هناء الشلبي: وليمة التنين/ عطا مناع

اليوم طوت الأسيرة الفلسطينية هناء الشلبي الأسبوع الرابع في إضرابها عن الطعام، وتقول المؤسسات التي تعنى بشؤون الأسرى أن حياة الشلبي في خطر، وتعمل مصلحة السجون على استصدار قرار لكسر إضراب هناء بالقوة وهي سياسة قديمة جديدة استخدمتها مصلحة السجون في كسر إرادة الأسرى السياسيين باستخدام أساليب قديمة وخطيرة لإرغام الأسير تناول الطعام مما يعرض حياته للخطر كما حدث مع الشهداء علي الجعفري وراسم حلاوة واسحق مزاغة.
كانت الحركة الأسيرة الفلسطينية تقف طويلاً مع نفسها عندما تُقرر استخدام سلاح الإضراب عن الطعام، على اعتبار أنة أخر الأسلحة التي قوامها اللحم، وكانت الحركة الأسيرة الفلسطينية تستنفر كل طاقاتها وإمكانياتها لحشد الدعم الشعبي المحلي والدولي، وكانت تدرك المخاطر التي يؤدي إليها الإضراب على الصعيد الصحي والنفسي للأسرى، ورغم ذلك خاضت الحركة الأسيرة الفلسطينية العشرات من الإضرابات ألمطلبيه التي تعتبر استحقاقات حددتها اتفاقية جنيف الرابعة، هذه المطالب كانت عادية بالنسبة لغير السجناء، ملابس، بطانيات، راديو تلفزيون.....الخ من المطالب الحياتية.
لم تكن الحركة الأسيرة وحيدة، فالشارع الفلسطيني كان بمثابة الرئة التي يتنفس منها الأسرى، وإذا عدنا إلى ما قبل اتفاقية اسلوا، سنعرف أن الشعب الفلسطيني بقواه الوطنية والاجتماعية وقف مع الأسرى في إضراباتهم في نفحة وعسقلان وجنيد والقائمة طويلة، وكان للوقفة بعدُ عملي لا يختصر بشعارات التنديد والتأييد. أن المتتبع لواقع الحركة الأسيرة الفلسطينية أن الخراب الفلسطيني قد أصابها، ويستطيع الذي عاش تجربة الأسر قبل اتفاقية اوسلوا أن ظاهرة الخصخصة والتضخم التي تعيشها السجون.
كي نستخلص النتائج ونتعرف على واقع الحال الذي تعيش الأسيرة هناء الشلبي الوحيدة في زنزانتها رغم كل الأصوات التي تساندها علينا الوقوف على واقع الحال، فعلى صعيد الحركة الفلسطينية الأسيرة علينا أن نعترف أن الفصائل والسلطة الفلسطينية فرغت حياة الأسرى من مضمونها، كيف ذلك؟؟؟؟

