عندما كان الرئيس بشار الأسد يجري لقاءاً مع التلفزيون السوري الحكومي كانت المظاهرات تعم شوارع المدن السورية منادية بسقوط النظام ورحيل بشار، وترفع يافطات معبرة.. كان من أبرزها يافطة نسخت بخط واضح وبارز، عبر فيها المتظاهرون عن صدق مشاعرهم تجاه الرئيس بشار، قالوا فيها: (الرئيس يكذب الآن)، مشيرين إلى المقابلة التلفزيونية التي كان يجريها مع التلفزيون الحكومي السوري تزامناً مع هذه المظاهرات.
وبالعودة إلى المقابلة وجدت أن كل ما جاء في المقابلة عار عن الصحة ولا يلامس الحقيقة لا من قريب ولا من بعيد، ولو اكتفينا برد بشار على (دعوة أوباما للأسد على لسان وزيرة خارجيته وبريطانيا وفرنسا وألمانيا للتنحي).. حيث قال الأسد:
(لا يقال لرئيس لا يعنيه المنصب00 لا يقال لرئيس لم تأت به الولايات المتحدة ولم
يأت به الغرب00 أتى به الشعب السوري).
ولو أمعنا النظر بهذه الإجابة لتحقق لدينا أن ما جاء في اليافطة التي رفعها المتظاهرون تنطق بالحقيقة (الرئيس يكذب الآن).
نعم إن الرئيس يكذب عندما يقول أنه لا يعنيه المنصب، وفي سبيله أزهق أرواح أكثر من ثلاثة آلاف مواطن، وغيب أكثر من ثلاثة آلاف مواطن، واعتقل أكثر من خمسة عشر ألف مواطن، وشرد أكثر من عشرين ألف مواطن، وحاصر مدن واستبيحت محارمها ومقدساته ومنع عنها الدواء والغذاء والاتصالات، وهدمت فيها منازل، وسرقت ونهبت أسواق ومحال تجارية في أقل من ستة اشهر، ولا يزال مسلسل القمع والعنف يطال كل المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والكرامة في كل المدن السورية وبلداتها وقراها، في سبيل التمسك بهذا الكرسي النتن الذي يسبح في مستنقع من الدماء.
أما عن قوله أنه لم تأت به الولايات المتحدة، فالحقيقة هي أن الولايات المتحدة هي من أتت به، فكلنا يذكر تصريحات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن عندما كان يُشيع جثمان الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى مثواه الأخير، بأن أمريكا تجد في بشار الأسد الرجل المناسب لقيادة سورية في المرحلة القادمة، وهذا التصريح عندما يصدر على لسان رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم يعني أنها تريد أن يكون الرئيس القادم لسورية هو بشار الأسد.
وعن دعواه بأن الشعب السوري هو من اختاره وجاء به لرئاسة سورية فهذا كلام يرفضه السوريون لأنه عار عن الصحة، فالشعب السوري لم يكن له الخيار في تنصيب أي رئيس للجمهورية منذ أن تسلق جدران الحكم في دمشق ضباط حزب البعث المغامرون في الثامن من آذار عام 1963، حيث كان الرئيس يأتي عقب كل صراع يحدث بين الرفاق البعثيين، حيث يحتكمون إلى البندقية والبسطار في تسوية الأمور فيما بينهم، فقد نصب نور الدين الأتاسي رئيساً للدولة بعد حركة 23 شباط 1966 الدموية، ونَصب حافظ الأسد نفسه رئيساً للبلاد بعد إطاحته برفاقه في انقلاب 16 تشرين الثاني 1970، ونُصب بشار رئيساً للبلاد بعد ليّ الرفاق البعثيين عنق الدستور وغيروا مادة أساسية فيه تنص على أنه يجب أن يكون المرشح لمنصب رئيس الجمهورية قد بلغ سن الأربعين، ليحولوا هذه المادة إلى أنه يجب أن يكون عمر من يرشح نفسه لرئاسة البلاد 34 سنة لتتناسب مع عمر بشار، ليرث أباه في الحكم في سابقة هي الأولى من نوعها في الأنظمة الجمهورية.
وكان هؤلاء الرؤساء حتى يعطوا لأنفسهم شيئاً من الشرعية اخترعوا نظام الاستفتاء (البيعة) دون أي منافس ليحصلوا على نسبة الأربع تسعات الشهيرة (99,99%)، وهكذا عاشت سورية رهينة لهذه النسبة دون أية مشاركة من شعبها في اختيار هؤلاء الرؤساء مرغمين بقوة العصا الأمنية والبسطار العسكري، وتحضرني في هذه المناسبة قصة طريفة حدثت معي، حيث كتبت مقالاً عن آخر استفتاء للرئيس الراحل حافظ الأسد وكان في عام 1998 كتبته تحت عنوان (أما آن لهذه المسرحية أن تنتهي) حيث اتصل بي أحد أصدقائي من سورية مستفسراً مني بالقول: هل أنت كاتب هذا المقال؟ فقلت له: نعم، فعاتبني وقال: لقد أثرت علينا في مقالك هذا كثيراً وأوقفت كثيراً من مصالحنا. فقلت له: يا صديقي إن الرئيس حافظ الأسد قال أن هناك فقط 219 في العالم من السوريين قالوا (لا) فليضيف اسمي إلى هذه القائمة فتصبح (220) قالوا (لا) فما يضيره ذلك، وكيف له لا يتحمل فقط 220 معارض قالوا (لا) من أصل 18 مليون قالوا (نعم).
هكذا كان اختيار هؤلاء الرؤساء لسورية وبشار من بينهم منذ نصف قرن، ولم يكن للشعب أي خيار في ذلك، فعلى بشار ومن يفكر في عقليته أن يفهموا أن كذبهم الصريح لم يعد ينطلي على أحد لا في داخل سورية ولا خارجها، وأن أصدق القول ما جاء على لسان الجماهير الثائرة وما رفعوه من يافطات (الرئيس يكذب الآن)..!!
0 comments:
إرسال تعليق