سـجناء فـي الحريـة!/ عــادل عطيــة


في الفيلم المصري "سوق المتعة"، يقضي "أحمد حبيب"، أجمل سنى عمره وراء القضبان الحديدية القاسية في جريمة جلب مخدرات، هو برئ منها براءة قرص الشمس من اللون الأسود!
وعندما يخرج إلى الحرية، يجد نفسه يمارس هوايات عجيبة بمتعة لا مثيل لها، مثل: تنظيف دورات المياة، والحنين دوماً إلى رفقاء السجن!
وفي حمام شعبي، يأتيه رسول العصابة، التي قدمته ككبش فداء لاحدى عملياتها القذرة، ويفاجئه أنه باستثمار سنوات سجنه، يتضح أن له مكافأة تقدر بسبعة ملايين جنيه!
فكان أول ما فعله بالمال الوفير، هو اختيار مزرعة متسعة، وتحويلها إلى سجن خاص، جلب له مساجين، وسجانين، وضابطاً آمراً؛ ليظل هو السجين الوحيد بينهم بلا اجنحة بإمتياز، وفي المرتبة الادني!
لم يعد أحمد حبيب، بطلاً لسيناريو نراه على الشاشة، ونتأسى على مصيره، وإنما رمزاً قومياً محزناً لكل من لم يستطع التخلص من قيوده المفكوكة؛ ولم ينظر برجاء إلى المستقبل، سامحاً للحرية أن تدخل في حياته!
فلا يزال البعض، حتى بعد أن شاهدوا ولادة جديدة لمصر من رحم ميدان التحرير، يقنعون أنفسهم قبل الآخرين بأن الثورة هي "انتفاضة في فنجان"، وأن الموضوع كله لا يخرج عن كونه "ضحك" على التاريخ المعاصر!
والبعض ينام هنيئاً بعد هذه الثورة، راغباً في أن يظل مشروع الحرية مخطوطاً، تقام له احتفالات الذكرى السنوية، كـ "مانيفستو" على الورق وليس كـ "ماجناكارتا" يتوجب تطبيقها عملياً بالتزام غير متزعزع على أرض الواقع!
ولا يزال البعض غير قادرعلى الاصغاء إلى نداء الحرية التي صعدت كبرق من الأرض، والتفاعل معها؛ لأنهم لم يتحرروا بعد من كل الأفكار المسبقة التكفيرية والمسلّمات المتطرفة عن الآخر التي راكمتها صراعاتنا التاريخية، ومعاملة السلطات الخاطئة، ونظرتها الدونية للآخر!
والبعض لا يزال يتحدث بكلام غامض ومنمق عن هذه الحرية الوليدة، بينما في عقلهم فكرة مزيفة شائعة عن الحرية في حضارتنا الحديثة، هي: "أنت حرّ لتفعل ما يحلو لك".. متغاضين عن الجواب الاخلاقي: "أنت حرّ لتفعل ما يجب عليك"!
،...،...،...
لنصل جميعاً في أسرع وقت ممكن إلى مجد الحرية، والتجاوب مع النداء الذي ملأ ساحة ميدان التحرير: "حراً حالاً"!...

CONVERSATION

0 comments: