الثقافة العراقية بحاجة إلى قبر/ أسعد البصري


إلى الأديبة العالية ذكرى محمد نادر 

كل إنسان هو في الحقيقة أسير حياته الشخصية . مشاكل عائلية ، تعقبها مأساة صحية . 
لكي تكتب عليك أن تكون قاسيا حقا . 
تخيلوا هنري ميللر مع خمسة أطفال ، و زوجة بدينة مصابة بالسكر ، يعمل في مطعم يوناني عشر ساعات يوميا ..... هل كان سيكتب شيئا ؟
فكر بما سيحدث لو متَّ الليلة ؟ سيدفنونك ويتم نسيانك . تخلص من التفاصيل الشخصية ، واعتبر نفسك فعلا قد متَّ و دفنوك 
عندها تنهض من قبرك حرا من الجميع لا شيء يشغلك .لا المال ، ولا العمل ، ولا المشاكل العائلية ، ولا الصحية 
أنت تعيش لتقرأ و تكتب ولا تسمح لهم بخداعك أبدا . أيها الكاتب المجيد والميّت الحيّ 
المرأة تريد ممارسة السلطة والإستلاب على الكاتب . فالحب عندها ليس تبادلا بسيطا للمتعة والمرح 
صاحب العمل لا يقبل بتبادل بسيط لوقتك مقابل الأجر هو أيضا يمارس على روحك و عقلك سلطة استلاب 
أيها الكاتب البربري ، الذابح للحياة ، يا ذئب البوادي المخيف احذر الحب والعمل ولا تمنح أحدا روحك 
أنت الميّت العظيم في مأساة الحياة البشرية . لا تقتسم مجدك إلا مع الآلهة وارحل نادما بلا ندم
أول شيء سنفكر به ساعة الموت هو الكتب التي لم نقرأها ، الخواطر التي لم نكتبها ، والوجوه الجميلة التي لم نرها ....
الهواء المنعش الذي لم نتنفسه ، الظهيرة الساطعة التي لم نغرق بنورها .... والحب هل كان كما ظننا أم هناك حب آخر ... 
سنندم ، على أية حال ، لأننا لم نسمع تلك الموسيقى المصاحبة للمأساة الإغريقية لأنها ضاعت كما ذكر نيتشه 
ولسوف نحزن لأننا ربما لم نتعرف على المرأة الحقيقية ... لم نلمس يدها أبدا ، ولم نأكل الحياة من بيتها ......
نحن مجرد تفتح بيولوجي في الوجود ... الشيء الوحيد المذهل هو العقل ... ذلك التناقض الذي جعل من الإغتراب فينا قدرا ....
وكلما حدثت اضطرابات سياسية و حروب ظهر الإغتراب والقلق بشكل أكثر وضوحا في الحضارات وطفحت التساؤلات الفلسفية و نشطت الثقافة ..... 
لا يوجد اندفاع ثقافي في كندا مثلا لأن النظام السياسي مستقر ، و الإقتصاد قوي ، والبلد منظم ... إن قوى الشعب الكندي تم استهلاكها في إنتاج الرفاه ... والرفاه أدى إلى غياب القلق ، والهموم الشعرية ، والفنية ، والفلسفية . 
لكن الإنسان العربي يعيش اقتلاعا ، واضطرابا من المفترض به أن يكون قادرا على هز الشجرة المحرمة ، وابتداع المأساة ،والجمال في الثقافة . 
لم يتحقق ذلك بسبب الدين ........ الذي يتحول إلى تفسخ عقلي في فترات الإنحطاط ، بحيث يغيب الإنسان ويظهر المقدس فقط كانتقام بشري جبان ضد الضعفاء . 
الثقافة المتفشية اليوم هي ثقافة دينية طبيعتها كما تعلمون الأفيون والتخدير و عزاء العبيد والفقراء في هجاء الحياة و احتقارها وتمجيد القيود العبودية ، " أولئك الذين يحملون أسوأ المشاعر عن انفسهم ( بتعبير هيجل ) يقودون الثقافة العراقية اليوم .
حتى الأدب والفن تحول إلى تسلية .... علامة من علامات التفسخ والإنحطاط . 
وهذا طبيعي ، فكروا معي لماذا القرون الوسطى الطويلة المظلمة بكل أوبئتها و حروبها الطاحنة . بأممها الأوربية العظيمة لم تنتج سوى فيلسوف واحد هو توما الإكويني ( ت ١٢٧٤م ) الذي هو قس أيضا في نفس الوقت . شيء مشابه ( مع الكثير من التحفظ ) ل محمد باقر الصدر ( ت ١٩٨٠م ) و أحمد القبنچي . 
رجل معمم يقود الثقافة بشكل غريب والمثقف يتبع بلا تمرد ولا تساؤل . بل التمرد نفسه يقوده معمم ضد بقية المعممين والمثقف العراقي مجرد دجاجة تأكل الثقافة المنافقة وتبيض الشعر الفاسد . 
هذه الثقافة في القرن الواحد والعشرين بحاجة إلى قبر كبير .

CONVERSATION

0 comments: