنة في الجيش العربي السوري والأجهزة الأمنية السورية، وأسماء الضباط الذين يعلنون انشقاقهم هم أصحاب ثأر من النظام والقيادة، إما لأنهم مطلوبون من الجيش لأسباب أخلاقية ومسلكية، وإما هم من المغرَّر بهم.
فهم يريدون شطب الدولة السورية وقوتها السورية، وإحلال المجلس الاسطنبولي مكان الدولة السورية، لكنهم بالأكيد سيفشلون ولن يكون أعضاء هذا المجلس سوى بالكاد ممثلين لأنفسهم، وغير قادرين على ادعاء التمثيل للشعب السوري، مهما أُغدق عليهم من الأموال أو سُخِّرت لهم وسائل إعلام على اختلاف أنواعها.
الشعب السوري لا يمثله إلا من هم في الداخل، أما من ارتموا في أحضان تركيا وأميركا و"إسرائيل" فلن يكون لهم موطئ قدم في سورية.
الثاني: مؤتمر أعداء سورية في اسطنبول يريدونه أن يكون أيضاً مدخلاً لإنشاء المنطقة العازلة التي يحلم بها العثمانيون الجدد، والعالم من خلفهم، ولن تكون إلا مقبرة لهم، لأن الشعب السوري، وفي حال حصول ذلك التدخل العسكري السافر، سيتجاوز كل خلافاته، وسيكون سداً منيعاً في وقف الزحف التركي الجديد، ما خلى فئة قليلة ستستمر في الرهان على هذا التدخل تحت ستار "الإنسانية".
فتركيا التي تطمح لدور لعب الإمبراطورية العثمانية، ورئيس حكومتها رجب طيب أردوغان الذي يطمح لأن يكون أحد السلاطنة الأتراك، لن تكون حرة في حركتها، فقد أفهمتها إيران أن التطرف في غير مكانه تجاه سورية سيكون مكلف عليها، وأن خيارات تركيا الأفضل أن تكون منسجمة مع بيئتها وموقعها، لا أن تكون جسراً أو ممراً للقوى الأجنبية.. لأن أي تجاهل للمصالح والحسابات الإقليمية سيخسر تركيا الكثير من المصالح، وهي لن تكون قادرة على الحفاظ على مصالحها، لأن تركيا لن تكون قادرة على المقايضة بين سورية والانضمام إلى دول الاتحاد الأوروبي.
فتركيا لا تملك القدرة على فرض شروطها ومواقفها، بل ستكون مجرد أداة لفرض خيارات جديدة على سورية، وهي ليست سوى ورقة تم استخدامها في لعبة مصالح دولية كبرى، ومصلحة تركيا، دولة وشعباً، أن تكون جزءاً من النسيج الحضاري والديني والثقافي لدول المنطقة، لاسيما إيران والعراق ولبنان، وبوابتها إلى هذه المنطقة ليست سوى سورية؛ الدولة الآمنة والمستقرة، ولذلك يجب على القادة الأتراك أن يتحلوا ببعد النظر، وألا يكونوا مجرد أداة ضد المنطقة وشعوبها، وألا يراهنوا على حسابات وتكهنات أشبه ما تكون بالتنجيم.
"كذب المنجمون ولو صدقوا"
فمن ينجم ويقول إن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد سيفقد سلطته في حزيران المقبل، أو إن سلطته لن تتجاوز حدود العاصمة السورية دمشق، هو واهم، ونزول الرئيس بشار الأسد إلى شوارع حمص، لاسيما حي بابا عمرو، هو مؤشر على أن النظام ثابت وقوي ومستمر، وليس على شفير الانهيار كما ينجم المنجمون..!
إن ظهور الرئيس الأسد في "بابا عمرو" هو مؤشر على قوة النظام السوري ومناعته، فالكثير من المحللين سيعمدون إلى إعادة النظر في مواقفهم، وسيقفون مع الدولة السورية في حربها مع الخارج.
إن رسالة الرئيس الأسد من حمص هي رسالة مدوية يجب أن تُخرج من النوم جهابذة الفكر والسياسية في عالمنا العربي، وأن يعوا حقيقة ثابتة وأكيدة؛ بأن استقرار سورية هو استقرار للمنطقة، واهتزازها هو اهتزاز لها.
فهل من يعي رسالة الرئيس الأسد؟!
0 comments:
إرسال تعليق