قبل اتفاق اوسلوا كانت الحركة الأسيرة الفلسطينية تعيش حياة واحدة دون تمييز، كان الأسرى يتناولوا نفس الأكل، وكانت الخمس سجاير توزع كل صباح على الأسرى دون تمييز، وكانت وجبة القهوة اليومية موحدة، وفي وقت الزيارة كان الأسير المتزوج يحظي ببضعة حبات من الحلو ليقدمها للأطفال على شبك الزيارة، كان اللباس واحد، وكانت الوجبات التي تقدمها الإدارة وعلى رأسها الفول رأس مال الأسير، وأيامها كان الأسرى يجلسون في ساحة الفورة ويتناولون الوجبات بنفس الكمية والنوعية، بالفعل كانت حياة أسرى.
إن أدب الحركة الأسيرة الفلسطينية حافل بالمواقف الوحدوية والتضحوية، مواقف عززت مبدأ الواحد للجميع والجميع للواحد، وان قادة الحركة الأسيرة هم دائما في المقدمة، وبنظرة سريعة على التضحيات التي من لحم ودم نستطيع أن نستحضر الواقع الذي انقلب على نفسه في السجون على الصعيد الحياتي، وبالطبع جاء الخراب من الخارج.
الحال بعد أوسلو: لم يعد السجن بعد اسلوا سجناً، لم تعد الكنتية أي المبلغ الذي يدخل للأسير عشرة دولارات تغطي بعض الاحتياجات مثل القهوة والسجاير، أصبح من حق السجين إدخال المبلغ الذي يريد، وشراء ما شاء من دكان السجن، لم تعد وجبة السجن استحقاق لان الأسير يستطيع الطبخ وشراء المعلبات وكل ما يحتاج، وبالتالي أصبح في السجن أسير فقير وأسير غني، من منطلق أن هناك فصيل فقير وفصيل غني.
لم تعد الغرف والخيام كما كانت، اليوم غرف لأسرى منظمة التحرير، وغرف خاصة بأسرى الحركة الإسلامية، هذا التقسيم بات قابلاً للانقسام على نفسه ليصبح، غرف لحماس وأخرى لفتح والشعبية وهكذا، اختلفت حتى اجراآت مصلحة السجون العقابية، كانت في السابق يوم أو أكثر زنزانة، ويخرج الأسير معتزاً بنفسه، واليوم 250 شيقل عقاب سواء فردي أو جماعي.
كثيرة هي الأمراض التي اجتاحت السجون، معك فلوس تستطيع الاتصال بأهلك من خلال الجوال أو البلفون، إذا معك ما بيلزمك، هناك من اتخذوا من قضية الاتصالات تجارة في السجون وهم قلة قليلة ، وصل ثمن شريحة البلفون 3500 شيقل وجهاز البلفون أكثر من 18 ألف شيقل وقابل للزيادة حسب العرض والطلب، وكانت هذه الأجهزة تدخل عبر قلة من المحاميين الذي يقبضون مبلغ مقابل إدخالها، وفي إحدى المرات أجريت مقابلة مع محامي رفع شعار الدفاع عن حقوق الأسرى وأنا اعرف ومن خلال بعض الأسرى أنة يقيض مقابل إدخال البلفون الذي فتح تجارة للبعض في الخارج.
لا يكفي أن نقول هيا لنتضامن مع هناء الشلبي أو خضر عدنان، لا يكفي أن نتغنى بالأسير احمد سعدات القابع بالعزل الانفرادي هو وأسرى بعضهم أمضى أكثر من عشر سنوات، ولا يكفي أن نقول أن الأسرى على سلم أجندتنا وتسقط من أجندتنا خمسة أسيرات خلال إبرام صفقة شاليط.
هناء الشلبي ومن قبلها خضر عدنان ومن قبلهما احمد سعدات ورفاقه عرفا الحقيقة، حقيقة تغير الحال رغم كل ما يقال، هناء الشلبي هي الوليمة التي نقدمها للدولة المحتلة بصمت، هناك تضامن واحتجاج ومسيرات كلنا نعرفها ونعرف أن بعضها مجرد رفع عتب، وهناك تصريحات وبيانات نمر عنها أحيانا دون أن نتوقف لان بعضها يكرر نفسه.
هناء الشلبي والأسرى الفلسطينيين ضحية ثقافة وسياسة، سياسة الفصلنة والأموال التي تضخ للسجون بالملايين، هم ضحية الانقسام الذي بات مشبوهاً لأنة لا يخدم أهداف الشعب بل حفنة من المستفيدين، الأسرى الذين نحن جزء منهم في سجننا الكبير نُقدم يومياً كولائم للتنين والكلاب التي تنهش لحم إخوتنا في القرى المحاصرة.
لقد أعجبتنا لعبة كتاب غنيس، دخلنا التاريخ في حبة القطايف والكنافة النابلسية والمقلوبة والمنسف، لكن ما ينطبق على الكنافة لا ينطبق البشر، لقد انتصر خضر عدنان لكرامته ولم يكن يريد أن يتجاوز المناضل الايرلندي الاممي بوبي ساندز، ولا تريد هناء الشلبي أن تصل إلى ما وصل إليه خضر عدنان، هناء الشلبي انتصرت لكرامتها في وجه التفتيش العاري والانحطاط .

CONVERSATION

0 comments: