إفرازات... و صناديق اقتراع/ عبد العالي غالي

أراني مجبر أن أتذكر وأذكر بالشعار الذي رفعه الشارع الفرنسي عندما خرج في مظاهرات شبابية منددة بصعود "جون ماري لوبن" زعيم اليمين العنصري المتطرف في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية والكل يردد دون خجل "نشعر بالعار ... نشعر بالاهانة". مظاهرات وان صححت المسار بعض الشيء حيث أعطت "جاك شيراك" نسبة أصوات ما قط حلم بها رئيس فرنسي قبله ولا بعده، فان أجمل ما فيها أنها أثبتت أن أبناء من رووا ارض فرنسا بالدماء لن يرضخوا ولن يسمحوا بتمرير حماقات ولو اضطروا للتمرد على صناديق الاقتراع.

شعور بالاهانة سببه فرط نزاهة كادت أن تعبد للتطرف مسلكا يتسلل من خلاله خفية إلى مراكز القرار لولا بقية من نباهة... ظاهرة استحقت أن توضع على المشرحة لتبيان مكامن الخلل وتشخيص ما أجمع العاقلون على انه داء و أيما داء... وكذلك كان إذ خلص المشخصون والمشرحون أن التصويت لليمين المتطرف جاء عقابا للطبقة السياسية التي خيبت آمال الناخب وما حققت ولو بعضا من طموحاته. وأضافوا إلى ذلك ارتفاع نسبة الممتنعين أو المقاطعين للعملية الانتخابية من أساسها.

واراني مجبر أن اردد ولو فريدا أو منفردا نفس الشعار ذاك إذ أرى ازدحاما ديمقراطيا على رقعة هذا الوطن العربي يُعطي نتائج تُشعر بالاهانة والعار كل من لم يتلوث عقله بمبيدات العقل التي تنفثها فظاعيات البترودولار صباح مساء... فتحليل إفرازات صناديق اقتراعنا في ابسط مختبر للتحليلات الديمقراطية حتما سيثبت أننا نعاني من مرض ديمقراطي عصيب. إذ لا يعقل لجسم سليم أن يفرز هكذا نتانة... والمجحف حقا هو أن نستقبل النتانة بكل هذه البهرجة رقصا ودبكة وإنشادا. احتفالات قد تصلح لملء قليل من الفراغ الذي عم فينا وغاصت فيه ذواتنا حتى ما عدنا نفرق بين احدنا والفراغ في هذا الزمن العربي المشبوه.

ولأننا متيقنون أن اللئام لن تعطي شيئا يفتخر به، نقول لإفرازات صناديقنا: ستعون بعد هنيهة -إن افترضنا فيكم حسن نية- أن الظلم بنية ذات شروط مادية وموضوعية لا يزول إلا بانمحاء معطياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر استئصال أورامه الخبيثة المنتشرة في كامل أجهزة جسدنا الذي مل الأنين. وان تلطيف بنيته بالطيبوبة والنيات الحسنة لن يزيد الظلم إلا مناعة وفرصة استمرار... فهلاميته تعطيه صفة التخفي والتمظهر بمختلف الأشكال وفي مختلف الأزمان والأمكنة... وحتما سيأتي اليوم الذي سنعيد فيه، في أحسن الأحوال، الحديث عن صراخ "عمر بن عبد العزيز" في صحاري الخنوع بعد أن نكون قد فهمنا أن بنية الظلم تملك ملكات فائقة اللؤم. آنذاك سنخجل حتى من موتانا الذين سيذهلون حتما لما يجدوننا مازلنا نلوك نفس المعاناة وبذات الكلام. يومها سنكتشف أننا جعلنا من إفرازات صناديق اقتراعنا سمادا حيويا لتخصيب تربة تناسل فيها مجرمونا كالفطر فتضخموا وتشابكت عروقهم وما استطعنا لاقتلاعهم سبيلا.

لكم أن تصرحوا وتبشروا، وللشعب أن يصفق ويزغرد... ولنا أن نستمع لحكاياتكم التي تتأرجح بين الطرافة والقرف... وللمُعنعِنين والمعنعنات أن يعطونا براءة ذمة إذ رفعنا شعار الإحساس بالاهانة والعار في زمن أرادوا لنا فيه أن نختار من بين الكوارث أهونها كي يبقونا متأرجحين بين الكوارث.

المغرب

CONVERSATION

0 comments: