....... من كثرة الهموم والمشاكل التي يواجهها المقدسيون،ترى الكثيرين منهم هائمين على وجوههم،ويمشون كأنهم سكارى وما هم بسكارى،ولا عجب أو غرابة اذا ما وجدت الواحد منهم يكلم نفسه كأن جن قد مسه،وهذه الحالة المقدسية ترجع الى كثرة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يواجها الإنسان المقدسي،ضغوط يكثفها الاحتلال عليهم في كل مناحي وجوانب حياتهم،ويفرض عليهم ضرائب بإشكال وتسميات مختلفة تفوق طاقتهم وتحملهم وقدراتهم،ناهيك عن الإجراءات والممارسات القمعية والاذلالية بحقهم،وليت المسألة وقفاً على هذا الحد،حيث ان 78% من المقدسيين دون خط الفقر،وبالتالي بالكاد يستطيع الإنسان المقدسي تامين مستلزمات ومتطلبات حياته الأساسية.
والخوف من فقدانه الهوية المقدسية(الهوية الزرقاء) اذا ما سكن او كان مركز حياته خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس،يدفعه للبحث عن مسكن في القدس وداخل حدود الجدار،حيث بيروقراطية الاحتلال وتعقيداته في منح رخص البناء وتكلفتها الباهظة،قد تدفع به للهجرة والسكن خارج حدود ما يسمى بلدية القدس او البناء بشكل غير مرخص وما يترتب على ذلك من تبعيات وتداعيات لجهة الهدم للبناء او الغرامات المالية الباهظة،أو استئجار بيت،واستئجار البيت عدا عن كونها عملية مضنية وشاقة لقلة البيوت الموجودة أو توجه أصحاب العقارات لتأجيرها لإفراد ومؤسسات أجنبية تدفع بالدولار،ومن يجد بيت للإيجار في القدس فالبيت المتواضع أجرته لا تقل عن 600 دولار في الشهر،واذا كان متوسط الأجور في المدينة للطبقة العاملة والموظفين لا تزيد عن 4500 شيكل شهرياً،فلكم أن تتصوروا كيف "يحيص ويليص" المقدسي ويفقد اتزانه ويخرج عن طوره وتتوتر اعصابه،فصاحب العقار يريد أقل شيء أجرة ستة شهور او عام مقدماً،ناهيك عن ان الايجارغير شامل لضريبة المسقفات "الأرنونا" ومصاريف الكهرباء والماء والمجاري،والأجرة قابلة للزيادة سنوياً،والمستأجر يكون تحت رحمة المؤجر وشبح وسيف الاخلاء مسلط على رقبته،وفي قضية الايجارات تنتفي كل المشاعر والعواطف والمال هو سيد الموقف،فأي تأخير بدفع الأجرة أو احتجاج على الزيادة،يعرض المستأجر للطرد ورمي أغراضه في الشارع.
مشكلة ايجار العقارات في القدس على درجة عالية من الأهمية،فالانسان المقدسي حتى يستطيع الصمود والثبات في القدس مضطراً للتضحية كثيراً،وخصوصاً ان الاحتلال يلاحق المقدسيون في تفاصيل حياتهم اليومية،والمقدسي هنا في ثباته وصموده يذوق الأمرين،فالاحتلال قدر فرض على شعبنا بالقوة،اما ايجار العقارات والبيوت فهو بحد ذاته مشكلة كبيرة،فلا أحد يساهم مع المقدسيين من أجل تثبيت صمودهم ووجودهم في القدس،حيث تكثر الشعارات والخطب ويغيب الفعل والعمل،وفي أجرة البيوت والعقارات نحن امام مشكلة معقدة،فإصحاب البيوت والعقارات اذا ما شعروا أن هناك جهة فلسطينية أو عربية،قد تساهم في دفع الاجرة أو تغطية ضريبة المسقفات"الأرنونا"،يقوموا برفع اجرة عقاراتهم،لأن عندنا نمت عقلية ارتزاق وانتفاع،سياسة وكالة الغوث والدول المانحة لتحويل شعبنا الى مرتزقة وشحادين،أو البعض منهم أو الكثير يميلون لتأجير بيوتهم وعقاراتهم الى مؤسسات اجنبية وفلسطينية،على اعتبار ان ذلك يجلب لهم أجرة أعلى ومشاكل أقل مع المستأجرين،وهنا لا توجد سياسة واضحة تنظم أو تضبط العلاقة بين الطرفين،أو هناك سقف أعلى للأجرة البيوت العقارات،فالحبل "مفلوت على غاربه"،فلا محافظة ولا سلطة ولا منظمة تحرير رسمت سياسة عامة في هذا الجانب الحيوي والهام في حياة المقدسيين،كتحديد سقف أعلى للاجرة،أو كانت هناك توجهات نحو دعم المقدسيون في اجرة البيوت،كما هو الحال عند الاحتلال،حيث يتم تقديم الدعم للمستوطنين من حيث تقسيط أثمان الشقق في المستوطنات ولفترات طويلة جداً،أو منحهم شروط استئجار بشروط ميسرة وأسعار مخفضة جداُ.
صحيح ان الاحتلال يمارس سياسة تطهير عرقي بحق المقدسيين من أجل طردهم وترحيلهم من وعن مدينتهم،ولكن هنا في قضية البيوت المستأجرة مشكلة كبيرة تسهم أيضاً في تحقيق الهدف في الهجرة عن المدينة وتفريغها من سكانها،فالمقدسي الذي لا يجد بيتاً للإيجار داخل حدود بلدية الاحتلال،يضطر للهجرة ونقل مركز حياته الى الضفة العربية،وبالقدر الذي نطلب فيه من أصحاب العقارات عدم استغلال حاجة المقدسي للسكن والتجبر فيه وفرض شروط وأجرة قاسية وكبيرة عليه،بالقدر ذاته نطالب المستأجرين بالحفاظ على بيوت وعقارات المؤجرين .
ان قضية أجرة العقارات والبيوت ليست بالقضية المعزولة عن القضايا الأخرى التي تقلق المقدسيون،ولكن هذه القضية أضحت قضية بارزة،ولا يجوز أن يتحكم فيها العرض والطلب،فالقدس لها خصوصية من حيث شدة وكبر الهجمة التي يشنها الاحتلال عليها بهدف تهويدها وأسرلتها،ولذلك يجب أن تتكاتف وتتوحد كل الجهود من أجل التصدي لهذه السياسة،وليس ان نساهم في تنفيذ تلك السياسة عبر شروط وأسعار تأجير مرتفعة جداً تجبر السكان على الرحيل ومغادرة المدنية،ويجب البحث عن الطرق والاليات التي لا تجحف بحق المؤجرين،ولكن وبما يراعي ظروف المستأجرين ومستوى دخلهم وحياتهم.
0 comments:
إرسال تعليق